التحريم يجب أن يستند إلى دليل شرعي، واليوم أصبح المسلم يجد صعوبة في القبول والتسليم بالمحرّمات المعاصرة لمجرد الاستدلال على حرمتها بالقياس على مثيل لها من عصر السلف، وبدأ جيل تقنية المعلومات يبحث عن أدلة مفهومة وصريحة عند تحريم بعض المستحدثات في عالمنا المعاصر، وأصبح اختلاف شكل الحياة بين الماضي والحاضر يكشف مزيداً من التناقض في بعض الموروثات المتعارف على منعها تحت طائلة التحريم، على سبيل المثال سواد عباءة المرأة وبياض ثوب الرجل تعبير متوارث عن تحريم تشبّه النساء بالرجال، ولكن لا بأس أن يلبس الرجل المشلح الأسود أو ثوب الصوف الأسود دون تأويله بأنه تشبّه، وكذلك لبس البنطال تشبّه بالكفار وفي نفس الوقت لا بأس أن يكون البنطال أحد المكونات الأساسية في اللباس العسكري، وكراهية أو تحريم سماع المزامير وفي نفس الوقت لا بأس أن يعزف السلام الوطني بالمزامير، ومثال آخر ممانعة المرأة لقيادة السيارة مخافة الاختلاط المحرَّم مع الرجال وفي نفس الوقت التسامح بركوبها مع السائق الأجنبي لقضاء شؤون حياتها، أو ممانعة المرأة من ممارسة الرياضة لأسباب تظل غامضة أو ربما لأسباب تاريخية أو اجتماعية أخذت طابعاً دينياً.. التحريم خصلة مغروسة منذ الصغر في شخصية المسلم تجعله يقف اليوم في مفترق طرق إما الابتعاد عن كل ما يُشاع بأنه حرام أو التغاضي والانضمام إلى فريق الازدهار الحضاري.. الاستمرار في رصد مخرجات العصر الحديث واستهداف بعض مكوناتها بالتحريم من خلال منهج القياس مجرد تأخير لحتمية تطبيقاتها وتعطيل لمصالح العباد.. خلصت الحوارات الفكرية بين المسلمين بالرأي الغالب أن منهج القياس سلاح ذو حدين؛ بمعنى أنه يمكن من خلاله الوصول إلى حكمين شرعيين مختلفين للمسألة الواحدة وربما ثلاثة أحكام، على سبيل المثال يمكن بواسطة الإسناد الترافقي إثبات أن قيادة المرأة للسيارة «محرّم» وفي نفس الوقت يمكن بواسطة الإسناد الترافقي إثبات أن قيادتها للسيارة «مكروه»، ويمكن أيضاً بواسطة الإسناد الترافقي إثبات أن قيادتها للسيارة «مستحب» بالقياس إلى اختلاطها المحرَّم مع السائق الأجنبي، الإسناد الترافقي «كروس- رفرنس» أحد أهم الأدوات المستخدمة في منهج القياس ويعمل كالآتي: تفسير نص بإحالته إلى نص آخر وربما تفسير النص الآخر بإحالته إلى آخر وهكذا حتى يتم الوصول إلى النتيجة المنشودة من خلال حزمة من النصوص يستند بعضها إلى بعض. الخلاصة مع تحول العالم إلى قرية صغيرة بسبب سهولة السفر والاتصالات والإعلام والتراسل الإلكتروني، تطورت قدرة المسلم على الرصد والتأمل والتمحيص فانكشفت له عيوب منهج القياس في المجال الديني، ما جعل المسلم يدرك أن حكمين شرعيين مختلفين لنفس القضية الواحدة ازدواجية في المعيار الديني أو كما يُعرف بالمصطلح الحديث الكيل بمكيالين. كذلك كشفت لنا تحديات الحياة المعاصرة أن التاريخ الإسلامي والموروث الاجتماعي والتأويل الشرعي والهوى والاتجاه السائد جميعها عناصر تدخل في تركيب الحكم المستخرج من منهج القياس، وهناك مشاهدات من الواقع توضح أن غياب الدليل الشرعي الصريح والاعتماد على منهج القياس في التحريم هو السبب الرئيس في تآكل ذلك التحريم من حياة المسلمين، ولن يعيش طويلاً التحريم لمجرد أن القياس يدل على التحريم، ويرى البعض من أصحاب البصيرة الإسلامية النافذة أن الاقتصار على دليل التحريم من القرآن وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم سيفضي إلى إباحة عدد من المحرّمات المشبوهة أغلبها تلك المتصلة بحياة المرأة المسلمة. khalid.alheji@gmail.com Twitter@khalialheji
مشاركة :