"يوجد لاعبون جيدون دربت كثيرين منهم في مانشستر يونايتد، لكن هناك لاعبون آخرون يصنعون الفارق وهم من نقول عليهم لاعبين عالميين".. هذا تعريف واضح من السير أليكس فيرجسون للطريق الذي يجب أن يسير فيه محمد صلاح. بعد 27 سنة في يونايتد، اختار فيرجسون 4 لاعبين فقط يمكن تسميتهم باللاعبين العالميين رغم كل ما حققه في مانشستر والأسماء التي لعبت تحت قيادته.. إريك كانتونا وريان جيجز وبول سكولز وكريستيانو رونالدو. ولو اتبعت مسيرة أي منهم ستجد أن كل اسم كان يفرض شخصيته وأسلوبه على الفريق منذ يومه الأول، وفي ليفربول وجد محمد صلاح كل الظروف التي تدفعه ليكون النجم الأول للفريق على نفس الطريقة التي يلقاها في منتخب مصر. 14 هدفا في 18 مباراة بداية لم يحلم بها محمد صلاح نفسه مع ليفربول، لكن التألق الذي يعيشه صلاح تحت قيادة يورجن كلوب ليس فقط بسبب التطور الفني الذي يستحق ثناء ستيفن جيرارد وجيمي كاراجر عليه. لا أتحدث هنا عن "أطول حضن من يورجن كلوب للاعب"، لكن صلاح يجد في ليفربول الحماية التي لم يلقاها من لوتشيانو سباليتي في روما. في روما لم يكن محصنا من انتقادات سباليتي رغم ما كان يقدمه، فمدربه لم يكن يخفي مشاعره عندما لا يعود صلاح للدفاع أو يهدر فرصة. هذا اختلف في ليفربول حتى لو أهدر أول ركلة جزاء بعدما وضعه كلوب المسدد الأول. ----- لم يكن صلاح نجم روما الأول المحصن، وهذا لم يكن لأسباب فنية أو لقلة ما يقدمه مع الفريق. ولكنها سياسة واضحة لسباليتي. توتي بكل ما له في روما لم يكن استثناء في هذه السياسة، ورغم كل الصافرات التي أطلقتها جماهير روما من أجل مشاركته. ولذلك لم يكن غريبا أن ينتقد سباليتي صلاح عقب أي مباراة لو لم يقم بأدواره الدفاعية حتى لو سجل هدفين. المدرب دائما يريد الأفضل من لاعبه وهذا طبيعي، لكن تأثر صلاح سلبا بهذه الطريقة كان واضحا أكثر من مرة خلال الموسم الماضي ورغم كل ما يقدمه لم يكن حتى من ضمن أفضل 3 لاعبين في إفريقيا في 2016. ولهذا احتاج صلاح أن يصعد درجة في سلم مسيرته، أقرب من الطريقة التي يُنظر بها له في منتخب مصر. ----- منتخب مصر يحمل اسم "باصي لصلاح" من قبل حتى أن يذهب بنا لكأس العالم، وهنا هو النجم الأول. وبالتأكيد الخطة أساسها صلاح الذي لا يلتزم بأدوار دفاعية وينفذ ركلات الجزاء والركلات الحرة والركنيات. اكتسب صلاح شخصية القائد من طبيعة دوره مع منتخب مصر، فتجده هو من يصرخ في زملائه ويحرك الفريق بعد استقبال هدف الكونغو ثم يسدد ركلة الجزاء في الدقيقة 94 لينهي معاناة استمرت 28 عاما. قبل 4 سنوات كان محمد أبو تريكة هو من يركض لجلب الكرة من مرمى المنتخب بعد كل هدف تسجله غانا ويذهب للـ"سنترة" في مشهد لا يعبر بأي شكل عن النتيجة، ويشجع صلاح الذي استسلم وبدأ في البكاء على حلم اعتدنا ضياعه. شخصية القائد تلك ورثها صلاح ليلعبها مع الجيل الحالي في منتخب مصر، وبالتالي هي التي رسمت طبيعة أهميته للفريق قبل أن يكون الأفضل فنيا. وببساطة، تستطيع أن تدرك أهمية وجود صلاح في الملعب مع المنتخب حتى لو لم يكن في يومه. من هذا، استفاد صلاح عندما انتقل إلى ليفربول وسهل الأمور على كلوب. ----- "صلاح الآن مختلف تماما عن صلاح تشيلسي، وهو يستحق كل الإشادة على ما حققه، الشيء الجيد هو أنه ذهب بعيدا عن إنجلترا وبات يمتلك الثقة والشخصية الآن وهي أشياء لم تتوافر لديه عندما كان صغيرا".. هكذا يُحلل فرانك لامبارد لماذا صلاح ليفربول أفضل من صلاح تشيلسي. هل تتذكرون عندما قال ميدو إن صلاح بلا كاريزما؟ الكاريزما التي كان يقصدها ميدو وشرحها فيما بعد هي الشخصية وثقل صلاح بين زملائه في الملعب. ذهب صلاح إلى ليفربول بهذه الشخصية التي اكتسبها، ولذلك كان دخوله في الأجواء سريعا جدا بشكل فاق توقعات كلوب نفسه، وفرض نفسه على التشكيل حتى عندما غاب عنه التألق. عندما أهدر صلاح أول ركلة جزاء بعدما اختاره كلوب ليكون المسدد الأول في ليفربول، لم يضعه مدربه في مواجهة الإعلام وخرج ليدافع عن لاعبه. هذه سياسة كلوب المختلفة تماما عن سباليتي وربما تناسب صلاح أكثر، يخرج ليصرح بأنه لا يجد مدافعين أفضل من مدافعي ليفربول، والحقيقة أنهم الحلقة الأضعف في فريقه. هذه الحماية ساهمت في أن يلعب صلاح دون أي ضغوط غير أن يصبح أفضل وهو ما سيفيد ليفربول وبدأ في جني ثمار "طرحه الأول" بالفعل. بالتأكيد استفاد صلاح من سياسة كلوب في التعامل مع لاعبيه، لكن أكثر ما كان يحتاجه صلاح هو أن تساعده طريقة اللعب نفسها على ألا يتكرر ما واجهه في تشيلسي. ----- يواصل فيرجسون في تعريفه للاعب العالمي "لا أقول إن باقي اللاعبين غير مهمين، فلن تفوز بالبطولات بسبب اللاعبين العالميين فقط ولكنني منذ صغري أنجذب أكثر للمهاجمين الذين يسجلون ولديهم قدرة على الإبداع". وتابع "لو نظرت للفائزين بالكرة الذهبية في أخر 50 سنة لن تجد سوى مدافعين اثنين فقط، ولذلك أعتقد أن لدينا إجماع على أن هذا الوصف يذهب إلى اللاعبين الذين يفوزون لك بالمباريات". عكس أدواره في روما، طريقة لعب ليفربول تفتح الطريق أمام صلاح ليسجل أكثر بمساعدة زملائه وليس العكس. وأكثر من يلعب هذا الدور هو فيرمينيو. فيرمينيو شارك صلاح قيادة هجوم ليفربول دائما، أكثر من ساديو ماني الذي غاب 7 مباريات عن صلاح. صحيح أن التعاون بين ماني وصلاح أخطر أسلحة ليفربول الهجومية، لكن دون مشاركة فيرمينيو يصبح من الصعب كسر خط دفاع منظم ومن هنا كانت مساعدة البرازيلي مهمة لصلاح. اللامركزية التي يعتمد عليها كلوب، تجعل فيرمينيو دائما مشاركا في هجمات ليفربول حتى لو لم يصنع الهدف بنفسه في النهاية وتمنح أيضا الفرصة لصلاح ليضع اللمسة الأخيرة. في كرة الهدف الأول لصلاح ضد ساوثامبتون، قطع فيرمينيو الكرة ثم مررها لجوردان هندرسون وركض ناحية الجبهة اليمنى وخلفه مدافع ليفتح زاوية التسديد لواحد من أجمل أهداف صلاح في أوروبا. وفي الهدف الثاني يتحرك فيرمينيو ناحية الجبهة اليمنى مرة ثانية ليتبادل المراكز مع صلاح الذي استلم تمريرة كوتينيو وسجل. الحرية التي يمنحها يورجن كلوب لفيرمينيو ببساطة توضح لماذا يساعد صلاح على التألق بشكل كبير، وبالسرعات الكبيرة التي يمتلكها ثلاثي هجوم ليفربول، تظهر نقطة تميز فيرمينيو وهي قدرته على الحفاظ على الكرة تحت قدمه لفترة أطول. هذا العِرق البرازيلي جعل كلوب يعتمد على فيرمينيو في الربط بين الخطوط، فتجده دائما قريبا من حامل الكرة في منتصف ملعب الخصم ولذلك دائما فيرمينيو أقرب لوسط الملعب ليمثل رأس مثلث ليفربول الهجومي المقلوب. ونزول فيرمينيو برقيبه يفتح دائما مساحات لصلاح وماني من أجل استلام الكرة منه أو من غيره. ينزل دائما فيرمينيو لوسط الملعب من أجل استلام الكرة، وفي هذه اللحظة يبدأ صلاح وماني التحرك بسرعة خلف الدفاع. الأدوار الدفاعية؟ بعد الخسارة من توتنام في ويمبلي، وضح فشل الاعتماد على ملينر بجانب إيمري كان في وسط الملعب. ولذلك كان لعودة جورجينيو فينالدوم لوسط الملعب دور فعال. اعتمد يورجن كلوب في وسط الملعب على ثنائي يلتزم بالأدوار الدفاعية، لعب فينالدوم فيه الدور الرئيسي. المساندة التي يقدمها فينالدوم للجانب الأيمن تسهل الأدوار الدفاعية على صلاح. ضد وست هام، لعب ساديو ماني وتشامبرلين كجناحين متحفظين، وتركا المهام الهجومية لصلاح وفيرمينيو. ثم تولى فينالدوم تغطية صلاح دفاعيا، ليحافظ على كامل طاقته للهجوم. ----- ضم لاعب مميز يعني ألا يحتاج وقتا سريعا للتألق مع فريقه الجديد، لكن الاستثنائي هو من يفرض شخصيته على الفريق من اليوم الأول. يتحرك الآن صلاح بثبات في طريقه ليتجاوز الأفضل في إفريقيا التي كانت أقصى أحلامه في روما نحو قائمة الصفوة في العالم. ولا شك في أحقية صلاح ليصبح الأفضل في إفريقيا في 2017 بعدما استحق أن يكون ضمن الأفضل على الأقل في سنوات سابقة. لكن الشخصية التي تقود بها منتخب بلادك لتحقيق حلم طال انتظاره وتفرضها على فريقك الكبير في إنجلترا بالتأكيد تضمن لك أكثر مما قد تحققه إمكاناتك الفنية وحدها. ناقشني: Follow @AmirAbdElhalimdata-size="xlarge">
مشاركة :