حطمت وزارة الداخلية قبل أيام الزمن القياسي في تبديل قراراتها، فقد أصدرت الوزارة قراراً بسحب مركبات المخالفين، وتحديداً ممن يستخدم الهاتف النقال أثناء القيادة أو لا يلتزم بربط حزام الأمان، وبعد تطبيق هذا القرار المفاجئ بيوم واحد فقط، عادت الوزارة لتغيّر رأيها وتوقف القرار. وما أن بدأ الناس إصلاح الأعطاب التي أصابت مركباتهم أثناء حجزها خلال فترة تطبيق ذلك القرار، حتى فاجأتنا الوزارة مرة أخرى بمؤتمرٍ صحافي تعلن من خلاله بأنها عادت لتطبيق قرار سحب المركبات! أنا هنا لا أتحدث من منطلق المعارض لهذا القرار أو ذاك، فأنا أعلم أهمية الالتزام بربط حزام الأمان والخطر الجسيم جراء استخدام الهاتف النقال أثناء القيادة، ولكنني أتحدث عن التخبط الاداري في عملية صنع القرار وعدم وجود الارادة السياسية لتطبيق القوانين والقرارات؛ وهذا ما يحدث في جميع مؤسسات الدولة ووزاراتها. ولا أدعي علماً حول آلية اتخاذ مثل هذه القرارات المفاجئة؛ ولا آلية التراجع عنها ثم العودة لها مرة أخرى؛ لكنني أفهم جيداً أن القرارات لا تتخذ في يوم وليلة، بل يفترض أن تسبقها دراسات تستند إلى احصائيات، وتصوّرات حول التطبيق تتضمن مختلف السيناريوهات والاحتمالات، وما يمكن أن يترتب على القوانين والقرارات من نتائج وردات أفعال، وكيفية التعامل معها، أي لا بد من عمل كبير بحيث يتم تطبيق القوانين والقرارات بالشكل الصحيح، فأنا أعرف جيّداً أن التنسيق لـ «كشتة» أو طلعة شاليه يأخذ بضعة أيام، فما بالك بقرار قد يتسبب بسحب مئات المركبات من الشوارع؟ إن الهدف من إصدار قانون المرور وتنظيم قواعده ومخالفة من لا يتقيد بها هو حفظ النظام في الشوارع والعمل على جعلها بيئة آمنة للجميع؛ وليس عقاب الناس وجباية الأموال، لذلك يجب أن يكون الهدف الأول وقبل البدء بالعقوبات المشددة هو خلق حالة من الوعي حول أهمية التقيد بقانون المرور وقواعده وخطورة عدم الالتزام بتلك القواعد على حياة الناس، لأن الواقع يبين لنا أنه من دون وجود رقابة ذاتية ووعي فلن يتغير شيء، فهل منعت تلك المخالفات والعقوبات المشددة البعض من استخدام الهاتف أثناء القيادة في حال عدم وجود دورية مرور؟ شخصياً مازلت أتذكر تلك الرسائل التوعوية الجميلة التي كانت تبث من خلال برامج مثل «قف» و«سلامتك» وغيرهما، نحن بحاجة لمثل تلك الرسائل؛ وفي الوقت نفسه نحن بحاجة ماسة لأن يكون أفراد الداخلية والمرور قدوة من خلال التزامهم بالقانون والابتعاد عن الواسطة والمحسوبية. نحن بحاجة لغربلة كاملة لنظام المرور، بدءاً بتعليم الآداب العامة للقيادة وقواعد المرور؛ ثم التدريب على القيادة بطريقة أكثر احترافية؛ نهاية باختبار مهارات القيادة... أما الوضع القائم حالياً فقد عفا الزمن عليه ولم يعد صالحاً للتطبيق في هذا العصر! في الختام، لست مع هذا النوع من العقوبة أو ضدها، ولكنني ضد التخبط والتردد، وبالتأكيد ضد أن يصدر القرار ثم تتبعه عشرات الاستثناءات، ذلك أنّ ما حدث ما هو إلا نموذج صارخ على غياب الرؤية الحكومية الواضحة والمزاجية والعشوائية في اتخاذ القرارات؛ وضعف الإرادة في التطبيق، فيما نحن بأمس الحاجة لأن تعي حكومتنا «الرشيدة» أهمية ايقاف هذا المسلسل السمج من العمل دون خطة ورؤية للمستقبل، والكف عن الاعتقاد بأن المواطن لا يفقه شيئاً، فلا أنا ولا غيري سيقتنع باعتماد الوزارة على احصائية يوم واحد من تطبيق القرار للادعاء بنجاحه! dr.hamad.alansari@gmail.com twitter: @h_alansari
مشاركة :