اهتمت الأسواق المتقدمة منذ فترة طويلة بالجانب الإنساني والحالة النفسية المؤثرة في حركة الطلب والعرض، واتخذت على سبيل المثال قرارات بوقف البيع على المكشوف في 2008 وهو عام أزمة المال العالمية، ويتمثل مصدر مكاسب هذا البيع بالمراهنة على تراجع الأسعار، نتيجة البيع العشوائي وليس ارتفاعه. ومؤشر الخوف الذي أطلقته بورصة شيكاغو للخيارات عام 1993 لقياس نفسية المستثمرين وما يدفعون من علاوة (premium) في سعر الأوبشن، كي يحموا توظيفاتهم من أخطار التقلبات الحادة في الأسواق. إذ عندما يكون المؤشر في أسفل مستويات 30، فإن ذلك يعكس حالة استقرار وعودة تدريجية إلى التفاؤل. وعندما يصل إلى مستويات تقلّ عن 20، فإن ذلك يعكس تفاؤلاً كبيراً. بينما الصعود فوق مستويات 30، فيعكس خوف المستثمرين والعزوف عن الأخطار. وفي اعتقادي، يتخطى مؤشر الخوف في سوق عمان المالي حاجز 30 وهو ينطبق على عدد من أسواق المنطقة، نتيجة حالة الخوف والترقب وتراجع ثقة شرائح مختلفة من المستثمرين، وبالتالي العزوف عن شراء أسهم الشركات الرخيصة المتداولة أسهمها بأقل من قيمتها العادلة. وتشهد سوق عمان المالية منذ نحو تسع سنوات ضعفاً في السيولة، بفعل عامل الخوف وانخفاض مستوى الثقة. وهذا بالطبع انعكس سلباً على دور السوق في تعزيز الاقتصاد الوطني من خلال تمويل الاستثمارات وتوظيف أموال المستثمرين بدلاً من تجميدها في البنوك. بينما اقتصر دورها على نقل الملكية من مستثمر إلى آخر من خلال أوامر البيع والشراء. ولا يمكن التنبؤ بالعامل النفسي المؤثّر في الأسواق والذي كبّد البورصات الأميركية والآسيوية والأوروبية خسائر على مدى القرن العشرين، وهي لم تحدث لأسباب تتصل بالأداء المادي للأسواق، بل لأسباب نفسية لا يمكن التحكم بها أو السيطرة عليها. والعامل النفسي يعني اعتماد المستثمرين على أمور غير ملموسة، مثل الإشاعات والقلق والميل السلوكي الجماعي والهروب السريع لدى بروز أي خطر والتفاؤل والتشاؤم. وبالتالي لعبت العوامل النفسية دوراً كبيراً في أبرز الانهيارات في البورصات العالمية. وتقف هذه العوامل أيضاً وراء الارتفاع المبالغ به، في بعض بورصات المنطقة لأسباب غير اقتصادية. وفي المقابل كان لهذه العوامل النفسية دور في حدوث تصحيح في الأسواق بعد صعود جنوني، مع الأخذ في الاعتبار مساهمة سيطرة المضاربين على حركة الأسواق وضعف الاستثمار المؤسسي في تدني كفاءة الأسواق. وبدأ الاهتمام بدراسة العامل النفسي وتحديد تأثيره علمياً والمعروف بـ «سيكولوجية البورصة»، عقب الانهيار المالي الذي تعرضت له بورصة وول ستريت الاثنين في ١٩ تشرين الأول (أكتوبر) من عام 1987 ، وبلغت حينها الخسائر وفي يوم واحد فقط 500 بليون دولار، وذلك بسبب تدافع الناس على البيع في سلوك جماعي نفسي لم تكن له أسباب مادية قوية. ولو كانت استمرت هذه الخسارة في اليوم الثاني وبالوتيرة ذاتها، لكانت ربما أفضت إلى انهيار الاقتصاد الأميركي بالكامل. وكانت تلك الكارثة البداية الحقيقية لانطلاقة الدراسات النفسية حول البورصة، وتحديداً سلوك المضاربين فيها والعوامل النفسية المؤثرة فيه. وفي الظروف العادية سواء السياسية أو الاقتصادية أو المالية أو الأمنية، يعتمد المستثمرون والمضاربون على نوعين من التحليل لاتخاذ قراراتهم الاستثمارية سواء بالبيع أو الشراء، الأول أساسي والثاني فني. والتحليل الأساسي كما هو معلوم، يهتم به الاستثمار المؤسسي والطويل الأجل ويتطلب دراسة وضع الاقتصاد الكلي والمتغيرات الاقتصادية الممكن أن تؤثر في أسعار الأسهم، بهدف تحديد القيمة العادلة أو المنطقية لأسعار أسهمها، إضافة إلى دراسة بعض المؤشرات المهمة المؤثرة في هذه الأسعار، مثل الفائدة والتضخم والإنفاق الاستهلاكي والضرائب. ولا يمكن إغفال المناخ الاقتصادي والاستثماري، وتوقعات نمو الأرباح وتلك الموزعة. كما يتطلب التحليل الأساسي دراسة حالة القطاع ووضع الشركات وأدائها، وسيولتها المالية وقدرتها على تسديد ديونها في مواعيدها المحددة. أما التحليل الفني، فيهتم به المضاربون لجهة تحرك الأسعار وحجم التداول واتجاهات السوق في الماضي، بهدف توقع اتجاه الأسعار وحجم الطلب والعرض في المستقبل. ويعتمد التحليل الفني على الأساليب الإحصائية والرسوم البيانية، وليس على تحديد السعر العادل كما لا يعترف بالسوق الكفؤة. فيما ظهر أخيراً التحليل السياسي، متزامناً مع الظروف السياسية والأمنية والاجتماعية الاستثنائية التي مرّت فيها المنطقة، وفاقمت أخطار الاستثمار في معظم أسواقها، خصوصاً دول «الربيع العربي»، نتيجة هبوط المؤشرات الاقتصادية والمالية فيها وتدني قيمة عملاتها الوطنية وتصنيفاتها الائتمانية، وتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر وتحويلات المغتربين. وبالتالي بات المستثمرون يتابعون ما يحدث في المنطقة، باعتبار أن الأخطار السياسية والأمنية والاجتماعية تستحوذ على 50 في المئة منها، والتي يتعرض لها المستثمرون في الأسواق المالية.
مشاركة :