فقدت الحركة الرياضية بالمنطقة الوسطى قبل أيام قلائل شخصية إدارية عصامية من الشخصيات الريادية البارزة التي خدمت مسيرتها البنائية والتأسيسية قبل أكثر من نصف قرن من الزمن؛ وذلك برحيل الأستاذ عبد الرحمن بن حسن بن عمر آل الشيخ الذي وافته المنية إثر مرض عضال، عانى منه الفقيد طويلاً - تغمده الله بواسع رحمته -. والراحل كان من رموز الحركة الرياضية بالمنطقة الوسطى التي ساهمت في دعم حركتها، وقدمت عطاءات بارزة, وخدمات جليلة, وتضحيات جسيمة في حقبة البناء الرياضي بمدينة الرياض رغم أن الرياضة لم تكن مقبولة عند المجتمع النجدي في تلك الأيام الخوالي لاعتبارات اجتماعية وثقافية, فضلاً عن انتمائه لأسرة عُرف عنها الالتزام الديني والتمسك بالقيم والعادات المجتمعية الأصيلة.. غير أن حب الرياضة تسلل إلى جوانحه، وصافح فؤاده منذ طفولته؛ لينطلق في ممارستها مع أبناء الحي قبل تأسيسه نادي (نجمة الرياض) الذي كان أول نادٍ بالمنطقة الوسطى يحظى بزيارة رائد الرياضة الأول الأمير عبد الله الفيصل -رحمه الله - وقبوله الرئاسة الفخرية للنادي العاصمي عام 1386 - 1387هـ، وينال أيضًا دعمًا قويًّا ومباشرًا من الرمز الرياضي الأول بالمنطقة الوسطى الشيخ عبد الرحمن بن سعيد -رحمه الله-. ولا غرو من ذلك؛ فقد كان الفقيد يحظى بمكانه عالية وتقدير كبير من مؤسس الهلال والشباب (ابن سعيد), الذي دوَّن ورصد إسهاماته الجليلة وتضحياته الوفائية في دعم الحركة الرياضية في بطون سجلاته التاريخية, فبعد أن مارس اللعبة الشعبية (كرة القدم) مع فريق الحي (بحي الظهيرة) مع فريق سُمي (أشبال الهلال) في منتصف التسعينيات الهجرية من القرن الفائت حظي بدعم ومؤازرة من (أبي مساعد)؛ ليؤسس فريق نجمة الرياض الذي دمج مع فريق الشباب عام 1388هـ، ودعم الرياضة العاصمية آنذاك مع رجالات الحركة الرياضية الكبار (ابن سعيد وعبد الله بن أحمد وأبي عبد الله الصائغ -رحمهم الله جميعًا), قبل أن يعتزل النشاط الرياضي مطلع التسعينيات الهجرية من القرن الفائت، ويتجه ببوصلة عطائه إلى إثراء الفكر والأدب والثقافة. تشرفت إبان عملي مع صحيفة الجزيرة، واهتمامي بالتاريخ الرياضي، بأن كنت أول من أجرى مع (فقيد التاريخ الرياضي) لقاءه الأول متحدثًا عن مسيرته الرياضية والثقافية، وذلك في يوم الجمعة الموافق 21 ذي القعدة 1434هـ, وكنت محظوظًا بأن أقرأ شيئًا من تاريخنا الرياضي من مصادره الأولية, وكان (أبو خالد) - غفر الله له - مرجعًا تاريخيًّا ثريًّا, ومخزونًا ثقافيًّا أصيلاً، يحتفظ بمعلومات رياضية وحقائق كروية، عمرها أكثر من ستين عامًا؛ وبالتالي استفدت منه كثيرًا في نشر هذه الحقائق التاريخية الدامغة ومعطياتها هنا عبر الجزيرة. كان الراحل يتمتع بشخصية اجتماعية وثقافية ورياضية متزنة، تجمع القيم الأخلاقية، والتواضع الجم, والابتسامة العفوية, وطيب المعدن, وحسن الأدب، ونقاء القلب الذي أكسبه حب الرياضيين القدماء والإعلاميين والمثقفين الذين عاصروا مسيرته الرياضية والثقافية. رحم الله الأستاذ (عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ)؛ فقد عاش عصاميًّا مكافحًا من أجل خدمة رياضة الوطن في بداياتها.. فكان من الأرقام المهمة في مسيرة البناء الرياضي قبل ما ينيف على نصف قرن من الزمن, ورحل صابرًا على حالته المرضية محتسبًا بكل إيمان وعزم وثبات, تاركًا سيرته النيرة وسمعته العطرة محفورة في الذاكرة الرياضية - تغمده الله بواسع رحمته -. خالص العزاء لأسرة الراحل وأشقائه (عبد اللطيف وعبد الله وطلال)، سائلاً الله العلي القدير أن يرحم فقيدنا الغالي، ويسكنه فسيح جناته. {إنا لله وإنا إليه راجعون}.
مشاركة :