البشر هُمُ الوطن ومن دونهم لا معنى حتى للحجارة

  • 11/23/2017
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

يبدو أن من يعيش خارج وطنه لاجئاً أو منفياً أو مهاجراً، مضطر وبحكم الواقع الذي يعيشه، إلى المقارنة بين المكان الذي يعيش فيه والمكان الذي جاء منه. وفي حالة الفروق الكبيرة، هو مضطر لأن يفحص معنى الانتماء أيضاً، ما معنى «الوطن»؟ هذا لا يعني أن من يعيش حياته داخل بلده لا يسأل عن معنى «الوطن»، ما قصدته أنه في الحالة الأولى هناك واقع يعيشه ويقارنه بواقع عاشه. فمن الصادم لمن عاش في بلد فيه ازدحام هائل، لدرجة أن أكثر من عشرين شخصاً يكونون معلقين من خارج الباص أثناء سيره ليلتحقوا بأعمالهم صباحاً، بصرف النظر عن حالة الطقس، أن يأتي إلى بلد يشاهد فيه الباص يميل باتجاه الرصيف لأجل صعود شخص معاق بعربته. لا شك في أن اللاجئ أو المنفي في البلاد الأخرى، لا يواجه هذا الموقف فحسب، بل يشاهد الكثير المماثل له. وفي الوقت ذاته، هناك تناقضات هويته مع المكان الذي يعيش فيه، عندما يكون سكان المكان متصالحين مع أجسادهم، وهو آتٍ من ثقافة ما زال فيها العيب الأخلاقي يتعلق بستر الجسد بوصفه عورة. بمعنى آخر أن المقارنات تأتي من زوايا متعددة، مذهلة في العديد من الأحيان لأسباب متناقضة، مذهلة لحرص المكان الآخر على راحة مواطنه، هذا مذهل بالمعنى الإيجابي. ومن زاوية أخرى، مثال الحرية الجنسية بوصفها حقاً فردياً ليس لأحد التدخل فيه، هذا مذهل بالمعنى السلبي، لمن يأتي من مجتمعات تقليدية، تعد على النساء كل نفس، وتعتبر كل اختلاط مشكلة، وكل علاقة خارج مؤسسة الزواج جريمة يعاقب عليها القانون والمجتمع. إذا كان الوعاء الجغرافي يشكل تعريفاً من تعريفات الوطن، فالجغرافيا وحدها لا تشكل وطناً. يتشكل الوطن من علاقة المواطنين مع هذا الوعاء الجغرافي. والسؤال الأساسي، من يملك من؟ هل الوطن هو الذي يملك مواطنيه، وبالتالي على هؤلاء المواطنين تقديم كل الواجبات والتضحيات من أجل الوطن من دون أن تكون لهم أية حقوق فيه. وبالتالي هناك السلطة الحاكمة التي عادةً يحتكرها ديكتاتور، يستطيع تقديم الشعب قرباناً لـ «الوطن» الذي عاشوا فيه طوال حياتهم في أردأ أوضاع، محتاجين خائفين فقراء. وفي النهاية عليهم تقديم أرواحهم فداء للوطن الذي أذلهم طوال حياتهم، فهذا حق الوطن عليهم، أما ماذا عن حياتهم المنتهكة وحقوقهم المهدورة في هذا الوطن، فهذا سؤال نافل. الحالة الثانية، حيث يملك المواطن الوطن. هنا نحن أمام علاقة متبادلة بين الحقوق والواجبات، فهذا الوطن الذي أعطاني حقي في التعليم والعيش الكريم، ودفع عني الحاجة وحماني من المرض، يستحق أن أقوم تجاهه بكل الوجبات الملقاة على عاتقي، لأني لم أكن لأحصل على حقوقي، لو لم يقم الآخرون بواجباتهم، وأولادي لن يحصلوا على حقوقهم إذا لم أقم أنا بواجباتي. إنها معادلة من طرفين، أخذ وعطاء، وليست معادلة من طرف واحد، أخذ من طرف السلطة فقط. ما معنى أن تُحصِّل ضرائب من شخص دخله أقل من خط الفقر. بالتأكيد هذه ليست ضرائب، هذه سرقة علنية. فالضرائب في الدول التي تحترم حالها، يجب أن تتسم بالعدالة. فمن أقصى السريالية، أن تجد محتاجاً يدفع الضرائب في الوقت الذي يُعفى منها أصحاب الملايين، هذه حال الكثير من بلادنا. طبعاً، الضرائب مثل وحيد من عشرات الأمثلة، التي تقول للمواطن، أنك ابن هذا البلد وعليك أن تكون «وطنياً» وتضحي من أجله، لكن عليك أن تبقى أسير الحاجة في الوطن الذي عليك أن تحترمه وتضحي من أجله في الوقت الذي يذلك ويسقيك المرّ. الوطن ليس جغرافيا، إنه البشر الذين يشكلون مجتمع هذا الوطن. الأوطان التي فوق البشر هي مرتع الديكتاتوريات. أنا وأنت الوطن، البشر هم الوطن ومن دونهم لا معنى للحجارة.     * كاتب فلسطيني

مشاركة :