أنا أدوّن إذن أنا موجود

  • 11/19/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

أنا المدون أعلاه، أعترف بأني لم أكن مهتماً بالتدوين لولا أني عرفت عن طريق الصدفة، ودون سبق إصرار مني أو ترصد، أن التدوين ليس مجرد "خربشات" تُكتب أو كلمات تُسبك وجمل تُنَمق في قالب أدبي يبهر القارئ؛ بل هو تعبير عن واقعٍ وتحويل للمشاعر إلى مشاريع كتابة ونشر وعي. فحين يتحول التدوين إلى أصدق تعبير عن كينونة الإنسان، فلا بد له أن يدون، وحين يتحول التدوين من مجرد كتابة لأفكار وخواطر وتبادل خبرات إلى سلطة بين يديك يمكنك من خلالها أن تحدث تغييراً، فلا بد لك أن تدون، دَوِّن لأن التدوين سلطة خامسة كما يصفها البعض وهي بالفعل كذلك، كيف لا والتدوين له تأثير كامن وحقيقي، كفيل بأن يُغير مسار وسياسات دول بأسرها، كما أن له القدرة على إعادة تشكيل الوعي الجمعي للشعوب؛ فتنوع المصادر وتعدد المشارب أخرج العالم من تأثير وسائل الإعلام التقليدية، فتَحوّل الجمهور من مجرد متلقٍّ إلى صانع للمحتوى. ولأننا في عصر لا يمنعك فيه شيء من التدوين، فكل السبل المؤدية إلى عالم التدوين سالكة أمامك، ولا أسهل من أن تجعل لفكرك ورأيك منبراً، لهذا إن لم تدوِّن فأنت غير موجود، وإن كنت تعتقد أنك موجود فأثبت ذلك ودَوِّن لنراك، غير أن لكل شيء ثمناً في هذه الحياة، وثمن أن تكون مدوناً صاحب رأي حر منحاز إلى الحقيقة وحدها في عالمنا العربي، باهظٌ لا يقدر على دفعه أكثر الناس ولو حرصت على أن تجعلهم كلهم يدونون. نُدَوِّن لأننا موجودون، وقد نضحي بوجودنا إن لم تعجب كلماتنا أصحاب الفخامة والمعالي ومن يواليهم أو يعاديهم من مُرْتدي العمائم ومطلقي اللحى وساحقي الجماجم، لذا قبل أن تدون صديقي العربي اعلم -رعاك الله أن احتمال إصابتك ببعض أو كل الأذى وارد، ولا مناص من ذلك إن أنت تجرأت على انتقاد مقدسات بلدك السياسية وأصنام معتقداتهم الكهنوتية، والويل لك إن طال انتقادك عمائم وُضعت فوق الرؤوس ولحىً نبتت على الذقون؛ لأنك حينها ستتحول من مُدونٍ إلى خائن مرتدٍّ وعميل، ولن أخبرك بما ستلقاه من عذاب جزاءً على جرمك الشنيع. التدوين ليس جُرماً ولن يكون، ويعلم الله أني لا أبتغي من وراء كلامي هذا بث الوهن فيكم أيها المدونون أو أني أسعى لإثنائكم أو إحباطكم عما أنتم إليه ساعون، لكن أردت أن أذكركم ببعض ما أنتم عليه مطلعون من سطوة دول في ظلها تعيشون، فالذكرى تنفعكم أيها المدونون، فامضوا إلى ما أنتم به مؤمنون واجعلوا من كلماتكم لَبِنَات لسرح الحرية الذي أنتم بنّاؤوه. أعود لأذكركم بمآسي عالمنا العربي في مجال حقوق الإنسان وواقع الحريات فيه، وكيف أن حرية التعبير مجرد شعار كاذب وطُعم في مصيدة الحرية، مصيدة أحسن أصحاب المعالي نصبها واستدرجوا إليها الأحرار، فإن هم وقعوا في فخها خيَّروهم حينها بين أن يتحولوا إلى صفهم أو أن تتم تصفيتهم وإلا إسكاتهم بطريقة أو بأخرى وهم على ذلك قادرون. ولبعض الأمل أقف لأتساءل متطلعاً إلى مستقبل أفضل، كم من ثورة ستكون شرارتها الأولى تدوينه تُكتب هنا أو هناك؟ كم من فاسد سيُفضح؟ وكم من ظالم سترتفع سطوته عنا من خلال تدوينه يكتبها نكرة في هذا العالم فتهز عرش أعلام ودول؟ وكم من واقع سيتغير بفضل التدوين أو بسببه؟ وكم سيكون ثمن تغييرٍ تأتينا به تدوينة؟ وكم من مدَون سيكتب لنا كلمات تدور في فلك الممنوع ولسان حالها يقول بالنيابة عن كاتبها: لعلي لا ألقاكم بعد تدوينتي هذه أبداً. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :