إعداد: إبراهيم باهو تشكل الآثار القديمة خاصة تلك التي تتميز بالهندسة الفريدة، والتقنيات المبدعة، والرسومات المبهرة، والأدوات الدقيقة إرثًا تاريخيًا وحضاريًا لأي دولة، ليس هذا فحسب، بل إن بعضًا من هذه القطع المكتشفة يشكل ألغازًا، وغموضًا، ولا يزال يحير العلماء، لذلك يُنسج حوله الكثير من الأساطير والتفسيرات الخيالية والعلمية، ربما يكون بعضها قريبًا من الحقيقية، وهنا الكثير من الأمثلة على هذه الاكتشافات الأثرية المميزة التي ربما تعيد كتابة تاريخ الكثير من الأمور.يعتبر قرص نيبرا سكاي، أو «Nebra sky disk» المصنوع من البرونز والذهب الذي يعود للعصر البرونزي في أوروبا بين (1600_2000 ق.م)، ويبلغ طوله نحو 30 سنتيمترًا، ويزن 2.2 كجم من الاكتشافات التي لا تزال تحير العلماء، إذ هناك من يعتبره أقدم تصور، أو خريطة معروفة للكون والأجرام السماوية، وقد اكتشف القرص من قبل اثنين من صيادي الكنوز، هما هنري ويستفال، وماريو رينير، بالقرب من بلدة نيبرا في ولاية «ساكسونيا نهالت» الألمانية، وأدرج في يونيو/حزيران 2013 ضمن برنامج «سجل ذاكرة العالم» التابع «لليونيسكو» باعتباره أحد أعظم الاكتشافات الأثرية في القرن العشرين.ومن أهم هذه الاكتشافات الأثرية المذهلة التي تشكل غموضاً بالنسبة للعلماء «بطارية بغداد» التي تعود قصتها للعام 938، عندما عثر عمال الحفر بإشراف العالم الألماني ويلهيلم كونيج آنذاك، على جرار من الطين الأصفر غريبة التكوين، يبلغ طولها نحو 15سنتيمترًا، وتوجد فيها أسطوانات من النحاس، وتضم قضبانًا من الحديد بين ركام مدينة «خوجة رابو» بالقرب من العاصمة العراقية بغداد. وبعد اكتشاف الجرار حرر كونيج في العام نفسه ورقة بحثية قال فيها إن البطارية تشبه في عملها «الخلية الجلفانية»، أو «الخلية الفولتية»، وهي بطارية اخترعها العالم الإيطالي لويجي جلفاني، واكتشفها مصادفة سنة 1786، وربما استخدمت في عملية الطلاء الكهربي لتحويل المواد الذهبية إلى فضية، وهذا يعني أنه في حال كانت النظرية صحيحة، فإنها ستمحو التاريخ المعروف لاكتشاف البطارية الحالي على يد العالم الفيزيائي الإيطالي ألساندرو فولتا، وبحسب كونيج يرجع تاريخ البطارية إلى (250 ق.م-224م)، أما «الأنتيكيثيرا» وهي الآلة الميكانيكية القديمة التي اخترعها الإغريق للحساب الفلكي، وانتشلت من حطام سفينة «الأنتيكيثيرا» بالقرب من جزيرة كريت في اليونان، فتعد من الآثار التي لا تزال تحير العلماء، وتعتبر «الأنتيكيثيرا» أول ساعة فلكية معقدة، حيث يعتقد أن اختراعها يعود إلى 100 إلى 150 ق.م، وهي مصنوعة بدقة بالغة لحساب الزمن، وتشير إلى مواقع النجوم، والكواكب، وأوقات حدوث الكسوف، والخسوف، بشكل دقيق، لذلك يرجح علماء الآثار أنها من أعقد الآلات الفلكية، وتعود قصة اكتشاف الآلة إلى العام 900 عندما انطلق قارب يوناني لصيد الإسفنج من جزيرة «سيمي»، ورست قبالة الساحل الشمالي لجزيرة «أنتيكيثيرا» الصغيرة النائية، تفادياً لعاصفة اجتاحته، وبعد أن هدأت العاصفة نزل غواص يدعى إلياس ستادياتوس، للبحث عن الإسفنج، فعثر على حطام سفينة غارقة في قاع البحر، فأذهله ما شاهده، إذ وجد تماثيل برونزية إغريقية ورومانية ومجوهرات، وقطعاً من البرونز، وأواني فخارية وأثاثًا، وكان من جملة الأشياء التي لم يؤبه لها كثيرًا صندوق خشبي بحجم كتاب تقريبًا، تَبَيَّنَ لدى فتحه أنه يحتوي على ترتيب معقد من مسننات برونزية، وأقراص مدرَّجة أحالها التآكلُ الشديدُ إلى كُتَلٍ مُشَوَّهة من معدنٍ أخضر، وعندما أُخْضِعَت المسننات إلى الأشعة السينية لمعرفة وظيفتها، تَبَيَّنَ أنها جهاز (يعرف اليوم بحاسوب أنتيكيثيرا)ذو آلية مُعَقَّدَة تشبه آلية عمل الساعة، وأثبت ديريك دي سولا برايس مؤرخ العلوم في جامعة ييل الأمريكية، أنه جهاز فلكي يُظهر حركات الشمس والقمر والكواكب المرئية، وكان اليونان يسمون هذا الجهاز «sphairopoiia»، أما اليوم فيُعرَف باسم «المبيان»، أو «المفلاك» وهو آلية تحاكي حركات الأجرام السماوية، وأظهر تحليل حديث أجراه ميكائيل رايت القيِّم على متحف العلوم في العاصمة البريطانية لندن، أن نظام المُسَنَّنَات في آلة «أنتيكيثيرا» يحاكي نظرية فلك التدوير للحركات الكوكبية المستمدة من أبلونيوس البرغاوي، الفلكي اليوناني.ومن الاكتشافات الأثرية المبهرة أيضاً، خريطة «بيري ريس» وهي خريطة قديمة للعالم اكتشفت سنة 1929م، أثناء عملية ترميم قصر «طوب قابي» أكبر قصور مدينة إسطنبول التركية ومركز إقامة سلاطين الدولة العثمانية لأربعة قرون من العام 1465م إلى العام 1856م، وتنسب إلى القبطان وراسم الخرائط العثماني بيري ريس الذي رسمها سنة 1513م على جلد غزال، وأظهر فيها بدقة الجهة الغربية من إفريقيا، والجهة الشرقية من أمريكا الجنوبية، ويعتقد بعض المعنيين أن ريس رسم الخريطة بالرجوع إلى خرائط يونانية قديمة، أو أخذها من البحارة البرتغاليين في عصره، وتعتبر بحسب الخبراء الخريطة الأكمل للعالم في ذلك الوقت، وقد أثارت الخريطة الكثير من التأويلات حول أصلها، ومضامينها، وحقيقتها، فهناك من زعم أنها من عمل مزور من القرن العشرين في سنوات الحرب العالمية، في حين جهد آخرون في محاولة إثبات استنباطاتهم حولها.«الكويبو»، وهي عبارة عن أجهزة تسجيل بيانات كانت مستخدمة في إمبراطورية «الإنكا» والمجتمعات التي سبقتها في منطقة جبال الأنديز في أمريكا الجنوبية، وتعد أيضاً من الآثار التي يحاك حولها عدد من القصص والروايات، وتتألف «الكويبو» عادة من عقد ملونة، ومنسوجة من خيط، أو خيوط من شعر حيوان «اللاما»، أو «الألبكة»، ويمكن أيضًا أن تكون مصنوعة من حبال القطن، وقد تكون الكويبو الواحدة مؤلفة من عقد قليلة، أو من عدد يصل إلى 2000 عقدة أحياناً، وتختلف مسافات مواضع الخيوط عن بعضها بعضاً، كما تختلف أنواع العقد وعدد الخيوط المعقودة ومسافتها، والألوان وغيرها من الشفرات التي عجز عن فكها الباحثون حتى اليوم، ويُعتقد أنها تحكي قصصًا وأساطير صانعيها وحضاراتهم.من جانب آخر فإن قناع «أجاممنون» ملك أسبرطة الذي قاد الحملة التي ذهبت إلى طروادة لاستعادة هيلين زوجة الملك مينلاوس التي هربت إلى طروادة مع «باريس» ابن الملك بريام وشقيق الأمير هيكتور، يعتبر من الاكتشافات التي دار حولها الكثير من القصص.اكتشف هذا القناع عالم الآثار الألماني هاينريش شليمان 1876 في موقع موكاني الأثري الذي يقع في اليونان ويبعد نحو 90 كلم جنوب غرب العاصمة أثينا، وعند اكتشافه اعتقد شليمان أنه دليل على حرب طروادة بين 1260-1180 قبل الميلاد، والتي وقعت بين الإخائيين الإغريق الذين حاصروا مدينة طروادة وأهلها ودامت عشر سنين، وتعد واحدة من أشهر الحروب في التاريخ، حيث خلدتها ملحمتا هوميروس الإلياذة والأوديسة، اللتان أوردتا بعض أحداث حرب طروادة، ففي الإلياذة رويت أحداث السنة التاسعة من الحرب، وهي سنة غضب آخيل، وفي الأوديسة حُكي الكثير من الأحداث السابقة للحرب إبان سرد حكاية عودة أوديسيوس ملك إيثاكا، وأحد القادة في حرب طروادة، لكن علماء الآثار، وبحسب دراسة جديدة، وجدوا أن القناع يعود لأكثر من 1500 عام قبل الميلاد أي قبل وقوع الحرب بأكثر من 200 إلى 300 عام.
مشاركة :