بعد نحو أربعة أشهر على إعلان الحكومة العراقية تحرير الموصل من الإرهابيين، ما زال سكان الحي القديم في غرب المدينة غير قادرين على العودة لأسباب عدة بدءاً من المنازل المدمرة وصولاً إلى الخوف من «الخلايا النائمة». يقول حسين فالح (29 عاماً) العاطل من العمل حالياً ويسكن في حي النور في الجهة الشرقية من ثاني أكبر مدن العراق: «أتمنى العودة (إلى غرب الموصل) وترميم بيتنا المهدم بما تيسر (...) لكن القوات الأمنية لا تسمح لنا». وأعلن الجيش في العاشر من تموز (يوليو) الماضي استعادة الموصل بعد تسعة أشهر من المعارك الدامية، قبل أن يفرض سيطرتها نهاية آب (أغسطس) على محافظة نينوى. ومذاك الحين تسعى العائلات الموصلية للعودة إلى منازلها في المنطقة القديمة، لكن الخوف والرعب المتمثل بالألغام والعبوات وفلول الإرهابيين يحول دون ذلك. وتعرضت المنطقة، في الضفة الغربية من نهر دجلة الذي يقسم المدينة إلى نصفين، لدمار كبير جراء المعارك وقصف الطيران العراقي وطيران التحالف الدولي. وتبدو الأضرار جسيمة خصوصاً في منطقة القليعات، وهي التلة التاريخية التي بنيت عليها الموصل عام 612 قبل الميلاد وحيث كانت منازل تقليدية من الجص والخشب وكنائس ومساجد من مئات السنين. في شوارع المدينة حيث تتكدس الحجارة وأثاثات البيوت، ما زالت الحياة بعيدة كل البعد. فصارت ملاذاً لأعشاش الطيور، إذ غابت أي معالم للأزقة والشوارع، ولم يبق إلا أطلال مآذن وقباب جوامع، وبعض من آثار الشناشيل التاريخية التي تتميز بها الهندسة في المنطقة. يشير حسين، وهو أب لثلاثة أطفال، إلى أن «الساحل الأيمن (غرب الموصل) منكوب (...) ومئات العائلات أصبحت الآن مشردة» من المدينة الواقعة على نهر دجلة الذي ينساب تحتها منذ مئات السنين وقل ماؤه الآن كأنه يعلن الحداد على الخراب. تعد المنطقة القديمة مركزاً أساسياً لبعض المهن الشعبية التي يعتاش منها أهالي الموصل، كصيد الأسماك وصناعة خبز التنور والألبان والحلويات والقوارب وأعمال يدوية خشبية. لكن شيئاً لم يبق من ذلك إلا بعض الشواهد من المعدات المدمرة والمتناثرة قرب جدران لا تزال تحمل كتابات غير واضحة خطها الجهاديون. تحت تلك الأنقاض، رعب وخطر يحدق بالمدينة وأهلها. يقول عضو مجلس محافظة نينوى خلف الحديدي إن «عدداً من عناصر داعش ما زالوا مختبئين في سراديب المنطقة غير المطهرة». ويضيف أن هؤلاء «يعتاشون على مخزونهم من الأغذية والمياه. لقد تمكنت القوات الأمنية من قتل عدد منهم أثناء عمليات تفتيش (...)، لكنها تتكتم أحياناً في تصاريحها حيال هذا الموضوع». ويؤكد أهالي المنطقة ذلك، ومنهم أحمد جاسم (35 عاماً) من حي الزنجيلي، والذي يقول إن «القوات الأمنية عثرت قبل مدة على أحد عناصر داعش مختبئاً في سرداب بيت في المنطقة القديمة». ويضيف رب العائلة المكونة من خمسة أشخاص: «لذلك لا تسمح لنا القوات الأمنية بالعودة إلى منازلنا إلا بعد تطهيرها، خصوصاً بعد قتل عدد من المدنيين بعبوات». ويقول الباحث الاجتماعي حامد الزبيدي إن تأخير إعادة إعمار الموصل قد يتسبب بمشكلات أمنية واجتماعية وبيئية يصعب حلها. ويضيف: «على الحكومة الإسراع في حل أزمات ومشكلات الموصل وعموم محافظة نينوى»، مضيفاً أن «إهمال إعمار المدينة سيؤدي إلى تدهور أمنها من جديد في ظل وجود خلايا نائمة». لكن على رغم ذلك، يصر قائد الشرطة في نينوى العميد الركن واثق الحمداني على أن «الوضع الأمني مستقر» في شرق المدينة و «يحتاج وقتاً لفرضه» في غربها. ودعا «النازحين إلى العودة إلى الموصل»، مشيراً إلى «عودة 95 في المئة من أهالي الساحل الأيسر (شرق)». من جهة أخرى، يلفت رئيس لجنة حقوق الإنسان في مجلس محافظة نينوى غزوان الداؤوي، إلى عودة «أكثر من 39 ألف عائلة إلى مناطق مختلفة من غرب الموصل» منذ إعلان فرض السيطرة على كامل نينوى، ما عدا المدينة القديمة. وبلغ الخوف بالسكان في تلك المنطقة حد تخيل سماع أصوات نساء وأطفال يبكون ويصرخون خلال الليل، وفق بعض الروايات. ويقول سائق سيارة الأجرة صالح علي (50 عاماً): «سمعت تلك الأصوات عند مروري بالسيارة في شارع الكورنيش المقابل للمنطقة القديمة». لكن أم محمد، وهي ربة منزل تبلغ من العمر 33 عاماً، تقول إن هذه «هذه مجرد شائعات أحداً لم يتأكد من صحتها (...) وربما ليست إلا أصوات صفير الهواء وهو يعبث بالأبنية المهدمة».
مشاركة :