الغزو الأميركي كان حراما، والذي أمر به كان من إخوان الشياطين. أما الغزو الإيراني فحلال، والذي أفتى به واحد من أولياء الله الصالحين.العرب إبراهيم الزبيدي [نُشر في 2017/11/18، العدد: 10816، ص(9)] تتذكرون أيام الغزو الأميركي للعراق. وتتذكرون من وقف معه ومن وقف ضده. فالذين فرحوا به وتحالفوا معه وساعدوه واشتغلوا له أدلاء ومرشدين لـ”همراته” ودباباته، يحرضونها على خصومهم السنة، هم “مجاهدو” جميع الأحزاب الدينية الشيعية، والمرجعية وإيران، وكثيرون من العراقيين الآخرين المخدوعين والمغرر بهم الذين أوهموا بأن أميركا ستساعد العراقيين على إقامة نظام ديمقراطي جديد حقيقي، وليس مغشوشا ولا عميلا لأحد. بالمقابل اختار أغلب البعثيين، وفي طليعتهم أقارب صدام حسين، والمستفيدون من نظامه، وكثيرون من العرب السنة المدفوعين بالوطنية والشهامة والكرامة، أن يحملوا ما تيسر من سلاح لمقاومة المحتل، والموت في ساحات القتال. ولكن فئة قليلة من المهربين والسماسرة والطفيليين والانتهازيين وجدوا في المقاومة سلعة نافذة “ساخنة” تدر عليهم عشرات، وعلى بعضهم مئات الملايين من الدولارات، فراحوا يتقاطرون على حكومات، وعلى أجهزة مخابرات عربية وأجنبية يسرها أن يُقتل السنة بالأميركان والشيعة وإيران، وأن يُقتل الأميركان والشيعة وإيران بالسنة، فبايعوا أنفسهم وشباب طائفتهم بما كانوا يقبضون. من هنا تعددت دكاكين المقاومة، وتنوعت ألوانها وأسماؤها وأسماء أصحابها. وبين الحق والباطل، وبين المبدأ الشريف والغرض الخبيث، جرى ما جرى، ودفعت الطائفة ثمنا باهظا جدا من دماء أبنائها وحرياتهم وكرامتهم وأمنهم وأرزاقهم، وما زالت تدفعه إلى يومنا هذا، وسوف تظل. ومعروف من هم تجار القومية والدين والطائفة الذين استغلوا مظلومية السنة فتسللوا إلى خيم الاعتصام في الفلوجة والرمادي وصلاح الدين، وعملوا على توريط المعتصمين بمعارك خاسرة كانت في غنى عنها وعن ويلاتها وتبعاتها اللاحقة. فكان ما كان، وتحت خيم الاعتصام ولد تنظيم داعش، وتحول الاعتصام الجماهيري السلمي المطالب بحقوق مشروعة وعادلة إلى قوى مسلحة تهدد بغزو بغداد و”تحريرها” من سلطة وكلاء الاحتلال الإيراني. الأمر الذي سهل على الإيرانيين ووكلائهم العراقيين، مهاجمة المعتصمين، بحجة محاربة الإرهاب والتطرف، ففتكوا بشبابها ورجالها ونسائها، ثم ساهموا، بشكل أو بآخر، في احتلال داعش لمدينة الموصل وتكريت والرمادي والفلوجة وغيرها. وها نحن هنا، وقد أصبح العراق اليوم، وخصوصا بعد خطيئة الاستفتاء البارزاني، كلُه، من زاخو لحد الكويت، مزرعة ملحقة بإيران، وصار لحرسها الثوري، وحده، ولسفارتها وحدها، حقُ التصرف المطلق بحياة أهلها ومصيرهم، دون حدود ولا قيود. وخلاصة هذه المقالة أن دخول القاعدة إلى العراق، ثم ولادة عصابة الزرقاوي، ثم داعش، ونزيف الدماء الذي لم يتوقف، ولن يتوقف، كان نتيجة لاجتهاد البعض المخلص والصادق والنزيه من السياسيين السنة الذين قادوا الطائفة إلى معارك غير متكافئة مع الجيش الأميركي وإيران ومن والاهما من الحاقدين المتربصين بها وبأبنائها ومدنها وقراها أجمعين. كما كان نتيجة متوقعة لانتهازية البعض الآخر الذي اتخذ حقوقَ الطائفة ومظلوميتها، في زمن نوري المالكي بشكل خاص، بضاعة للكسب غير المشروع. ولا يستطيع أي محاور عادل ومنصف إلا أن يحترم أي مقاوم يقاتل المحتل، ولكن بشرط أن تكون مقاومته تلك مبدئية، وضد أي احتلال، وضد أي محتل، من أي لون وأي اسم، دون تمييز ولا تفريق بين واحدٍ وآخر. ولكن حينما نجد غُلاة المقاومة السنية (السابقين) الذين دوخوا الدنيا بصراخهم من أجل الموت دفاعا عن الشرف الرفيع ضد الاحتلال الأميركي الغاصب، ساكتين اليوم، أو راضين، أو متهاونين، أو متحالفين مع احتلال آخر أشد ظلما، وأكثر حقدا وضراوة وعداوة وإصرارا على عدم الرحيل، فتلك مصيبة، وأية مصيبة. فبالأمس كان الجيش الأميركي المحتل يقيم فقط في معسكرات مُحصنة، وقواعد مُسورة بالسواتر الترابية والأسلاك الشائكة، لا يخرج منها ولا يقتل ولا يعتقل ولا يُداهم إلا من يهاجمه، ويقتل جنوده وضباطه، في أغلب الحالات. أما دولة الولي الفقيه فهي مقيمة في العراق إقامة دائمة، ليست سائحة، ولا حتى قوة استعمار عابر سترحل عما قريب كما رحلت التي كانت قبلها، بل إنها تعلن وتباهي وتجاهر، دائما، بأن العراق، كلّه، كان ولدها الذي كان ضائعا فوجدته وأعادته إلى أحضانها، من الآن وإلى أبد الآبدين، وهي، بحرسها الثوري وبعشرات الميليشيات التي أنشأها وكلاؤها العراقيون، وسلحتها، وتولتها بالعطف والرعاية، موجودة في كل مدينة وقرية من مدن الوطن وقراه، قوةً آمرة ناهية، تدير مراكز الأمن ودوائر الشرطة والأسواق والمصارف والمدارس والمساجد والحسينيات والمزارع وغرف نوم أهلها، علنا ودون رياء. والمحزن أن كثيرين من “أبطال” المقاومة السابقين الذي تصدوا لاحتلال 2003، دون هوادة، تعلموا النفاق، وفضلوا المهادنة والمحالفة، والمشاركة الهامشية في سلطة الاحتلال، وأنكروا على غيرهم مقاومة الاحتلال الجديد. ومنهم، أيضا، من يفاوض، من زمن طويل، خلف الأبواب المغلقة، من أجل أن تغفر له السفارة الإيرانية معارضته السابقة لحكمها، وأن تسمح بإدخاله خيمة حكومتها العراقية، ولا يستحون. يعني أن الغزو الأميركي كان حراما، والذي أمر به كان من إخوان الشياطين. أما الغزو الإيراني فحلال، والذي “أفتى” به واحدٌ من أولياء الله الصالحين. أما البعض الثالث الذي قاتل الأميركان بكل ما أوتي من قوة ومن رباط الخيل فقد عاد إليه عقله، وتحول بقدرة قادر، إلى حليف لصيق بأميركا، وله مكاتب ومنازل ونواد ومؤسسات وشركات في واشنطن ونيويورك، ويقيم كل أسبوع، وأحيانا في كل يوم، ولائم التكريم والشكر والعرفان لهذا أو ذاك من كبار المسؤولين الأميركان في الدفاع والخارجية والكونغرس والمخابرات. وعوائلهُم هناك، في أنقرة واسطنبول ودبي وعمان وأربيل، تنام على أصوات الموسيقى الهادئة، وتُصبح على تغريد البلابل والعصافير. أما من بقي على عهده وشرفه ونزاهته ووطنيته الصادقة فنفرٌ قليل، بين هارب، ومهجر، ومعتقل، ومختطَف، أو باقٍ في الوطن دون عضيدٍ ولا معين. كاتب عراقيإبراهيم الزبيدي
مشاركة :