لم يكن يدور في خلد مواطني مقاطعتي لومبارديا وفينيتو، أنهما سينجحان في تحقيق مسعاهم في الحصول على الحكم الذاتي ضمن إطار الدولة الإيطالية، حيث صوت المواطنون بأغلبية ساحقة لمصلحة حكم ذاتي أوسع نطاقاً، مع مشاركة كبيرة تمنحهم إمكانيّة التفاوض مع السلطات المركزية. ویطالب سكان الإقلیمین، الحكومة الإیطالیة بتفعیل المادة 116 من الدستور، التي تتیح للأقالیم المتمتعة بمیزانیة ثابتة ومستقرة منحها المزید من السلطات، ودرجات أعلى للحكم الذاتي.ويشتكي سكان المقاطعتين الثريتين من أنهما تساهمان بالقسط الأكبر في ميزانية إيطاليا من بقية الأقاليم الأخرى. ورغم أن هذا التصويت غير ملزم لحكومة روما إلا انه يصب في مصلحة الأحزاب اليمينية، مثل حزب رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو برلسكوني، أو الأحزاب الشعبوية الجديدة التي تعزف على وتر القوميات مثل حركة «خمس نجوم». وكان على الناخبين في فينيتو، وعددهم 4 ملايين و68 ألفاً، ولومبارديا وعددهم 7,9 مليون، التصويت على موضوع الاستفتاء الذي يحمل اسم «الإقليمية المتباينة»، أي إمكانية منح المقاطعتين «سلطات أوسع من الحكم الذاتي» حسب نص المادة 116 من الدستور القومي؛ وذلك في ما يتعلق بالمسائل التالية: التعليم، وحماية البيئة، والنظام البيئي، والتراث الثقافي. وحسب لجنة فرز الأصوات فإن 98,1 %من الناخبين صوتوا لمصلحة «نعم» في البندقية، مقابل 95 %في لومبارديا، فيما قدرت نسبة المشاركة في التصويت بنحو 57,2 %، و40 %على التوالي في المنطقتين. ويبلغ عدد سكان مقاطعة فينيتو، وعاصمتها البندقية (فينيسيا) 4 ملايين و903 آلاف نسمة، فيما يبلغ عدد سكان لومبارديا وعاصمتها ميلانو الحاضرة الاقتصادية الأولى لإيطاليا، 10 ملايين نسمة. وصوّت الناخبون في فينيتو، من خلال بطاقة انتخابية تقليدية، بينما قام نظراؤهم في لومبارديا، ولأول مرة في تاريخ إيطاليا، بالتصويت إلكترونياً؛ من خلال الضغط على الخيارات التي تظهر على جهاز كمبيوتر لوحي (تابليت) تم تثبيته في غرفة الاقتراعوعلى عكس إقليم كتالونيا الإسباني الذي أجرى في أول أكتوبر أول استفتاء على الاستقلال على الرغم من اعتباره غير دستوري فإن الاستفتاءات في إيطاليا تدخل في إطار القانون.ومثل كتالونيا، يشكو لومبارديا وفينيتو من دفع ضرائب أكثر مما يتلقيان من أموال. ويمثل لومبارديا الذي يضم مدينة ميلانو نحو 20 %من الاقتصاد الإيطالي ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو. ويمثل فينيتو الذي يضم مدينة البندقية السياحية نسبة عشرة في المئة. وقال ماسيمو بيسكيتا، الذي صوت بنعم في بلدة صغيرة خارج ميلانو، «لومبارديا وفينيتو لديهما إدارتان تتسمان بالكفاءة وخدمات عامة تعمل بشكل أفضل بكثير من الأقاليم الإيطالية الأخرى... لذا أعتقد تجدر المطالبة بالمزيد من الحكم الذاتي».وتأسس حزب ليجا نورد في تسعينيات القرن الماضي لشن حملة من أجل دولة «بادانيا» المستقلة التي تمتد في شمال إيطاليا، من لومبارديا في الغرب إلى البندقية في الشرق. ولم يعد الحزب يدعو للانفصال، لكنه يقول إن الضرائب التي يرسلها الشمال إلى روما تهدر بسبب البيروقراطية والافتقار للكفاءة على مستوى الدولة.ويأمل القائمون على الاستفتاءين أن يتم تعديل الدستور، ضمن مقترحات أطلقتها الحكومة السابقة لماتيو رنزي، واعتمدها البرلمان في وقت سابق هذا العام، وتشمل نحو ثلث الدستور.وعلى الرغم من أن نتيجة الاستفتاءين ليست ملزمة؛ لكنها تمثل ضغطاً على روما من شمال إيطاليا الغني بما يسمح لرئاستي المقاطعتين بالطلب من الحكومة المركزية الدخول في مفاوضات؛ للحصول على المزيد من الصلاحيات في المسائل التي يسمح بها موضوع الاستفتاء، وأخرى مثل الإشراف على المالية العامة والعمل والطاقة والبنية التحتية والحماية المدنية. وحتى في حال قبول الحكومة المركزية منح هذه السلطات للمقاطعتين، فإن منحها دستورياً سيحتاج إلى قانون خاص توافق عليه الأغلبية في غرفتي البرلمان.وتعد فینیتو ولومباردیا من أغنى المناطق في إیطالیا، وتسهمان وحدهما ب30 % من إجمالي الناتج المحلي، وتطمحان إلى الحصول على مزید من الموارد، من خلال استعادة نحو نصف رصید الضرائب الراهن، وبلغ هذا الرصید 45 ملیار یورو للومباردیا، و15 ملیار یورو لفینیتو. كما تریدان الحصول على صلاحیات إضافیة في مجال البنى التحتیة والصحة والتعلیم، وحتى سلطات خاصة بالدولة في مجالي الأمن والهجرة اللذین یركز علیهما حزب رابطة الشمال، لكنهما يتطلبان تعدیل الدستور.
مشاركة :