محمد أمين| يرى مايكل بلومبيرغ، عمدة نيويورك السابق ورجل الأعمال البالغ الثراء والمحب لبريطانيا، أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو «اغبى شيء يمكن ان تُقدم عليه أي دولة على الإطلاق»، الا الولايات المتحدة بانتخاب دونالد ترامب رئيساً. وبصفتي واحداً من الذين صوتوا لمصلحة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (قرار هامشي، لكنه أزعجني مؤخراً)، أشعر أنني أرغب في البحث عن بعض الأشياء الأخرى الأكثر غباءً التي فعلتها بريطانيا، أو على الأقل، يعتقد بعض الناس ذلك، حتى لو لم يكن ذلك صحيحاً. انها في الغالب تجربة في مجال التاريخ البديل، مع كل المزالق التي ينطوي عليها ذلك.. فدعونا نواصل البحث: • الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي الشيء الغريب المتعلق بالعواقب المحتملة للخروج من الاتحاد الأوروبي هو أن هناك توازياً حاداً مع ما حدث عند انضمامها للاتحاد لأول مرة في 1 يناير 1973. كان ذلك بمنزلة حمّام ماء بارد للصناعات البريطانية، بسبب التحديات التي واجهتها من الشركات الاخرى في القارة والتي ادت الى اصابتها بالتهاب رئوي قاتل. فسرعان ما فُتحت شهية البريطانيين على سيارات رينو وبيجو وفيات وستروين وفولكس فاغن التي أهلكت صانعي السيارات المحليين – بينما لم يشترِ الأوروبيون سياراتنا في المقابل. وحدث الشيء نفسه مع السلع الكهربائية والمنسوجات والمعدات الصناعية، سمها ما شئت. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل بعد «فترة انتقالية» لبضع سنوات (عبارة مألوفة أخرى) مُنع البريطانيون من الحصول على المواد الغذائية الرخيصة تقليدياً من الكومنولث والأسواق العالمية، وبدلا من ذلك، اضطروا لاستيراد القمح والسكر واللحوم ومنتجات الالبان الأقل جودة والأكثر تكلفة، من القارة. كان علينا أيضا أن نسهم بمبالغ كبيرة في ميزانية المفوضية الأوروبية الى ان قلصت مارغريت تاتشر هذه المساهمات بعد عام 1984. لذلك، كان هناك في الواقع الكثير من البؤس الاقتصادي الذي ترافق مع دخول الاتحاد، تمثّل في ارتفاع التضخم والبطالة وبطء الاستثمار. • دخول آلية سعر الصرف الأوروبية (1990) قرار ربط الجنيه الإسترليني بالمارك الألماني الذي يشكل حجر الزاوية لنظام العملة اليورو الناشئ، رفع أسعار الفائدة في المملكة المتحدة على مستويات مدمرة، مما ادى إلى الركود الاقتصادي العميق، وفي نهاية المطاف، الى الطرد المهين للمملكة المتحدة من النظام عام 1992. وكلف ذلك الخزينة والاقتصاد عموماً، ثمنا باهظا، ولم يجلب للبريطانيين أي فوائد على شكل نفوذ سياسي في أوروبا، وتعرضت بريطانيا في عهد رئيس الوزراء جون ميجور الى المزيد من الضربات في بروكسل في السنوات التالية. • إعلان الحرب على ألمانيا عام 1939 هذه النقطة مثيرة للجدل، إذ يذهب البعض الى ان البريطانيين لو وقفوا على الحياد وسمحوا لهتلر بإنشاء نظام دكتاتوري قاري، ثم في المقابل، كان سيسمح للبريطانيين بالاحتفاظ بقوتهم البحرية وامبراطوريتهم (وخاصة في الهند) مع التمتع بشكل من اشكال الحكم الذاتي، ربما مع أوزوالد موسلي كرئيس للوزراء وإدوارد الثامن ملكا على العرش. وإضافة إلى ذلك، كان من الممكن تجنب الإفلاس الوطني الذي واجهته بريطانيا عام 1945، بعد أن رهنت جميع أصولها لتسديد استحقاقات الحرب. وفي هذا الصدد، تعيّن على بريطانيا أن تشارك في الإبادة الجماعية، وأن تصبح أمة الرقيق. لذلك فإن إعلان الحرب على ألمانيا – في الواقع – لم يكن خطأ غبياً على الإطلاق، ولكن ذكر لأنه لا يزال هناك عدد قليل من غريبي الاطوار الخطرين الذين ما زالوا يعتقدون أن بريطانيا كان يمكنها تفادي الحرب بشكل او بآخر. ولأنه كان من الممكن لبريطانيا ان تخسر الحرب وتجد نفسها خاضعة للاحتلال. • حرب العراق الثانية (2003) بعيداً عن أفراد عائلة بلير، لا يبدو أن هناك من يريد الدفاع عن قرار بريطانيا المشاركة مع الأميركيين في هذه الحرب غير الضرورية تماماً، التي سقط فيها الكثير من الضحايا (خاصة من العراقيين)، وكلفت الكثير من الاموال، ولم تحقق شيئاً يذكر، باستثناء إطاحة صدام حسين، الذي مارس التعذيب والقتل ضد ابناء شعبه. إلا أن صدام في أقصى درجات قسوته، لم يكن ليقتل او يدمر اكثر مما فعل جورج بوش وطوني بلير. حرب غبية جداً في الواقع – غير قانونية واستندت إلى فرضية كاذبة أيضاً. • إعلان بلفور (1917) عندما أرسل وزير الخارجية البريطاني اللورد آرثر بلفور رسالته قبل 100 عام ووعد بـ«وطن قومي» للشعب اليهودي في فلسطين، أعطى قضية الصهيونية دفعة معنوية وسياسية ضخمة، خاصة أن البريطانيين كانوا يفرضون سيطرتهم على فلسطين بعد هزيمة تركيا في الحرب العالمية الثانية. لم يأتِ إعلان بلفور من فراغ، بل كان ردة فعل مدروسة على قرون من الاضطهاد الذي تعرض له الشعب اليهودي، وسرعان ما تبعت الاعلان خطوات اخرى. وقد تم التخفيف من الاعلان بالالتزام بأنه «من المفهوم بوضوح أنه لا يمكن القيام بأي شيء قد يضر بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية التي تعيش في فلسطين». وأياً كان التقييم لفكرة إنشاء دولة إسرائيل -في نهاية المطاف- في عام 1948، فإن هناك مسألة أن مبادرة بلفور لم ينفذها البريطانيون بشكلٍ صحيح أثناء سيطرتهم على فلسطين، مما أدى الى الحاق الضرر بجميع الاطراف المعنية. • حق التصويت للنساء (1918) والاشارة هنا – في الواقع – إلى عدم منح المرأة حق التصويت خلال العقود التي سبقت هذا التاريخ. لقد كان هناك رفض مطلق من قبل حزب تقدمي مثل الحزب الليبرالي الديموقراطي أو حتى لحزب براغماتي مثل حزب المحافظين، إعطاء المرأة حق التصويت قبل أن تثبت جدارتها بمساعدة البلاد على الانتصار في الحرب العالمية الأولى. وحتى آنذاك، تم منح هذا الامتياز للنساء فوق سن الـ30، ولم تُعط لهن المشاركة الكاملة في الانتخابات الا في عام 1929. ويمكن المجادلة بأن بعض الأخطاء العظيمة الأخرى التي شهدتها الحقبة الإدواردية كان يمكن تجنبها لو اتيحت المرأة المشاركة السياسية. وربما ساد السلام في أيرلندا، ولتم تخفيف الفقر بفعالية أكبر، وحتى لربما أمكن تفادي وقوع الحرب العالمية الثانية لو تم الاستماع لمزيد من الاصوات وبينها اصوات النساء، بطبيعة الحال. وبحلول الثلاثينات، كان من الواضح أن المحافظين كانوا الرابح الأكبر من تصويت النساء. • إطلاق يد روبرت مردوخ في الصحافة البريطانية عام 1969 عندما وصل «الحفار القذر» على الشواطئ البريطانية لشراء صحيفة ديلي هيرالد التي كانت تعاني متاعب مالية، وغيّر اسمها إلى «ذا صن»، كانت هذه نقطة تحول. لقد كانت هناك دائماً الإثارة في الصحف الشعبية، لكن مردوخ أضفى طابعاً إباحياً على عناوينه بشكل منهجي، وحط من قدر الصحافة وكان له تأثير بالغ السلبية في الحياة العامة، لا سيما بعد أن اشترى صحيفة «تايمز» دون تقديم ابسط الضمانات لاستقلالية التحرير، عام 1981. ومنذ ذلك الحين، سعى هذا الاسترالي- الأميركي للهيمنة على سياستنا، وتخويف الحكومات، فضلاً عن انتهاك خصوصيات الاخرين، كما اظهر تحقيق ليفيسون الذي توج بإغلاق صحيفة «نيوز اوف ذا وورلد» التابعة لامبراطوريته الاعلامية. وكان مردوخ أيضا، هو الذي شن حرب اسعار للقضاء على الصحف المنافسة مثل «اندبندنت» واستخدام نفوذه لتدمير «بي بي سي» المنافسة لمحطة «سكاي» التابعة له. ومن الصعب أن نصدق أن الحياة العامة في بريطانيا لن تكون أفضل من دونه. • استعادة النظام الملكي (1660) من أعظم الأساطير الوطنية البريطانية، أو بالأحرى، الإنكليزية هي أن بيت وندسور يمكن أن تواصل حكمها للمملكة مرة أخرى في الالفية الجديدة. لكن إنكلترا كانت كومنولث – أي جمهورية – لعشر سنوات أو نحو ذلك بعد الحرب الأهلية. لقد جنح نظام حكم أوليفر كورنويل ثم ابنه ريتشارد، باطراد نحو الحكم الفردي غير المحتمل. وقد تم تقييد النظام الملكي الذي أعيد إحياؤه وفقا لـ«قانون الحقوق» لعام 1689، ولكن من الممكن تطوير شكل أنقى من الديموقراطية البرلمانية دون أن يعود تشارلز الثاني إلى عرشه المذهب في عام 1660. • تفكيك الأديرة (1536 – 1541) كان الرهبان في كثير من الأحيان فاسدين وسيئي الخلق، وأصبح الناس يضيقون ذرعاً من نفوذ روما على دولة ذات سيادة، فسعى هنري الى امتلاك سلاح بحرية قوي وزوجة جديدة! ولكن هل كان من الضروري حقاً أن نمضي في مثل هذا الدمار الذي لم يترك لنا سوى اطلال من الاديرة دون فنونها وآدابها، فضلاً عن الكثير من تقاليدهم الموسيقية والاعمال الخيرة لمجتمعاتهم؟ لقد كان شيئاً بالغ الغباء والقسوة. • الفوز بكأس العالم عام 1966 هذا بالطبع كان خطأ انكليزيا، ولكن يبدو أن هذه اللحظة الوطنية بالذات تسببت في بؤس كبير على هذه اللعبة الوطنية منذ ذلك الحين. ربما كان من الأفضل أن يكون الفريق الإنكليزي، مثله مثل المنتخبات في مالطا أو نيوزيلندا، لو لم يكن منافساً أبداً، للتأهل للنهائيات، ناهيك عن رفع كأس البطولة. فبمثل هذه العقلية، يمكننا جميعاً التمتع بمشاهدة الأرجنتينيين والإيطاليين والهولنديين والبرازيليين والفرنسيين والألمان ليعلمونا فنون اللعبة. لقد خلق فوز انكلترا بكأس العالم عام 1966، توقعات غير واقعية تماماً أنه يمكننا الفوز بالبطولة مرة أخرى. وهكذا ظلت قلوب البريطانيين تتقطع كل أربع سنوات، بينما تهنأ دول بالارتياح، لأنها لا تضع آمالاً كبيرة للفوز بكأس العالم. ¶ اندبندنت ¶
مشاركة :