هاني أبوأسعد يخوض مغامرة جديدة نحو العالمية في الجبل بينناأعاد اختيار فيلم “الجبل بيننا” للمخرج الفلسطيني الهولندي هاني أبوأسعد في حفل افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في نسخته الـ39، الفخامة للمهرجان الذي أخفق كثيرا في اختيار أفلام جيدة خلال الدورتين الماضيتين، وكان ذلك مثار انتقاد لاذع من قبل النقاد ووسائل الإعلام.العرب سارة محمد [نُشر في 2017/11/24، العدد: 10822، ص(16)]حب ضد العنصرية القاهرة – رغم أن إدارة الدورة الـ39 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي لم توفق في عرض فيلم “الجبل بيننا” للمخرج الفلسطيني الهولندي هاني أبوأسعد ليلة الافتتاح، مساء الثلاثاء، بسبب مشكلة في نسخة العرض، إلاّ أنها احتفت بالفيلم ومخرجه في عرض خاص ضمن أول أيام فعاليات المهرجان. وقدّمت الفنانة يسرا، الرئيس الشرفي للمهرجان، اعتذارها للمخرج قبل عرض الفيلم، وتحدث الفنان حسين فهمي، رئيس لجنة التحكيم الدولية، عن فخره بوجود هاني أبوأسعد بفيلمه في الدورة الحالية، مؤكدا قيمة المخرج واجتهاده في العمل بهوليوود التي تحيطها صعوبات كثيرة من واقع تجربة شخصية له على مدار أربع سنوات. رحلة طيران الحقيقة أن موقف كل من يسرا وحسين فهمي أضاف نقطة إيجابية لدورة المهرجان الحالية، والتي لم تكن تهتم بتقديم اعتذار لمخرج تعطل عرض فيلمه لمشاكل في نسخة العرض، بالإضافة إلى الاهتمام بالحضور الفني لعدد من الفنانين ليشاركوا في متابعة الفيلم مثل الفنانة إلهام شاهين وسمير صبري وياسمين رئيس وغيرهم من المهتمين بصناعة السينما. ويبدو أن المخرج هاني أبوأسعد يتمتع بقدر كبير من الاهتمام لدى الجمهور المصري، خصوصا من فئة طلاّب المعاهد والأكاديميات المتخصّصة في صناعة السينما، وشهد العرض الخاص للفيلم حضورا كبيرا لهؤلاء الذين ثار بعضهم من أجل الدخول مع الازدحام الكبير الذي شهدته قاعة العرض، حتى أن بعضهم قال “مينفعش (يصعب) يكون في فيلم للمخرج هاني أبوأسعد ومنحضرش (لا نحضر)”.بعيدا عن القضية الفلسطينية قريبا من الانشغالات الهوليوودية الجانب المهم الذي يتوقف عنده مشاهد فيلم “الجبل بيننا” للمخرج هاني أبوأسعد هو خروجه من التغلغل داخل القضية الفلسطينية، والبحث عن مسار آخر أفصح عن الكثير من موهبته كمخرج فلسطيني أضفى لمسة عربية على فيلم بنكهة أميركية خالصة. والفيلم الذي عرض في حفل افتتاح فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الـ39 نجح في إضافة الكثير من نقاط النجاح والتميز للمخرجين العرب الذين استطاعوا وضع بصماتهم الواضحة في هوليوود. صحيح أن المخرج الفلسطيني خاض تجربة العالمية من قبل من خلال وصول فيلميه “الجنة الآن” و”عمر” إلى ترشيحات الأوسكار، وحصول الأول على جائزة “غولدن غلوب” لأفضل فيلم أجنبي عام 2006، لكن بصمته في هذا العمل تختلف عن تجاربه السابقة نحو العالمية. الجمع بين فكرتي التمسّك بالبقاء في الحياة والحب الذي يولد بين شخصين لكل منهما حياته الخاصة ليس أمرا سهلا، تلك المعادلة الصعبة التي خاضها أبوأسعد في فيلمه الذي كان وراء عنوانه “الجبل بيننا” الكثير من الدلالات والمعاني شديدة الخصوصية والتي تظهر مع كل مشهد في العمل. رحلة طيران تجمع بين “ألكس” الصحافية التي تلعب دورها الفنانة كيت وينسلت، وبين الجرّاح “بن” الذي يقدّم دوره الممثل البريطاني إدريس إلبا، هذه الرحلة التي جعلتهما يستقلّان طائرة خاصة بعد تعثّرهما في الحصول على تذكرتين مع شركة الطيران، وهنا تبدأ المفاجأة مع حدوث شلل مفاجئ لقائد الطائرة ليختلّ توازنها وترتطم بالجبل وتتحطم. تبدأ رحلة بطلي العمل ويتغيّر مسار حياتهما كاملا ويخوضان مغامرة الحب والبقاء على قيد الحياة وسط صحراء جليدية، لا يجمعهما فيها سوى الكلب الذي بقي معهم بعد تحطم الطائرة عقب رحيل صاحبه قائد الطائرة. يتفوق أبوأسعد مع مدير التصوير ماندي والكر في صناعة مشهد شديد الخصوصية خلال تحطم الطائرة، ويحقّق المعايشة الكاملة للمُشاهد مع أبطاله لمدة خمس دقائق، تبدأ بتوقف وتلعثم قائد الطائرة عن الكلام والحركة وينهض البطلان من مقعديهما بعد شعورهما بهزة وحركة غريبة ويحاولان إنقاذ القائد وتحريك أجهزة الطائرة، لكنهما يفشلان ويعودان بسرعة لمقعديهما باتجاه خلفي ويربطان أحزمة الأمان إلى أن ترتطم الطائرة سريعا في الاتجاه نحو الجبل. هنا تبدو براعة المخرج الذي استخدم “سيميليتور” خاص بتحريك الطائرة بحركات نحو اليسار واليمين مع اهتزازها وقفزها إلى أعلى وأسفل، حتى يحقق المعايشة الكاملة للمُشاهد الذي يستشعر الخطر بجسده هو أيضا خلال متابعته للحدث، يضاف إلى ذلك عدم الاستعانة بـ”دوبلير” كبديل عن الأبطال خلال تصوير المشهد، كما أوضح مخرج الفيلم، لتبدو حركة الأجساد طبيعية وشديدة التلقائية على الشاشة.الجانب المهم الذي يتوقف عنده مشاهد الفيلم هو خروجه من التغلغل داخل القضية الفلسطينية والبحث عن مسار آخر مشاهد فارقة يستمر تفوق المخرج أبوأسعد طوال أحداث الفيلم التي رصد فيها الطبيعية الجليدية الخلابة بتدرجات صخورها الملوّنة المغطاة بالثلوج البيضاء مع حركة الكاميرا الواسعة التي ترصد في حركة دائرية طبيعة المكان، وتكشف مدى المخاوف التي تحيط بأبطالها وسط وجودهم في هذا المكان الذي يخلو من العناصر البشرية، ما يدلل على صعوبة الرحلة وتحقيق فرصة التخيّل والتهيؤ لخيال المشاهد نحو هذه المغامرة. ومع حركة الكاميرا الواسعة رصد أبوأسعد خصوصية هذه الطبيعة الثلجية التي قد يظهر بها بعض الحيوانات، كما بدا في مطاردة الأسد لـ”ألكس” أو كيت وينسلت، أو ثنايا الأشجار وصغائرها التي تنمو على سطوح هذه الصخور الجبلية المحاطة بالثلوج، علاوة على التعمّق بصورة أكبر نحو هذه الطبيعة من خلال مشهد سقوط بطلة العمل في بركة مائية، خاصة أنها فقدت بعدها حركتها المتزنة بسبب الكسر الذي أصاب أحد رجليها عقب تحطم الطائرة. وتحمل الكادرات السينمائية نغما موسيقيّا بين حين وآخر لا تنتهي في هذا الفيلم، وهي لقطات صاحبتها موسيقى رامين جوادي عبّرت عن لحظات الخوف والحب والمغامرة بشكل يحمل قدرا لافتا من معايشة الجمهور، وتبقى نغمة المشهد عالقة وحاضرة بذهنه. هذا بخلاف التركيز على وجوه الأبطال من خلال كادرات “زووم إن” في بعض اللقطات التي لا تتعدى الثانية الزمنية، وتجعل المُشاهد يعيش مغامرات أخرى مع أبطاله الذي يستشعر من وقت لآخر أن أحدهما قد فارق الحياة لحركة وجهه وجسده الجامدة، مع تأكيد الطبيب “بن” في حديثه عن كونه سيفارق الحياة في هذا المكان.الكلب.. شاهد عيان على العاطفة التي جمعت البطلين لعبت الرمزية في أحداث “الجبل بيننا” دورا كبيرا على مستوى اختيار المكان الهادئ الذي تفرض طبيعة مخاطره إنقاذ بطله لشريكته الصحافية أكثر من مرّة، وهنا تتولّد المشاعر بين الاثنين، على الرغم من تعجّل كيت وينسلت “أليكس” استقلال طائرة خاصة من أجل اللحاق بموعد الزفاف من رجل آخر، مع كل الآلام التي يخفيها إدريس إلبا أو الطبيب “بن” بداخله بعد رحيل زوجته التي كانت قد أصيبت بورم في المخ. ولعل هذه الرحلة كانت بمثابة مراجعة لمشاعر كل منهما، أحدهما فقد الإقبال على الحياة بعد فراق شريكته وأخرى أطالت الحديث عن خطيبها الذي تتألم من عدم التواصل معه وإخباره بأنها تحبه بعد أن أطيح بموعد زفافها لتنشأ علاقة رومانسية متصاعدة، يحاول كلاهما إخفاء مشاعره فيها نحو الآخر حتى بعد نجاتهما ومضيّ كل منهما في طريقه وحياته الخاصة إلى أن يقرّرا في نهاية الأحداث التمسّك بحبهما. وتستكمل هذه الرمزية في الأحداث بوجود الكلب الذي خلّفه قائد الطائرة، وكان معبّرا بحركات وجهه عن مصاعب الرحلة وشاهدا على ميلاد قصة الحب بين بطليه بنظرات عينيه شديدة الوضوح، هذا الكلب الذي تمّ تدريبه على يد اثنين من المدربين وكان له بديل خاص في تأدية بعض المشاهد بعكس الأبطال. والشيء المميّز في هذه العلاقة العاطفية التي جاءت بمحض الصدفة، هو التغلّب على فكرة العنصرية من خلال الحب الذي يجمع بين فتاة شقراء ورجل أسمر، وهي الثيمة التي بدأت صناعة السينما في هوليوود التركيز عليها في السنوات الأخيرة.
مشاركة :