دماء على الإسفلت

  • 9/15/2014
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

كان صباحاً مسالماً كصباحات مكة المكرمة، رغم درجة الحرارة المرتفعة والرطوبة التي أصبحت رفيقاً جديداً لأجواء مكة، لم يكن هناك شيء يشي بأن هذا الصباح بالذات سيكون مختلفاً وأنه خلال ساعات سيتحول إلى كارثة، كارثة خطفت 6 أرواح بريئة في غمضة عين وأحالت مثلها إلى سرير المرض. لم يتخيل العمال البسطاء وهم يرتدون ثيابهم الخفيفة وأحذيتهم البلاستيكية ويلفون رؤوسهم بالأشمغة القديمة ويتوجهون لمقار عملهم تحت الشمس في قناعة ورضا رغم ظروف العمل القاسية التي يواجهونها، لم يتخيلوا أن ما سيواجهونه اليوم أكبر كثيراً من احتمالهم، وأن مارد الأخطاء القاتلة قد استيقظ اليوم وهو يبحث عن ضحايا جدد ليلتهمهم في نهم. فجأة وبينما هم يتوزعون في موقع العمل ويبدأون مهامهم انهار الجدار العريض الذي يعملون إلى جواره، جدار مهول مكون من مكعبات خرسانية مصفوفة فوق بعضها بعضاً في ارتفاع هائل، تخيل تلك المكعبات وهي تنهار فوقك، مكعبات عملاقة يبلغ وزن الواحد منها 4 أطنان. تخيل أي شعور وأي خيالات راودت هؤلاء الشهداء وهم يواجهون الموقف قبل أن تفيض أرواحهم إلى بارئها!. أربعاء حزين عاشته مكة الأسبوع الماضي وهي تودع تلك الأنفس الزكية، وما زاد الأمر كمداً وحزناً أنه وحتى اللحظة لم يصدر أي تصريح من أي جهة سواء الدفاع المدني أو أمانة العاصمة المقدسة أو الشركة المنفذة يترحم على الضحايا فضلاً عن أن يتوعد المتسبب بالعقاب. لقد كان الدفاع المدني يغلق مدينة ألعاب كاملة ويقطع عنها التيار الكهربائي إذا أصيب طفل في إحدى تلك الألعاب؛ فما له اليوم يلتزم الصمت تجاه ما جرى ويكتفي بالإشارة إلى أن لجنة ما ستقوم بالتحقيق؟ هل لأن الضحايا عمال بسطاء وأجانب لا أسر لهم ولا صحافة تدافع عن دمائهم وتطالب بحقوقهم يتم التعامل مع موتهم بهذا البرود؟ هل يصح في أي مبدأ ديني أو أخلاقي أن تكتفي الجهات المسؤولة بتصريحات باردة لنفي تبعية المشروع الإدارية لها دون أن تشير ولو مجرد إشارة إلى التعازي لأرواح القتلى؟ هناك علامة استفهام كبيرة حول معايير السلامة التي تتبعها شركة المقاولات العملاقة التي تحتكر معظم مشاريع مكة المكرمة، وسبق أن تكررت لها عدة حوادث مماثلة ومتتابعة بين حرائق وانهيارات مشابهة وفي كل مرة يتم تجاهل الموضوع إعلامياً ولا نعرف إن كان هناك أي إجراء عقابي اتخذ ضد هذه الشركة العملاقة، التي يبدو أنها أمنت العقاب حتى تهاونت في معايير فادحة للسلامة انتهت بكارثة الأربعاء. إن القيمة الحقيقية لتحضر أي مجتمع ليست في مدى اتساع شوارعه وارتفاع مبانيه وتطور خدماته، إن قيمة الحضارة الحقيقية هي في احترام الإنسان، احترام حقوقه وأمنه وسلامته من الأذى والتعدي. وأعتقد أن تلك القيمة أمام امتحان عسير الآن!

مشاركة :