قالت منظمة «هيومن رايتس ووتش» الدولية، أمس الخميس: إن قانون مكافحة الإرهاب الجديد في السعودية يتضمن تعاريف غامضة وفضفاضة للأفعال الإرهابية، ويعاقب عليها في بعض الحالات بالإعدام. وغيرت السعودية مؤخراً قانون مكافحة الإرهاب الذي صدر في عام 2014؛ حيث أضافت له تعاريف لأفعال إرهابية محددة ومبادئ توجيهية تتصل بالحكم عليها. ويشمل القانون عقوبات جنائية مثل السجن بين 5 إلى 10 سنوات لوصف الملك أو ولي العهد «بأي وصف يطعن بالدين أو العدالة» بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ويجرّم مجموعة واسعة من الأعمال السلمية التي لا علاقة لها بالإرهاب.قالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في «هيومن رايتس ووتش»: «تقوم السلطات السعودية أصلاً بإسكات المنتقدين السلميين واحتجازهم بتهم زائفة. وبدلاً من تحسين التشريعات المسيئة، تزيدها السلطات السعودية سوءاً مع الاقتراح الهزلي بأن انتقاد ولي العهد هو عمل إرهابي». وينص «قانون جرائم الإرهاب وتمويله»، المنشور في 1 نوفمبر 2017، على سحب صلاحيات واسعة من وزارة الداخلية، التي أعادت السلطات السعودية تنظيمها في عام 2017 ونقلها إلى النيابة العامة -المنشأة حديثاً- ورئاسة أمن الدولة، وهما هيئتان تقدمان تقاريرهما مباشرة إلى الملك. وتقول المنظمة إن «القانون الجديد يتضمن تعريفاً فضفاضاً للإرهاب على غرار القانون السابق؛ لكنه يتضمن أيضاً -خلافاً للسابق- إشارة محددة إلى العنف على أنه إيذاء أي شخص أو التسبب في موته، عندما يكون الغرض -بطبيعته أو سياقه- هو ترويع الناس أو إرغام حكومة أو منظمة دولية على القيام بأي عمل أو الامتناع عن القيام به». وتضيف: «غير أن القانون الجديد لا يقصر تعريف الإرهاب على أعمال العنف؛ إذ تشمل قائمة الأفعال التي يعرّفها باعتبارها إرهاباً: الإخلال بالنظام العام، أو زعزعة أمن المجتمع واستقرار الدولة، أو تعريض وحدتها الوطنية للخطر أو تعطيل النظام الأساسي للحكم»، معتبرة أنها «كلها عبارات غامضة استخدمتها السلطات السعودية سابقاً لمعاقبة المعارضين والناشطين السلميين». ويشار إلى أن الناشطين الحقوقيين البارزين عبدالله الحميد ومحمد القحطاني صدرت بحقهما أحكام بالسجن لمدة 11 عاماً و10 أعوام على التوالي؛ لاتهامات تحتوي عبارات مماثلة، كما يُحاكم الناشط الحقوقي عصام كوشك حالياً بتهم مماثلة. وفي مايو الماضي، عبّر المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب عقب زيارته إلى السعودية، عن قلقه «بشأن التعريف الواسع وغير المقبول للإرهاب، واستخدام السعودية لقانون مكافحة الإرهاب لعام 2014، وغيره من أحكام الأمن الوطني، ضد الناشطين الحقوقيين والكتّاب والمدونين والصحافيين وغيرهم من المنتقدين السلميين». وقالت «هيومن رايتس ووتش» إنه نظراً للتعريف المبهم للقانون الجديد للإرهاب، والذي قد يسمح للسلطات بمواصلة استهداف الانتقادات السلمية، هناك أحكام أخرى في القانون تثير الشكوك؛ حيث تنص المادة (34) مثلاً على عقوبة السجن لمدة 3 إلى 8 سنوات لكل من يؤيد أي فكر إرهابي أو تعاطف معه أو روّج له. كذلك تنص المادة (35) على عقوبة لا تقل عن 15 سنة لكل من «استغل سلطته أو صفته الأكاديمية أو الاجتماعية أو الإعلامية للترويج للإرهاب». وأضافت المنظمة أن القانون الجديد يقوّض الإجراءات القانونية الواجبة وحقوق المحاكمة العادلة، بدلاً من تعديل القانون لتعزيز دور القضاء، ويمنح القانون النيابة العامة ورئاسة أمن الدولة السلطة القانونية لإلقاء القبض على الأشخاص واحتجازهم وتتبع اتصالاتهم وبياناتهم المالية وتفتيش ممتلكاتهم والحجز على أصولهم دون رقابة قضائية، كما يمكن لرئاسة أمن الدولة منع المشتبه فيه من السفر دون إبلاغه، بالإضافة إلى أنه يخوّل لضباط الشرطة والأفراد العسكريين استخدام القوة «وفقاً للضوابط المنصوص عليها نظاماً»، التي لم يرد ذكرها في أية لوائح إضافية بالقانون. تكرار للانتهاكات وسردت المنظمة تكرار القانون الجديد لانتهاكات كانت موجودة في «قانون 2014»، منها أولاً: تسمح المادة (19) من القانون الجديد للنيابة العامة باحتجاز المشتبه فيه رهن التحقيق مدة تصل إلى 12 شهراً، مع تمديد غير محدود بأمر من المحكمة. ثانياً: تسمح المادة (20) باحتجاز المشتبه فيه مدة تصل إلى 90 يوماً في معزل عن العالم الخارجي؛ حيث يكون التعذيب وسوء المعاملة شائعين بشدة، وفقاً للمقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب. وسبق أن قدمت «هيومن رايتس»، في أبرايل 2016، مذكرة إلى «لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب»، سلّطت الضوء فيها على 7 حالات ادعى فيها المحتجزون الذين حوكموا أمام المحكمة الجنائية المختصة أن الاعترافات انتُزعت منهم عبر التعذيب. تستكمل المنظمة: «ثالثاً: تقيد المادة (21) حق المشتبه فيه بالاستعانة بمحامٍ أثناء الاستجواب. رابعاً: تنص المادة (27) على حق المحكمة العليا في الاستماع إلى الشهود والخبراء من دون حضور المدعى عليه أو محاميه، وعليها فقط إبلاغهما بمضمون الشهادة؛ مما يعيق إلى حد كبير حقهما في الطعن في هذه الأدلة». وتتابع «رايتس ووتش»: «خامساً: ينص القانون، الذي يتضمن 27 مادة بشأن العقوبات، على عقوبة الإعدام لثلاثة أفعال. سادساً: تنص المادتان (40) و(41) على أنه يجوز للمحكمة أن تصدر حكماً بالإعدام على كل من خطف شخصاً أو احتجزه أو حبسه أو هدد بأي من تلك الأفعال تنفيذاً لجريمة إرهابية، وعلى كل من اختطف أية وسيلة من وسائل النقل العام أو هدد بأي من تلك الأفعال، تنفيذاً لجريمة إرهابية، وأينما يقترن أي إجراء من هذا القبيل باستخدام أو الإعلان عن استخدام أسلحة أو متفجرات». ورأت ويتسن أن محمد بن سلمان «يدعي أنه إصلاحي، لكنه يحتجز المنتقدين السلميين باعتبارهم إرهابيين بالاستبداد القديم نفسه الذي رأيناه كثيراً بين الحكام السعوديين». زنزانة للحالمين بالحرية وكانت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية قالت إن الاعتقالات بحق المعارضين في السعودية تشير إلى أن المملكة ما زال يسيطر عليها أنماط التفكير القديم، ولم تصبح بعد المجتمع الحديث الذي وعد به ولي العهد الجديد محمد بن سلمان. وأضافت الصحيفة في تقرير لها الشهر الماضي أنه رغم الكلام المنمق عن إعلان ولي العهد لـ «رؤية 2030»، بات محمد بن سلمان يشبه بشكل متزايد جيلاً سابقاً من القادة، مضيفةً أن السعودية كانت -ويبدو أنها مصممة على أن تظل- «زنزانة لمن يريدون ممارسة حرية التعبير». أشارت إلى أن أحدث دليل على ذلك الحملة القمعية واسعة النطاق على رجال الدين المؤثرين والناشطين والصحافيين والكتّاب الذين سُجنوا دون تفسير علني. ولفتت الصحيفة إلى أن بياناً صدر في 12 سبتمبر الماضي، عن الجهاز الأمني الجديد للحكومة الذي أنشأه الملك سلمان بن عبد العزيز في يوليو، ألمح إلى أن الاعتقالات جاءت بسبب «أطراف أجنبية» كانت تحاول «الإضرار بأمن المملكة ومصالحها ومنهجيتها وقدراتها وسلامها الاجتماعي، من أجل إثارة الفتنة والإضرار بالوحدة الوطنية، وأن هذه الأطراف تم تحييدها». واعتبرت الصحيفة أن هذه «اللغة الغامضة تخفي حقيقة أن العديد من المعتقلين كانوا يعبّرون صراحةً عن رأيهم عبر الإنترنت، وليسوا عملاء سريين يتآمرون ضد المملكة». وأشارت إلى أن العدد الحقيقي للمعتقلين غير معروف، لكن بعض التقارير تتحدث عن العشرات. ووفقاً لرويترز، فقد تضمنت عمليات الاعتقال ثلاثة رجال دين خارج المؤسسة الدينية الرسمية، لكن لديهم متابعون كثيرون عبر الإنترنت، هم: سلمان العودة، وعوض القرني، وعلي العمري. ولفتت الصحيفة إلى أن هؤلاء انتقدوا الحكومة في السابق، لكنهم التزموا الهدوء في الآونة الأخيرة أو امتنعوا عن دعم السياسات السعودية علناً، بما في ذلك الحصار المفروض على دولة قطر. وذكرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن السلطات السعودية سجنت سلمان العودة في الفترة من 1994 إلى 1999. ومنذ عام 2011، «دعا العدوة إلى مزيد من الديمقراطية والتسامح الاجتماعي». أما القرني، الذي لديه أكثر من مليوني متابع على تويتر، فقد مُنع من التغريد من قِبل محكمة في مارس أدانته بتهمة تهديد النظام العام.;
مشاركة :