فاجأ انخفاض أسعار النفط لأقل مستوى في شهرين معظم المحللين وأخذهم على غرة في الوقت الذي يشهد فيه العراق أعمال عنف وتتصاعد التوترات بين الغرب وروسيا وتخضع إيران لعقوبات. غير أن ارتفاع الإمدادات من أمريكا الشمالية وضعف الطلب دفعا أسعار النفط لأقل من مائة دولار ما يبرز المزايا السياسية والاقتصادية التي تمنحها ثورة النفط الصخري لواشنطن وحلفائها الغربيين. ووفقاً لـ "رويترز"، فقد ذكر محللون أن اعتماد روسيا وإيران على إيرادات النفط اعتمادا كبيرا يعرض ميزانية بلديهما لعجز عند مستوى السعر الحالي ما يضعف موقفيهما في التفاوض على سيادة أوكرانيا والاتفاق الخاص ببرنامج طهران النووي. وتحمي زيادة إنتاج الخام في الولايات المتحدة وكندا الغرب من تهديدات موسكو بخفض الإمدادات كإجراء انتقامي أو تعطل أكبر للإمدادات من الشرق الأوسط، وذكر البروفيسور بول ستيفنز من معهد تشاتام هاوس للبحوث في لندن أن زيادة الإنتاج تفيد الولايات المتحدة بكل تأكيد، مشيراً إلى أن انخفاض الأسعار يمثل تهديدا بالغا للروس، ولا نعرف إلى أي مدى سيؤثر في سلوكهم في كييف ولكنهم سيشعرون بضغوط على الميزانية بكل تأكيد. وانخفضت العملة الروسية بالفعل لأقل مستوى أمام الدولار على الإطلاق جراء تضرر الاقتصاد من عقوبات فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بسبب تورط موسكو في أوكرانيا، ويقود هبوط الروبل لارتفاع سعر عدد كبير من الواردات الروسية من الخضراوات إلى السلع الفاخرة. ويرتفع الإنتاج اليومي للنفط في الولايات المتحدة بشكل كبير منذ الأزمة المالية، وفي عام 2010 كانت الولايات المتحدة تستورد نصف الخام الذي تستهلكه غير أن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية تتوقع أن تنخفض النسبة إلى أكثر قليلا من 20 في المائة في العام المقبل. وحتى مع إبقاء الولايات المتحدة على الحظر على تصدير الخام إلى حد بعيد يظل جزء كبير من إنتاج غرب إفريقيا والشرق الأوسط بلا مشتر، ورغم أن انخفاض الأسعار قد يؤثر في شركات الطاقة الأمريكية فإن المستهلكين سيستفيدون من انخفاض أسعار البنزين. وفي حالة إيران لن يضر السعر المنخفض باقتصادها الذي نالت منه بالفعل العقوبات الرامية تحديدا لتقليص مبيعات النفط بل يضعف قدرتها على الضغط على الغرب للوصول لاتفاق سريع بشأن برنامج طهران النووي. وفي ظل انخفاض أسعار النفط يقول محللون "إنه يضعف الجدوى الاقتصادية المباشرة للإسراع بإعادة الإنتاج الإيراني للأسواق العالمية ويمنح القوى الغربية مجالا أوسع للتشدد في موقفها". بل إن بعض المحللين يرون أن انخفاض الأسعار سيضر أيضا بالدولة الإسلامية التي سيطرت على عدد من حقول النفط في سورية والعراق إذ تضطر لبيع النفط بخصم أكبر في السوق السوداء لتمويل التنظيم. وذكر فرانشيسكو بلانش المحلل في "بنك أوف أمريكا" الأسبوع الماضي، أن تقدم الدولة الإسلامية سبب اضطرابا سياسيا في الشرق الأوسط وغير دوافع عديد من الأطراف الإقليمية والعالمية الرئيسية. وأضاف بلانش أن "الأسعار المنخفضة تضر بتنظيم الدولة الإسلامية وإيران وروسيا وتساعد الغرب"، متوقعاً أن يكون السعر الذي يحقق مستوى التعادل في ميزانية روسيا 105 دولارات للبرميل. وعلى مدار الأعوام الماضية أكدت السعودية أنها ستوفر لمختلف دول العالم احتياجاتها من النفط، وردا على سؤال عما إذا كان الهبوط يدعو للقلق تساءل علي النعيمي وزير البترول في السعودية "هل سبق لكم أن رأيتموني قلقا"؟ مضيفاً أن "هذه ليست أول مرة تتغير فيها الأسعار فهي دائمة التغير، وهي عملية ديناميكية". واستبعد ممثلو الدول الخليجية الأخرى المشاركة في الاجتماع الوزاري في الكويت أن يدفع انخفاض الأسعار "أوبك" للتحرك إلا إذا هوى السعر دون 85 دولارا للبرميل. وقال سامويل سيزوك مستشار أمن الطاقة لدى معهد الطاقة السويدي، "إن الانخفاض سيستحوذ على فكر دول الخليج ومنظمة أوبك بصفة عامة وينبغي ألا ننسى أن الانخفاض يأتي بعد أشهر كانت الأسعار خلالها جيدة من وجهة نظرهم". وفي حين يرتفع إنتاج الولايات المتحدة سريعا جاءت القفزة الكبيرة في الإمدادات من دول لا يزال إنتاجها مهددا مثل ليبيا ونيجيريا، ولم يحدث تحسن ملحوظ للاستقرار في هذه الدول أي أن الإمدادات الإضافية مهددة إلى حد بعيد. وارتفع إنتاج ليبيا إلى أكثر من 800 ألف برميل يوميا أي ثمانية أمثاله قبل أشهر قليلة فحسب، وتلت الزيادة اتفاقا لإنهاء حصار لموانئ التصدير استمر عاما ولكنه يأتي في وقت تفقد فيه الحكومة السيطرة على البلاد. وفي وقت ترتفع فيه الإمدادات ويتراجع الطلب يعمد تجار إلى تخزين كميات إضافية من النفط في انتظار تعافي الأسعار، وترى وكالة الطاقة الدولية، في ضوء الوضع المتقلب في الشرق والأوسط وشمال إفريقيا ميزة من أجل أمن الطاقة على مستوى العالم.
مشاركة :