تفتحت عيناه على الدنيا محملاً بسيرة طويلة من الإنجازات، والده، عبدالقادر حلمي باشا، أشهر قائد للجيش آنذاك، واستطاع بفضل جهوده إخماد الثورة المهدية في السودان، إضافةً إلى المكانة الاجتماعية التي تمتعت بها أسرته، كلها أمور ولدت بداخله الإصرار والدافع لتحقيق أشياء مماثلة. وُلد إسحاق حلمي بقرية العلوة بحلوان عام 1901، ومنذ صغره عشق ممارسة الفروسية والسباحة، إلى أن زادته الأحداث إصرارًا على تحقيق الإنجازات بعد وفاة والده سنة 1908. حسب المنشور بـ«أرشيف مصر» بحث كل من الملاكم سيد البشلاوي، ونجاتى بك أباظة أحد الأعيان، ومستر فيليب أوفارل رئيس تحرير جريدة «الاجيبشيان ميل»، والكاتب الصحفى محمد التابعي، في كيفية السباحة في مسافة تمتد من دمياط إلى رأس البر، والتى تقارب 15 كم، ليطلبوا من إسحاق حلمي القيام بتلك المهمة. بالفعل استطاع «إسحاق» اجتياز التحدي، وعبر المسافة في 13 ساعة، ليقرر بعدها زيادة المسافة، لتكون 25 كم بين حلوان والقاهرة، ليصبح منذ تلك اللحظة محور حديث الصحافة. ازداد الاهتمام بـ«إسحاق» أكثر فأكثر بعد أن أعلن نيته بعبور بحر المانش، قرار تحمل تنفيذه بمفرده، وهو من توجه مباشرةً إلى فرنسا للتدريب، وحسب المنشور بمجلة «المقتطف» عمل على إنقاذ الغرقى من السباحين، الذين كانوا يتمرنون مثله على عبور المانش، حتى بدأ أولى محاولاته في 13 أغسطس 1928. خلال استعداداته فوجئ بإصابته بمرض البلهارسيا، أمر أعاق تحقيق حلمه ليبدأ في لخضوع لجلسات العلاج، وما أن استعاد عافيته تمكن من عبور المانش في 23 ساعة و51 دقيقة. بعد تحقيق «إسحاق» للإنجاز كان المانشيت الرئيسي لصحيفة «الأهرام»: «أول سباح شرقي يجتاز المانش.. فوز إسحاق حلمي بك المصري في سباحته». وحسب ما نقله الدكتور يونان لبيب في مقالته، عن عدد «الأهرام» آنذاك، أن المراسل كتب، في 13 أغسطس: «بعد ما قضي حلمي بك الليل بطوله يكافح مياه المانش الباردة، وصل أخيرًا إلى الشاطئ عند فولكستون قبل الساعة الثانية بعد ظهر اليوم بتسع دقائق، وقد قضى في الماء ثلاثًا وعشرين ساعة وإحدي وخمسين دقيقة منذ غادر الشاطئ الفرنسي أمس». كما وصف مراسل «الأهرام» لحظة وصول «إسحاق» بقوله: «احتشد جمهور غفير لاستقباله والترحيب به، وكانت جسامة بدنه موضع الاهتمام الشديد، وقد بدا منهوك القوى عندما مشي على الشاطئ، وكانت ابتسامته اللطيفة المألوفة مفارقة شفتيه، ولكنه رقد بضع دقائق وأعطاه مدربه شرابًا منعشًا، ثم سار إلى الحمام حيث استرجع قواه ونشاطه بعد الاستحمام والتدليك». وتابع: «تحدث حلمي بك إليّ، فأعرب عن سروره بنجاحه، وكرر قوله إنه قام بهذا العمل إرضاء لمليكه الذي تتوق نفسه إلي أن يتوفق مصري لعبور هذا البحر سباحةً». فور عودته إلى مصر كرمه الملك فؤاد الأول بمنحه نوط الجدارة، وبعد سنوات أصبح أول مصرى يرأس بعثة مصر فى سباق كابري للسباحة 1966. حصل «إسحاق» على عدة ألقاب، منها «راشد السباحة الطويلة»، و«عميد السباحين المصريين»، وأطلق عليه الإنجليز «فرعون مصر»، كما منحه الرئيس الراحل محمد أنور السادات وسام الاستحقاق، قبل أن يتوفي في عام 1980.
مشاركة :