خلال الأسبوع الماضي حفلت الساحة القريبة في الرياض, والأعم في مدن ومناطق المملكة، بنشاط حيوي ملحوظ وإيجابي. في الرياض حظي ملتقى «مبادرات مسك» وملتقى أسبار «الابتكار» بحضور كثيف, ومشاركة شخصيات مهمة، دُعيت للتحدث لاحتشاد من المختصين والشباب من الجنسين, وتغطية إعلامية مفصلة. وسأبدأ من النهاية لأعلن أنني أصفق لما أرى كلما تمعنت في متطلبات أحداث تحول جذري، يغير ثقافة السائد، والتعامل مع نقاط الضعف المسببة للفشل في الوصول إلى أهداف عليا عامة وتنمية مستدامة قادرة على رؤية المستقبل، وتنافسية توصل للصدارة فيه. وبلا شك أستشعر بوضوح حساسية هذا الموقف. «نصفق أو لا نصفق» عنوان مكثف البلاغة لقصيدة قرأتها قبل عقود قبل أحداث الربيع العربي بسنوات طويلة, يتناول فيها الشاعر المصري «جمال الشاعر» حساسية موقف المواطن, والإعلامي بالذات, من تقييم الأداء المعلن للمؤسسات الرسمية وما يتعلق منه بالحكم على الذمة, متلمسًا حاجة المجتمع للشفافية في الطرح قبل التقييم والحكم. ذكرني بالقصيدة الحوار المتداول في الساحة: إن ثمة إجراءات تستجد حاليًا بشأن تقييم ومحاسبة نزاهة بعض المسؤولين عن أداء ممتد لسنوات سابقة. وهي إجراءات نتفاعل معها فرديًّا وفئويًّا، ونتفاوت في الحكم؛ فيتهم المصفقون لها بالتطبيل والتبعية المتعصبة، ويتهم المشككون في قابلية نجاحها بعدم الانتماء. عايشت تحولات شركة النفط أرامكو وتغيرها بالتملك إلى أرامكو السعودية, ومعاناة الموظف قبل التملك وبعده في مواجهة التحيز والفساد الفردي. وشاركت في مخاض التوطين للإدارة والقوى العاملة فيها، وقارنت بين معاناة التمييز قبل التملك كمواطنة سعودية, وزمن «الصحوة» كامرأة مؤهلة تعمل في محيط لا يطبق فصل المرأة عن الحيز العام وموقع العمل. تابعت الخطط التنموية ونتائج مشاريعها, وقدمت دراسات ومقترحات مفصلة لحلول تسعى لتوطين المهارات وإرضاء متطلبات سوق العمل بتدريب وتمكين المواطنين والمواطنات باستحداث تخصصات علمية وعملية جديدة، ترتبط بالمهارات والتقنيات الحديثة لا العلوم التقليدية، وفرحني تبني بعض الجهات لها, ولم أفهم تلكؤ وتجاهل جهات أخرى خاصة الربحية منها. رافد آخر في اختيار موقفي من التغيير جاء عبر متابعتي لما يدور في الساحة التي وجدت نفسي فيها خلال عضويتي لأربع سنوات داخل «مجلس الشورى» من صراع التيارات حول التوصيات, وتقييم المجتمع للنتائج أنها لا تمس اهتمامات المواطنين في الشارع، ومعاناتهم، وأولويات مطالبهم. ومن موقعي خارج المجلس الآن ألاحظ أيضًا أن التعامل حاليًا أضحى مختلفًا عن التوجس السابق من المقترحات المطالبة بتغيير وأنظمة جديدة وتوصيات تتناول علاج ظواهر القصور في الواقع: التمييز الفئوي وحقوق الأفراد والكراهية والتحرش, وضرورة الشفافية المؤسساتية فيما يتعلق بالنزاهة. الملحوظ في المرحلة الراهنة أن الواقع يتغير بصورة ملحوظة وبسرعة تستدعي مواكبة متزنة قبل إطلاق الأحكام والتصفيق أو عدم التصفيق. ما أراه مهمًّا في المستجدات هو الرؤية الإدارية التي تعلمت من توجع الحاضر ما يجعلها تصر على تغيير التوجه متأهبة للمستقبل ومسلحة بعزيمة التنافسية الجريئة لتسنم الصدارة دوليا، مع احتفاظها بزمام تخير الأولويات التي تركز على الصالح العام محليًّا، وتمنحه الأولوية. في هذا الطقس الجديد أتطلع بتفاؤل إلى أن أرى مقترحاتي التخصصية للتنمية المستدامة تؤخذ بعين جادة, عبر تكثيف جهود الاستثمار في تحويل الثقافة العامة وأنظمة التعليم للتمكين والتوطين والتدريب وردع أنانية الفساد. حاليًا حس التفاؤل يعود إلى مشاعري كمتخصصة بعد أن كدت أفقده, وإن آلمتني الهمسات وأغضبت مشاعري اللمزات الخارجية لوطني. نعم، أحلم بالتحول الجميل، ولن يكون منجزًا مستحيلاً حين يطبق بجد وتجرد نبيل. وأرجو أن حدسي التفاؤلي مهني وليس رغبة ذاتية من مواطنة ملت التشاؤم.. أو تحلم بالمستحيل. وسنتابع معًا في الحوار القادم.
مشاركة :