على الرغم من كثرة التحديات والعقبات التي واجهت مشوار مشاركتها في جائزة «تحدي القراءة العربي»، والمتمثلة في قيود الاحتلال التي تسيطر على حركة السفر والتنقل عبر المعابر، إضافة إلى صغر سنها، إلا أن الطالبة الفلسطينية، عفاف رائد الشريف، تمكنت من التفوق على سبعة ملايين مشارك من كل البلدان العربية. وبهذا الإنجاز تكمل عفاف أضلاع التميز الفلسطيني، الذي بدأته المعلمة حنان الرجوب، الحاصلة على جائزة أفضل معلم عربي في دبي، وكذلك جائزة «تحدي القراءة العربي» التي حازتها طالبات مدرسة طلائع الأمل في الضفة الغربية، إضافة إلى حصول المعلمة أمل الكحلوت من غزة على أفضل معلمة فيزيائية على صعيد العالمين الإسلامي والعربي في جائزة إيسيسكو للعلوم العام الماضي. وكانت الطالبة عفاف الشريف (17 عاماً)، من مدينة جنين شمال الضفة الغربية، التي تدرس الثانوية العامة في مدرسة بنات البيرة الثانوية الجديدة، قد تربعت على عرش مسابقة تحدي القراءة العربي، التي عقدت منتصف الشهر الماضي، لتتسلم جائزة المرتبة الأولى من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي. جهود مضاعفة «الإمارات اليوم» التقت الطالبة عفاف الشريف في منزلها بمدينة جنين، عقب عودتها من دولة الإمارات العربية المتحدة، راصدة أجواء الفرحة في منزلها ومدينتها، حيث كانت الابتسامة تعتلي وجوه والديها وأشقائها، الذين أبدوا فخرهم بإنجاز ابنتهم، مؤكدين على مواصلة تشجيعهم لها لتحقيق المزيد من إنجازات التميز والإبداع. فلسطين: أفضل مدرسة.. أفضل معلمة.. أفضل طالبة اعتبر وزير التربية والتعليم العالي الفلسطيني، صبري صيدم، فوز الطالبة الشريف في جائزة تحدي القراءة استمراراً لمسيرة الإنجازات المتلاحقة التي يحققها نظام التعليم الفلسطيني، في ما يصفه بانتصار محقق لقضية الشعب الفلسطيني في كل الأروقة الدولية. ويقول صيدم إن «فلسطين وضعت على خريطة المعرفة من جديد، لمزيد من الإنجازات بعد المدرسة الأولى، والمعلمة الأولى، واليوم الطالبة الفلسطينية الأولى، وهذا يعود إلى دور المعلمين ومديري المدارس والمشرفين والطلبة، وفي مقدمة كل ذلك الشراكة مع أولياء الأمور، ودعمهم المستمر لمسيرة التطوير في قطاع التعليم». ويضيف أن «فوز الطالبة عفاف يسجل لمصلحة أطفال فلسطين، وعملهم الدؤوب، ومثابرتهم ليكونوا في مقدمة أطفال العالم». وأثنى وزير التربية والتعليم العالي الفلسطيني على جائزة تحدي القراءة العربي، إحدى مبادرات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، التي تهدف إلى تنمية الوعي العام بواقع القراءة، والارتقاء بالطلبة العرب، وصولاً إلى موقع متقدم عالمياً، إلى جانب تعزيز الحس الوطني والقومي. تقول الطالبة عفاف: «منذ اللحظة الأولى لترشحي للمشاركة في جائرة مسابقة تحدي القراءة عقدت العزم على المنافسة بقوة حتى الوصول إلى النهاية، فالمسابقة منذ بدايتها كانت شديدة وصعبة للغاية، وفي كل مرحلة جديدة أنتقل إليها من مراحل التتويج أقدم أفضل ما عندي، خصوصاً أنني بلغت المرحلة النهائية أنا وخمسة طلاب عرب، فكان لابد من تكثيف الجهود». وتضيف: «قرأت في حياتي أكثر من 60 كتاباً في مختلف المجالات العلمية والدينية والسير الذاتية والثقافات، وخصصت منها مجموعة للمسابقة، مع الحرص على التنوع في المجالات، وهي النقطة الأساسية لمصلحة الطالب في المسابقة». وتشير عفاف إلى أن «الجائزة تشترط قراءة كل مشارك 50 كتابا، ويلخصها، ويذكر عنوان الكتاب ودار النشر والمؤلف وعدد صفحات الكتاب، وبعد ذلك الوصول إلى التصفية، ليخضع المشارك لأسئلة عدة من قبل اللجنة، لافتة إلى أن من أبرز شروط الجائزة أن تكون لغة الخطاب عالية عند المشاركين والمشاركات». وتؤكد الشريف أن مسابقة تحدي القراءة العربي كانت نقطة تحول في حياتها، مضيفة أن «الجائزة كانت تجربة فريدة من نوعها، فقد زادت ثقتي بنفسي، وطورت من قدراتي، وصقلت شخصيتي، وبفضلها تعرفت إلى طلاب من دول عربية مجاورة، وزادت من ثروتي اللغوية، ووسعت مداركي». وتتابع صاحبة المرتبة الأولى في جائزة تحدي القراءة قولها، إن «القراءة جعلتني أدرك الحياة بشكل أعمق، وأتعامل مع المشكلات التي تواجهني بحكمة وذكاء، فهي بالنسبة لي بمثابة المجداف والكتاب القارب الذي أبحر به في بحر العلم الذي لا ينضب أبداً، إذ نهلت من المعارف، وتجولت بين عوالم المعرفة». وتمهيداً لمشاركتها في التصفيات النهائية لجائزة تحدي القراءة العربي في دبي، حصلت الطالبة الشريف على المرتبة الأولى في ثلاث مسابقات منفصلة، أجريت على صعيد مدارس الثانوية في كل المحافظات الفلسطينية. وتقول الطالبة عفاف: «عرفت عن المسابقة عن طريق وسائل الإعلام، وسجلت فيها عن طريق المدرسة، وقد أجريت مسابقات واختبارات داخل المدرسة لاختيار الطالبات اللواتي خضعن بعد ذلك لتصفية على مستوى المديرية، وفي النهاية يتأهل 10 أوائل على مستوى فلسطين، وصاحب المركز الأول هو الذي يصل للتصفيات النهائية في دبي». وتضيف أنها «فازت على مستوى مدرستها ضمن ثلاث مشاركات، ثم الفوز على مستوى المديرية، وكانت من بين خمس طالبات، بعدها كان السباق على المركز الأول بين 10 طلبة وطالبات على مستوى الوطن، للوصول إلى التصفيات النهائية في دبي، وفازت به». مداواة جراح المجتمع تطمح الطالبة عفاف، التي هي حالياً في سنة الثانوية العامة، لدراسة الطب لخدمة وطنها، ومداواة جراح مجتمعها. وتقول عفاف الطالبة في الثانوية العامة، الفرع العلمي، إن «نجاحي في جائزة تحدي القراءة العربي جزء من الكل الذي أريد إهداءه إلى فلسطين، إذ أطمح خلال العام الدراسي الحالي لأن أكون من بين الـ10 الأوائل في امتحانات الثانوية لعامة على صعيد الوطن، وذلك لألتحق بدراسة الطب، فدراستي هذا التخصص هي غاية إنسانية بالدرجة الأولى، لأتمكن من مساعدة الناس ومعالجتهم، ومداواة جراحهم». وعقب حصولها على المرتبة الأولى في جائزة تحدي القراءة، منحت جامعة القدس في الضفة الغربية الطالبة عفاف الشريف منحة كاملة لدراسة الطب «وقوفاً عند رغبتها، وتكريماً لتميزها وإبداعها، وكذلك لمساعدتها في تحقيق طموحها في علاج أوجاع أفراد مجتمعها»، وذلك بحسب رئيس جامعة القدس، عماد أبوكشك. قارئة منذ الطفولة كانت الطالبة عفاف قد بدأت القراءة في سن صغيرة، وبدأت بقراءة القصص البسيطة والصغيرة، التي أثّرت فيها بشكل كبير، ولم تقتصر مطالعتها على قصص الأطفال الصغيرة، فتنوعت ما بين الكتب الدينية والأدبية والعلمية والتاريخية، والسير الذاتية للشخصيات العالمية. وتعيد عفاف فضل تعلقها بالقراءة إلى والدتها، التي كانت تقرأ لها القصص أثناء صغرها، وتتابعها في كبرها بالإجابة عن كل التساؤلات التي كانت تواجهها أثناء قراءتها، وتوجيهها للكتب والموضوعات، وشراء الكتب لها، ومرافقتها إلى معارض الكتب والمكتبات العامة. وتحرص الشريف على مطالعتها وقراءتها للكتب، وتنظيم وقتها طوال السنة الدراسية، حتى في أيام العطل المدرسية، منذ صغرها، بدعم وتشجيع والديها. وتقول والدة الطالبة عفاف: «ابنتي طالبة مجتهدة ومجدة في دراستها وحياتها، ولديها تصميم ومثابرة لا متناهية في تعلم كل شيء، وطاقة مضاعفة في قراءة ومطالعة أي كتاب خارج المنهاج الدراسي». وتضيف: «كنت واثقة بقدرات ابنتي، وتوقعت حصولها على المرتبة الأولى في الجائزة، فهي ذات قدرات عالية، وطاقة مجهودها لا نهاية لها، وقد استحقت الفوز بكل جدارة». وتفخر والدة الطالبة عفاف بابنتها، وقوة شخصيتها خلال السباق، وثقتها بنفسها خلال حوارها ونقاشها أمام الجمهور ووسائل الإعلام، وفوزها بالمركز الأول على مستوى الوطن العربي.
مشاركة :