استحداث المحافظات وتعديل خرائطها في العراق بين المتطلبات الحضارية والصراعات القومية والطائفية ـ

  • 11/21/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

بعد استقلال العراق عام 1921 استحدثت 14 محافظة (لواء) قبل اجراء أي إحصاء سكاني في العراق. وفي مطلع الثلاثينات من القرن الماضي ذكر مصدر ان عدد سكان العراق كان 3,500,000 نسمة فيما ذكر مصدر اخر ان العدد كان 4,750,000 نسمة وبتقسيم العدد الأول على 14 محافظة يكون نصيب المحافظة الواحدة من السكان هو 250,000 نسمة وبتقسيم العدد الثاني عليها فان نصيب كل محافظة يكون 357,000 نسمة. ولم يتم أي استحداث لمحافظة جديدة طوال نحو أربعة عقود. وقد يكون التطور البطيء في المجتمع العراقي من حيث عدد السكان والتقدم الحضاري وغيرهما وراء ذلك. فعلى مدى اعوام النظام الملكي ورد ان عدد السكان كان 5,000,000 نسمة وذلك في الخمسينات من القرن الماضي، وفي عقد الستينات منه تردد ان عدد السكان وصل الى 7,000,000 نسمة، الامر الذي كان يستدعي تأسيس محافظات جديدة طبقاً لزيادة السكان. لكن ذلك لم يحصل ولم تتم الاستجابة للتطورات لاسيما في مجال الزيادة في عدد السكان. ويعد استحداث محافظة دهوك في عام 1969 الزيادة الاولى في عدد المحافظات العراقية، وجرى ذلك نزولاً عند أسباب سياسية منها إحتمال مطالبة الكرد بتنظيم استفتاء أو احصاء لسكان محافظة نينوى (لواء الموصل) لغرض تقرير مصيرها ولإثبات كرديتها أو عروبتها. وكانت المحافظة هذه تعد كردية لو لم يتم فصل دهوك واقضية كردية اخرى مثل زاخو والعمادية وسميل عن محافظة نينوى. وبتأسيس محافظة دهوك فان الاكثرية الكردية أصابها شيء من التقلص في نينوى، ودخلت الحكومة العراقية في وضع من التخبط والعبثية، كونها كانت تروم تحقيق اكثرية عربية في محافظة نينوى من جهة وفي الوقت ذاته احتفظت باقضية كردية هامة لنينوى مثل عقره والشيخان وسنجار ورفضت الحاقها بمحافظة دهوك أو منطقة الحكم الذاتي واحتفاظها بتلك الاقضية مع اقضية اخرى هي تلكيف والحمدانية وتلعفر ذات الخليط السكاني الأقرب الى الكرد لا العرب. ولم تكتفِ الحكومة العراقية بذلك بل الانكى من ذلك انها ضمت فيما بعد قضاء مخمور الذي كان تابعاً لمحافظة اربيل الى نينوى. عليه فان الهوية العربية لنينوى ظلت هشة ضعيفة، إذا علمنا ان سكان المحافظة من غير العرب بقوا اكثر من العرب فيما بعد. في الثمانينات من القرن الماضي، قام حزب البعث بإحصاء سكاني سري للغاية لسكان نينوى فتبين ان الكرد يشكلون 57% من سكانها، وعندي ان حكومة الاخوين عارف كانت قد ادركت اكثرية الموصل الكردية قبل حكومة البعث، لهذا فانها قامت في النصف الثاني من الستينات بترحيل كل الكرد الذي لم يسجلوا في احصائية عام 1975 في الموصل، فاضطر الكرد المهجرون للعودة الى مناطقهم السابقة، علماً ان الاجراء لم يتخذ بحق العرب النازحين الى الموصل من القرى العربية وغير المسجلين في احصاء عام 1957. وفي يوم 5-11-2017 ورد في تقرير نشرته صحيفة "صوت العراق" ذات القاعدة العريضة من القراء "الكرد يشكلون نصف السكان في غرب الموصل" اي الساحل الايمن لنهر دجلة أي انهم اكثر من العرب فيه، اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان النصف الثاني من السكان هم من العرب والتركمان والكلدو اشوريين والارمن.. الخ فضلاً عن هذا فالكل يشهد ان غالبية سكان الساحل الايسر من الموصل هم من الكرد. وهكذا نجد ان الاجراءات الحكومية العراقية لم تفلح في تحقيق زيادة للعرب في الموصل، وجعلت الاجراءات منها كما قلت تتخبط، ما زاد الطين بلة، ولم تساعدها كل الحيل التي لجأت اليها من قبيل منع تسجيل الدور والمحال التجارية والاراضي باسم الكرد او منع دخول كرد من اريافها اليها، الى الموصل. وفي اطار مساعيها لخلع هوية عربية على الموصل قامت باستحداث قضاءين عربيين، الاول الحضر والثاني البعاج، وتطلب استحداث الثاني ضم مساحات شاسعة من اراضي الكرد الايزيديين في سنجار اليه. وكان القضاء ان وما زالا من اصغر اقضية محافظة نينوى. ولم تتوقف حكومة البعث عند استحداث محافظة دهوك ترضية للكرد من جهة وافشالا لأي استفتاء محتمل يسفر عن اكثرية كردية في نينوى والموصل، بل قامت فيما بعد باستحداث 3 محافظات عربية هي صلاح الدين والنجف والمثنى رداً على استحداث المحافظة الكردية دهوك، كل ذلك لاجل ان يكون هناك تفوق عددي للمحافظات العربية على الكردية. وجرت السياسات العنصرية للبعث بعد انهيار ثورة ايلول الكردية 1961 – 1975 الى شن هجمة شرسة على الوحدات الادارية الكردية وضمها الى محافظات عربية اذ اقتطع قضاء مخمور بنواحيه الثلاث الكوير – ديبكه – قراج- وضم الى محافظة نينوى لتقليص مساحة منطقة الحكم الذاتي كتعويض للاخيرة مقابل اقتطاع قضاء الشرقاط منها والحاقه بمحافظة صلاح الدين التي استحدث لأسباب مناطقية ليس الا كونها مسقط الرئيس العراقي السابق صدام حسين واقتطاع قضاء طوزخورماتو بنواحيه وقراه من محافظة كركوك وضمه الى محافظة صلاح الدين أيضاً. واضافة الى المنطلقات العنصرية التي وجهت اصلاً ضد الكرد، فان المناطقية راحت ترسم حدود المحافظات العربية أو تعديلها. إذ بالاضافة الى ضم الشرقاط وطوزخورماتو الى صلاح الدين، ضم الى الاخيرة ايضاً قضاء سامراء.. الخ. وهكذا نجد ان العنصرية والمناطقية كانت وراء المتغيرات التي حصلت في خارطة المحافظات العراقية نينوى، اربيل، بغداد وكركوك وخشية من أن يؤدي الاحصاء السكاني في كركوك أو أي استفتاء مماثل فيها، ولغرض تقليص وتقليل عدد الكرد فيها، فان قضاء جمجمال فصل عنها وضم الى السليمانية. ليس هذا فحسب بل أن اوسع واكبر عمليات الترحيل للكرد وقعت في محافظة كركوك فيما بعد وكذلك اوسع واكبر عمليات التعريب ايضاً. ولكي تكون كركوك محافظة عربية فان حكومة البعث استقدمت عشرات الالوف من العرب السنة والشيعة من محافظات الوسط والجنوب لاسكانهم في كركوك لقاء منحهم مغريات لا تحصى، كما وتوخت الحكومة تلك من وراء عمليات الانفال تقليل نفوس الكرد في محافظة كركوك حين قتلت اكثر من 180,000 مواطن كردي ودفنتهم في مقابر جماعية في صحارى الجنوب. الا انه رغم كل الذي جرى ووقع فان عدد الكرد في كركوك بقي اكبر من عدد كل القوميات الاخرى. ان استحداث المحافظات في العراق وتعديل خرائطها في العهد السني العربي 1921 – 2003 كانت بدوافع عنصرية قومية عربية وليست حضارية أو استجابة للزيادات السكانية اذ بلغ عدد نفوس العراق في اواخر العهد السني 36 مليون نسمة دون أن يؤدي ذلك الى استحداث محافظات جديدة. لنأخذ محافظة نينوى على سبيل المثال فلقد ذكر في السنوات الاخيرة ان عدد سكانها تجاوز الـ 3 ملايين ونصف مليون نسمة دون ان يتوج ذلك باستحداث محافظات جديدة فيها ورغم المطالبات باستحداثها. فسكان تلعفر مثلاً طلبوا اكثر من مرة تحويل تلعفر الى محافظة كونها من اكبر اقضية العراق واكبر من 4 محافظات كل على حدة. أو تدرون لماذا كانت الحكومات العراقية ترد طلب اهالي تلعفر؟ الجواب خشية من ان يشجع ذلك تركيا للمطالبة بها واعتبارها الولاية الـ 84 مثلما كركوك لديها الولاية الـ 82 والموصل الولاية 83. فهاتان المحافظتان ما زالتا ولايتين تركيتين في نظر الاوساط الرسمية التركية ليس هذا فقط بل أن ولاية الموصل العثمانية ما زال الاتراك يعتبرونها جزءاً من دولتهم التركية. ان التقدم الحضاري والزيادة السكانية في العراق يحتمان تأسيس واستحداث محافظات جديدة. وأرى ان قرار برلمان كردستان قبل نحو 20 سنة من الان باستحداث محافظات باسم عقرة وسوران وحلجة ورانية جاء تلبية للمتطلبات الحضارية والضرورات الاخرى. ونجح الكرد في جعل حلبجة محافظة وسط رفض واستياء من قبل الحكومة المركزية التي لا يروق لها اية زيادة في عدد المحافظات الكردية. والى كتابة هذا المقال فان هذه الحكومة لم تخصص ميزانية للمحافظة الكردية الجديدة لاكثر من سبب قومي وطائفي كما سنرى لاحقاً. وعلى اثر اجراء الاستفتاء على استقلال كردستان يوم 25-9-2017 وفي اطار مقاومة الحكومة العراقية للاستفتاء على اساس طائفي ومذهبي قومي راودها، اي الحكومة الحالية، استحداث محافظات شيعية وعملت على جعل كركوك محافظة شيعية وتحويل قضاءي تلعفر وطوزخورماتو الى محافظتين شيعيتين من خلال استخدام الاقلية التركمانية الشيعية في كركوك والقضاءين المذكورين ككماشة ومخلب قط ضد الكرد المطالبين بالاستقلال ولاضعاف موقفهم ومسعاهم. وراحت السن طائفية وشوفينية تردد ان محافظة كركوك يجب ان تكون تركمانية، تركمانيا شيعياً طبعاً، وذلك بعد سقوط كركوك في يد القوات العراقية يوم 16-10-2017. لقد كان النظام العربي السني 1921 – 2003 في سياسته في مجال استحداث وتأسيس المحافظات وتعديل خرائطها ينطلق من رؤية قومية عنصرية قامت بتغليب عروبة المحافظات على الرؤية الحضارية لها كما بينا، وبعد تسلم الشيعة للسطلة في العراق عام 2003، فانهم انطلقوا من الطائفية والمذهبية ازاء المحافظات والاكثار من المحافظات الشيعية وهذا ما لمسناه بعد غزو كركوك وانتزاعها من الكرد، واتخذوا من التركمان الشيعة والى حد ما السنة ايضاً سلاحاً لمحاربة الكرد أولاً والعرب السنة ثانياً، بحيث زينوا للتركمان تركمانية كركوك (!) وتسليم الحكومة المحلية اليهم، هذا علاوة على استحداث محافظتين شيعيتين هما طوزخورماتو وتلعفر وجاء ذلك عقب عزم الكرد على الاستقلال وضم كركوك الى الدولة الكردستانية المرتقبة وكما اسس العرب السنة في الماضي ثلاث محافظات عربية سنية رداً على استحداث محافظة دهوك، فأن الشيعة استحدثوا بدورهم - أوهم في سبيل ذلك - ثلاث محافظات شيعية هي كركوك وطوزخورماتو وتلعفر كما ذكرنا رداً على استحداث الكرد لمحافظة حلبجة ومطالبة الكرد بالاستقلال ايضاً وضم كركوك الى دولة المستقبل للكرد. وهنا ايضا فان استحداث ثلاث محافظات شيعية لم يأت استجابة لمتطلبات حضارية أو سكانية بل بدواعي ودوافع مذهبية طائفية وهكذا احل الشيعة تشيع المحافظة محل تعريبها لدى السنة، ولم ينسوا احلال التعريب في مواجهتهم للكرد، اذ ابقوا على العرب السنة الذين اسكنهم النظام السني السابق في كركوك بل واعادوا اليها الذين طردوا منها بعد سقوط النظام السني في عام 2003 وهم، اي الشيعة، يواجهون الكرد بالتشيع والتعريب في ان معاً. انهم ومعهم الجبهة التركمانية يدعون الى اعتبار كركوك محافظة تركمانية ويذهبون في مسعاهم الى القول كذباً ان التركمان يمثلون 80% من سكانها، والحال ان هذا الادعاء كذبة مفضوحة جداً تتقاطع مع الحقائق التاريخية والسكانية التي تفيد بكردستانيتها. ورد في الصفحة 3846 من دائرة المعارف العثمانية (الانسكلوبيديا العثمانية) أن ثلاثة ارباع سكان كركوك هم من الكرد اي انهم كانوا يشكلون 75% من سكانها في العهد العثماني. ثبت ذلك في الموسوعة تلك عام 1898. وفي الاحصاء السكاني لعام 1957 في العراق والذي عد من انزه الاحصاءات السكانية في تاريخ العراق ولم يعترض احد على نتائجه التي قالت ان 52% من سكان محافظة كركوك هم من الكرد و48% هم من العرب والتركمان والمسيحيين. وفي احصائية عن عدد الذين رشحوا انفسهم في العهد الملكي لمجلس النواب العراقي من اهالي كركوك تبين ان 63 مرشحاً كانوا من الكرد و17 من العرب والتركمان والمسيحيين والمستقلين من مجموع 80 مرشحا، وحتى بين المستقلين كان هناك كرد. وفي الانتخابات المحلية بعد سقوط النظام البعثي عام 2003 فان الكرد كانوا الفائزين دوماً باكثرية مقاعد مجلس محافظة كركوك. وفي اخر انتخابات محلية اجريت هناك فاز الكرد بـ 26 مقعداً من مجموع 41 مقعداً أي ان المقاعد الـ 15 الاخرى كانت من نصيب العرب والتركمان وغيرهما، ما يعني ان التركمان لا يتجاوزون 6% من سكان المحافظة هذه ووفق دائرة المعارف العثمانية فان نسبتهم الى السكان هي في حدود 7% وترتفع النسبة لدى الاحصاء السكاني الى نحو 15%. ولكي تكون الصورة أوضح لدى القاريء الكريم ويطلع على البون الشامع بين عدد الكرد وعدد والتركمان وفق احصاء عام 1957 في كركوك، يقول ذلك الاحصاء ان عدد الكرد كان 178,000 نسمة والعرب 48,000 نسمة والتركمان 43,000 نسمة والمسيحيين 10,000 فقط، أي أن عدد الكرد يفوق عدد التركمان 4 مرات واكثر من 3 مرات لعدد العرب الذين يعتبرون في ضوء ذلك الاحصاء القومية الثانية والتركمان الثالثة والمسيحيين الرابعة في كركوك. ان العنصرية التي استحدثت المحافظات في العراق واجرت فيما بعد تعديلات على خرائطها بين 1921 – 2003 اضرت بالعراقيين كثيراً وتركت مضاعفات لا نزال نعاني منها وتتمثل في النزاع على "المناطق المتنازع عليها" بين الكرد والحكومة الشيعية العراقية والتي تمثلت وذلك على سبيل المثال في سيطرة القوات العراقية على كركوك يوم 16-10-2017 والتي تسببت بمقتل نحو 400 شخص وفي طوزخورماتو 200 شخص اضافة الى حرق اكثر من 1000 دار تعود للكرد في طوزخورماتو. ونجد ان الحكومة الشيعية في العراق ترتكب الخطأ نفسه بتهربها عن تطبيق المادة (140) واستحداث محافظات شيعية تركمانية خلافاً للحقائق السكانية والتاريخية والجغرافية ولا شك ان الاستحداث من المنطلق المذهبي والطائفي سيقود بدوره الى مضاعفات خطيرة في المستقبل لا تقل عن المضاعفات التي خلفها الاستحداث العنصري للمحافظات وتعديل خرائطها في العهد السني. واني لعلى ثقة ان عدد تركمان كركوك لا يرقى الى عدد الكرد في قضاء جمجمال الملاصق لكركوك، ولم تكن نسبة الكرد الـ 75% وفيما بعد الـ 52% تتدنى تدريجياً بمرور الاعوام في كركوك لولا سياسات التعريب والاضطهاد التي اتبعها النظامان السني والشيعي على مر الاعوام الماضية وبالاخص النظام السني، اذ هجروا الكرد من كركوك واغروا العرب للسكن فيها، ولاجل تحقيق غالبية عربية فقد لاذوا واعتمدوا احط الوسائل اللااخلاقية والوحشية لما اقدموا على قتل اكثر من 182,000 انسان في محافظة كركوك وبالاخص في مناطق كرميان منها، كل ذلك لكي تكون نسبة الكرد قليلة فيها، وفوق كل هذا فان الكرد ظلوا يشكلون اكثرية سكان كركوك وما زالوا بدليل نتائج انتخابات مجلس المحافظة من جهة وتهرب الحكومة العراقية من تطبيق المادة (140) واجراء الاحصاء السكاني.   عبدالغني علي يحيى Al_botani2008@yahoo.com

مشاركة :