طرابلس - لا يتجاوز عدد سكان ليبيا 6.4 مليون نسمة، ومساحتها تفوق 1.7 مليون كم مربع، وتمتلك احتياطات نفطية ونقدية ضخمة، وعلى الرغم من ذلك تحتل المركز الأول عالميًا في وفيات حوادث الطرق نسبة إلى عدد السكان، وأصبح "إرهاب الطرقات" ينافس الأزمات السياسية والأمنية في حصد الأرواح يوميا. وفي اليوم العالمي لحوادث المرور الموافق لـ19 نوفمبر/ تشرين الثاني، تقف ليبيا حائرة أمام عشرات الألوف من القتلى الذين حصدتهم حوادث السير، خلال الخمسين عامًا الأخيرة، دون التوصل إلى سبيل لوقف هذا النزيف البشري والمادي. وتصدرت ليبيا القائمة الدولية لمعدلات الوفيات الناجمة عن حوادث المرور بنسبة 73.4 حالة وفاة لكل 100 ألف نسمة، حسب التقرير السنوي الصادر عن منظمة الصحة العالمية لعام 2015. وأعلن الناطق باسم منظمة الصحة العالمية في ليبيا أحمد العليقي، في تصريحات صحفية، أن المكتب الإقليمي للمنظّمة وضع ليبيا في أعلى قائمة الوفيات في العالم عام 2016؛ جراء حوادث السيارات. وسجلت ليبيا أعلى مستوى في عدد قتلى حوادث المرور عام 2015، بإجمالي 4 آلاف و398 قتيلًا، وهو عدد يقارب عدد قتلى الثورة الليبية (مارس/ آذار- أكتوبر/ تشرين الأول 2011)، حيث بلغ عددهم 4 آلاف و850 قتيلًا، حسب مصادر رسمية. غير أن هذه النسبة انخفضت في 2016، إلى ألفين و414، أي قرابة نصف ما تم تسجيله في 2015، وأقل مما تم تسجيله في 2012 (ألفين و728 قتيلًا). وحتى سبتمبر/أيلول 2017، تم تسجيل ألف و639 قتيلًا، حسب وزارة الداخلية في حكومة "الوفاق" (المعترف بها دوليًا) بمعدل 546 قتيلًا كل 3 أشهر، و182 قتيلًا كل شهر، و6 قتلى يوميًا، (12 قتيلًا معدل يومي في 2015) وفقًا لحسابات الأناضول. لكن انخفاض عدد قتلى حوادث المرور في ليبيا إلى النصف، ربما لا يكون دقيقًا بالنظر إلى أن داخلية "الوفاق" لا تسيطر على أجزاء واسعة من البلاد سوى إداريًا، ومع ذلك فإن الإحصائية تشمل العديد من المدن في غربي وشرقي وجنوبي البلاد. وتظهر آخر إحصائية شاملة لعام 2016، أن عدد الحوادث بلغ 4 آلاف و994 حادثًا، تسببت في مقتل ألفين و414 شخصًا، من بينهم 194 طفلًا أقل من 10 سنوات، بالإضافة إلى إصابة 3 آلاف و696 شخصًا من بينهم ألفين و156 إصابتهم بليغة. وحسب إحصائية أخرى لحوادث المرور في ليبيا خلال النصف الأول من 2016، أظهرت أن العاصمة طرابلس تصدرت المدن الليبية في عدد قتلى حوادث المرور بـ134 قتيلًا، تلتها مدينة مصراتة (200 كم شرق طرابلس) بـ84 قتيلًا، ثم الزاوية (50 كم غرب طرابلس) والخمس (120 كم شرق طرابلس) بـ59 قتيلًا لكل منهما، وحلت عاصمة الشرق الليبي بنغازي (ألف كلم شرق طرابلس) في المرتبة الخامسة بـ56 قتيلًا. أسباب لحوادث المرور تحصر إحصائية وزارة الداخلية في حكومة "الوفاق" أسباب ارتفاع حوادث المرور إلى ثلاثة أسباب؛ أولا تجاوز السرعة القانونية بألفين و442 حالة من أصل 4 آلاف و994 حادث، أو ما يعادل قرابة نصف الحوادث التي تقع. يليها الاجتياز الخاطئ (التجاوز الخطير) بـ280 حالة (5.6%)، وثالثًا؛ عدم ترك مسافة الأمان بـ227 حالة (4.5%)، لكن دون توضيح أسباب حوادث المرور المتبقية والمقدرة بألف و992 حالة (قرابة 40%). وفي هذا السياق، لخص ممثل منظمة الصحة العالمية في ليبيا أسباب ارتفاع معدل قتلى حوادث المرور في: السرعة، وغياب الثقافة، وعدم تطبيق قوانين المرور، وتهالك الطرق، وكذلك أغلب السيارات الموجودة في ليبيا (520 ألف سيارة) متهالكة، وأغلبها مستورد بأسعار زهيدة، ونقص قطع الغيار. وأضاف العليقي في تصريح صحفي لموقع ليبيا 24 أن "كل ذلك يساهم في زيادة عدد الحوادث والوفيات وأن تتصدر ليبيا هذه القائمة وهو أمر مخيف". والزائر إلى ليبيا سيلاحظ جليًا المفارقة في أن هذا البلد الواسع الغني بالنفط، الذي يملك احتياطات نقد أجنبي ضخمة، يفتقر إلى شبكة مواصلات حديثة تعكس هذا الواقع، على غرار الطرق السريعة، والسكك الحديدية والحافلات السريعة، ناهيك عن شبكات المترو والترام. وباستثناء المدن الكبرى مثل طرابلس (شمال غرب) وبنغازي (شمال رق)، تفتقر ليبيا إلى طرق سريعة بين مختلف مدنها، على الرغم من أن طبيعتها منبسطة فلا توجد في معظم أجزائها جبال شاهقة أو وديان سحيقة، ومعظم سكانها يتركزون في الشريط الساحلي ما بين مدينة طبرق شرقًا، ومدينة زوارة غربًا. وطرقاتها المتهالكة؛ لا سيما في المناطق التي شهدت قصفًا جويًا أو مدفعيًا، تساهم في ارتفاع حوادث المرور، خاصة على الطريق الساحلي الدولي بين طرابلس والحدود التونسية (170 كم)، الذي يشهد كثافة مرورية، بالرغم من ضيقه وعبور الشاحنات الكبيرة، ما يدفع السائقين المتهورين إلى زيادة السرعة والقيام بتجاوزات خطيرة جدًا وحتى السير في الاتجاه المعاكس وبسرعة كبيرة. وعلاوة على ذلك، فعدد عناصر شرطة المرور في ليبيا قليل، وينتشرون في المدن الكبرى فقط وفي نقاط محدودة جدًا، ناهيك عن نقص بل انعدام إشارات المرور والإشارات الضوئية في الكثير من المدن والطرقات حتى الرئيسية منها. أما في الطرق المؤدية إلى المدن الصحراوية في جنوبي البلاد، فعلى الرغم من أنها لا تشهد كثافة مرورية مثلما هو الحال في طرابلس أو مصراتة (شمال غرب)، لكن المسافات المتباعدة بين المدن الساحلية والبلدان الجنوبية والمقدرة بمئات الكيلومترات، تدفع السائقين إلى القيادة بسرعة كبيرة، ما يؤدي إلى حوادث مميتة، خاصة أن الطرق الصحراوية تتميز بخروج الحيوانات مثل الإبل بشكل مفاجئ. ويعاني البلد العربي الغني بالنفط من فوضى أمنية وسياسية؛ حيث تتقاتل كيانات مسلحة عديدة، منذ أن أطاحت ثورة شعبية بالزعيم الليبي الراحل معمر القذافي (1969-2011). وتتصارع حكومتان على الشرعية في ليبيا، إحداهما حكومة الوفاق في طرابلس المدعومة من الامم المتحدة، وادارة موازية في الشرق تتبع مجلس النواب المنعقد بمدينة طبرق تدعمها مصر وروسيا والامارات.
مشاركة :