ما حققته عاصفة 4 نوفمبر - إن جاز لنا أن نسميها عاصفة- ضد الفساد آتى أكله سريعا، وامتد أثره إلى ملفات كثيرة، أبرزها إيصال رسالة للداخل والخارج حول موقف الحكومة من مكافحة الفساد، علاوة على أنه عزز قوة وموقف الجهات الرقابية، إذ أصبحت أبواب الجهات الحكومية وشبه الحكومية مشرعة أمام الجهات الرقابية بعد أن كانت تعاني من تلكؤ بعض الجهات ومسؤوليها في تمكينها من القيام بعملها، وإمدادها بما تحتاج إليه من معلومات.الآن تغيرت المعادلة بشكل كلي، ولم يعد هناك مسؤول أيا كان منصبه أو مكانته قادرا على عرقلة عمل الجهات الرقابية، لأن عاصفة 4 نوفمبر أوصلت الرسالة التي لم تستطع المخاطبات الرسمية إيصالها في سنوات مضت، فالفعل أصدق أنباء من خطابات الرجاء والأمل والتنسيق، وأصبحت الجهات الرقابية في وضع أقوى مما تراقب، لذلك ستكون الغلبة لصوتها في محاربة الفساد في قادم الأيام.عاصفة 4 نوفمبر لمكافحة الفساد ركزت على الجانب الأهم، والأكثر تأثيرا في مسيرة التنمية «هدر المال العام»، وتندرج تحته أصناف متعددة، منها الاختلاس، وإرساء المشاريع على شركات بعينها دون غيرها بما يخالف نظام المناقصات الحكومية.. وغيرهما، لكن هذا ما هو إلا وجه واحد من أوجه الفساد المستشري لدينا؛ فالفساد له أنواع أخرى قادرة ـ إن لم نلتفت لها- على نخر سفينة التنمية وإغراقها، فالواسطة تحولت إلى ظاهرة ووجه من أوجه الفساد الخفي، وأصبحت حقيقة لا أحد يستطيع إنكارها، بل تمارس من الجميع سواء كان موظفا كبيرا أو صغيرا، ولم تعد حكرا على طبقة معينة؛ بل حتى غير السعوديين في القطاع الخاص يمارسونها علانية باستقطاب أبناء جلدتهم للعمل في الشركات التي يتولون مناصب وظيفية فيها،حتى وصل الأمر لسيطرة بعض الجنسيات على أقسام معينة في بعض الشركات، وسيطرة عوائل معينة على إدارات وأقسام في بعض الإدارات الحكومية.ومع ذلك، لا تزال الواسطة في حكم المسكوت عنه لارتباطها بالمكون الثقافي للمجتمع «الفزعة والنخوة»، وإحدى السمات التي تميز بها مجتمعنا لارتباطها بالثقافة الوطنية وامتد أثرها إلى الثقافة التنظيمية في المنظمات، لكن ممارساتها استشرت، وأصبحت أخطر أمراض المجتمع الوظيفي لدينا، لأنها لم تترك مجالا إلا وأوجدت لها فيه موطئ قدم، بدءا من التوظيف وانتهاء بالمشاريع والمناقصات، وما بينهما كثير من المجالات التي عششت بها، مما مهد الطريق لوصول غير الكفاءات إلى دفة القيادة في بعض الجهات على حساب كثير من الكفاءات الوطنية، مما دفعها للهجرة بحثا عن بيئة يكون الإنجاز والإبداع فيها أعلى صوتا من صوت المجاملة والمحاباة والمحسوبية، مما جعل خسارة الوطن مضاعفة، كما أنها فتحت باب الرشوة سواء كانت مالية أو وعدا مستقبليا تحت بند المصالح المتبادلة.لذا فإننا بحاجة إلى عاصفة أخرى ضد الواسطة والمحسوبية لا تستثني أحدا، تبدأ بفتح ملفات التوظيف والترقيات والتعيينات، وتؤسس لمرحلة جديدة تكون فيها الجدارة والكفاءة والمؤهلات المقياس الوحيد للتوظيف واستقطاب الكفاءات، لا يكون فيها للانتماء العائلي والواسطة والمحسوبية موضع قدم، كي تكتمل محاربة الفساد وتؤتي أكلها.mohdalofi@
مشاركة :