يقولون لجهنم هل امتلأت فتقول هل من مزيد. والإنسان يقع دوماً في شراك الطموحات التي لا تنتهي ويبقى دوماً في لحظة لهث دائم في الدنيا وأطماعها والرغبة في التوسُّع والحصول على المزيد والمزيد. وبعض الشركات والمؤسسات في بلادنا حصدت العديد من الخيرات والنفع الاقتصادي والأوليات على غيرها عبر سنوات أو عقد أو عقود من الزمن وكان يشوب هذه الشركات أخطاء مالية وضعف في الرقابة الداخلية ويعتري بعضها بعض الفساد إلى أن انتهت بإعلان إفلاسها. لقد حققت هذه الشركات مكاسب لا حد لها عبر السنوات، وعندما بدأ المصدر يجف قليلاً تظاهر بعضهم بالاستماتة وسرّحوا أعداداً كبيرة من موظفيهم وتوقفوا عن صرف رواتبهم ومستحقاتهم، وفي حكم وقصص الصين القديمة العديد من الشواهد التي تلزم بضرورة أن تكتفي بقدر ما حققته من طموحات ومكاسب حتى لا تظل متعطشاً للمزيد دون أن تشعر بالارتواء. والنجاح المتوازن هي الصيحة التي أطلقها لوراناش وهوارد ستيفنسون يُحذّران فيها من النجاح المراوغ الذي يفترس عمر الإنسان.بعض الأطباء في بلادنا سعوا وراء الكسب المادي، يلهث ليلاً ونهاراً في سبيل أن يصل إلى ما وصل إليه أسماء يعرفونها كانت الظروف مواتية لهم لتحقيق دخول عالية، فيقارنوا أنفسهم بأولئك، ويشعرون أنهم لم يصلوا إلى ما وصل بعض من سبقهم، ولكن الإنسان كما يقول فنس بوسنت أصبح في هذا العالم مثل النملة التي تركب على ظهر الفيل، تتجه شرقاً بينما هو يتجه غرباً.. فيصبح من المستحيل أن يصل المرء إلى ما يريد.. لماذا؟ لأن عقل الإنسان الواعي يُفكِّر بألفين فقط من الخلايا، أما عقله الباطن فيُفكِّر بأربعة ملايين خلية.. وهكذا يعيش المرء معركتين.. معركة مع نفسه ومع العالم المتغير المتوحش.. ولا يستطيع أن يصل إلى ما يريد أبداً. بعض العقلاء اختاروا لأنفسهم وقتاً للتقاعد، والتقاعد ليس معناه التخلي عن المسؤولية، ولكن إعطاء النفس الوقت الكافي للراحة والتفرغ لأعمال الخير داخل نطاق الأسرة وخارجها، فيكون عطاءً من نوعٍ آخر وله قيمة لا تضاهى، فإلى متى نبقى نلهث نجمع ونجمع ولا نكتفي ولا نضع سقفاً للطموحات، لاسيما وأن لا سقف للطموحات في هذه الدنيا. هنيئاً لمن قال يكفيني هذا بقناعة ورضا دون أن يبخل باستشاراته ونصحه مستثمراً الخبرات التي اكتسبها في مشوار حياته.
مشاركة :