تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام أصبح في حكم الزوال، بعد الضربات القوية التي تلقاها من التحالف الدولي وخسارته نسبة كبيرة من الأراضي التي يسيطر عليها، إلا أن هناك تساؤلات حول احتمال استمرار نشاطه في العالم الافتراضي، الذي يمكن أن يحوله إلى منصة لترويج دعايته في صفوف الشباب والجهاديين خارج العراق وسوريا، من أجل إعطاء الانطباع بأنه باق أو أنه قد يعود. ليس هناك من شك في أن تنظيم داعش يدين بالكثير إلى شبكة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، بل إنه تعامل مع التقنيات الحديثة للتواصل بوصفها ساحة أخرى للمعركة توازي، إن لم تكن تفوق، المعركة الميدانية على الأرض. وكما يقول نيغيل إنكستر من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، بأن الشيء الجديد الذي جاءت به الإنترنت بالنسبة للجماعات الإرهابية هو سرعة نقل الرسائل وسرعة تلقي التعليمات. وقد نتج عن هذا تحول عميق في العمليات الإرهابية التي ينفذها أتباع هذه الجماعات وفي نوعيتها وانتشارها الأفقي، وغيرت من طبيعة العلاقة القائمة بين القيادة والقاعدة في أي تنظيم جهادي، كما لعبت دورا ملموسا في تجنيد المقاتلين عبر التقنيات المتطورة في نقل الرسائل المصورة والمسموعة، وكل ذلك شكل رافدا قويا من روافد الفكر الجهادي الإرهابي في مختلف أنحاء العالم.داعش تعامل مع التقنيات الحديثة للتواصل بوصفها ساحة أخرى للمعركة توازي المعركة الميدانية على الأرض وقد شكلت شبكة الإنترنت المزود الأول والرئيسي لتنظيم الدولة الإسلامية من المقاتلين، وتشير الوقائع والمعطيات إلى أن عددا كبيرا ممن التحقوا بصفوف هذا التنظيم الإرهابي من البلدان الأوروبية منذ ظهوره عام 2014 فعلوا ذلك بعد سقوطهم في فخ الدعاية التي نصبها التنظيم عبر مواقعه الدعائية في شبكات التواصل الاجتماعي، أو عبر انسياقهم وراء محادثات مفتعلة استدرجهم إليها مجندون تابعون للتنظيم ومتخصصون في الاستقطاب عبر الإنترنت، ينتمون إلى الخلايا المتخصصة التي أنشأها تنظيم أبي بكر البغدادي لقيادة الحرب الإلكترونية. هذا ما توصلت إليه الحكومة الإسبانية على سبيل المثال، عندما اكتشفت أن التنظيم نجح خلال العامين الماضيين في إقامة شبكة قوية داخل البلاد من خلال الإنترنت، حيث كان أتباع التنظيم يلاحقون حسابات الشباب في مواقع التواصل الاجتماعي ويدخلون معهم في نقاشات وحوارات ومجادلات تنتهي بسقوطهم في فخه. بيد أن هذه الحقبة يبدو أنها انتهت أو في طريقها إلى الزوال، فالتراجع الميداني للتنظيم في العراق وسوريا، وخسارته عددا كبيرا من أبرز مقاتليه، ومن بينهم من كان يشرف على آلته الدعائية مثل أبي محمد الفرقان الذي كان يطلق عليه “وزير الدفاع″ في التنظيم، أسهما بشكل كبير في تراجع قدرته على الإقناع وأفقده تلك الجاذبية التي كان يتمتع بها في بداياته، عندما كان ينفذ عمليات القتل البشعة ويسوقها على أوسع نطاق في شبكة الإنترنت، ويظهر بذلك قوته وقدرته على التحكم في المناطق التي كان يديرها، ويقدم مسمى الخلافة بوصفها الأرض الموعودة التي يُمَني الآخرين بها. وتشير دراسات قام بها باحثون أميركيون متخصصون في الفترات الأخيرة إلى أن عدد زوار مواقع داعش على تويتر انخفض بحوالي 45 بالمئة خلال العامين الماضيين، وهي بالمناسبة الفترة التي تكثفت فيها حملات التحالف الدولي على تنظيم داعش، وخسر فيها هذا الأخير مدينة الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار العراقية، ثم تلاحقت خسائره تباعا على التوالي. وحسب المعلومات التي نشرتها وكالة أسوشيتيد برس عن مصادر أميركية فإنه لم يعد هناك سوى 300 متابع للحساب الواحد التابع للتنظيم في تويتر، مقابل 1500 متابع عام 2014، حين كان التنظيم يطلق عشرات الآلاف من التغريدات يوميا. ويشير هذا الانخفاض إلى التقدم الذي حصل على مستوى الحرب ضد دعاية التنظيم واستهداف الأسلوب الدعائي الذي كان ينتهجه. ويقدر الخبراء في تقنيات التواصل أن تنظيم الدولة الإسلامية يمكن أن يلتف حول هذه الإخفاقات التي يعيشها في بعض مواقع التواصل الاجتماعي، نتيجة الحملات الإلكترونية للحد من نفوذه على صعيد شبكة الإنترنت، أو نتيجة إغلاق الآلاف من حساباته، وذلك من خلال التحول نحو منصات أخرى لتأمين التواصل، مثل واتس آب وتيليغرام؛ غير أن هذا في جميع الأحوال يعد مؤشرا على تراجعه، لأن هذه المنصات لا تصل إلى جمهور عريض كما كان الشأن سابقا، وهذا معناه أن التنظيم لم يعد يتحكم في اللعبة.
مشاركة :