التوعية وإنشاء المراكز للتخفيف من أثر البروباغندا الجهادية لن يكون ناجعا في الحيلولة دون الانضمام إلى تنظيمات إرهابية إن لم يجرِ تدعيمه بمعالجة الأسباب كالجهل والفقر.العرب هوازن خداج [نُشر في 2017/11/24، العدد: 10822، ص(13)]ملصق توعوي لمركز اعتدال لمكافحة التطرف فرض الإرهاب والحرب ضده جملة من التداعيات والمتغيّرات السياسية والاقتصادية والقانونية وغيرها طالت معظم دول العالم، ووضعت المجتمعات الإنسانية أمام مرحلة جديدة لها خصوصيتها وطريقة إدارتها التي تتجه نحو التشدد الأمني وتغيير النظم القانونية بغية التصدي لتهديدات الإرهاب، ومكافحة هذا العدو الذي تحوّل إلى هاجس كبير حمل معه العديد من الملفات الشائكة التي لا تتعلق فقط بالحدّ من العمليات الإرهابية أو ملاحقة الإرهابيين الفارّين من مناطق الصراع، إنما أضحى مبررا للعدوان باسم الدفاع عن النفس ومطاردة العرب والمسلمين بدعوى مكافحة الإرهاب. الصبغة الدينية الإسلامية “السنية” للجماعات الإرهابية جعلت الدول العربية والإسلامية المتضرر الأكبر، ورغم أن الأعمال الإرهابية ليست من تخطيط الأنظمة السنية الحاكمة ولم تكن لخدمتها، فالنظرة السلبية للعرب والمسلمين كهوية قومية وثقافية والتي اتخذت أبعادها في مراحل تاريخية معينة من خلال توصيف الإنسان العربي إعلاميا بالإنسان المتخلّف الذي يعيش بالصحراء رغم ثروات بلاده، جرى تركيزها مع إضافة البعد الديني والهوية الدينية الإسلامية لتتجاوز النظرة السلبية العرب وتطال عموم العالم الإسلامي باعتباره مصدر الخطر القادم على الغرب، وتتعزز مع ظهور الجماعات الإرهابية كالقاعدة وبوكو حرام وداعش التي أعطت زخما للتطرف الديني السياسي، وأجّجت مشاعر الرفض للإسلام، ووضعت المسلمين في موضع الاتهام بالإرهاب في كافة دول العالم، لكنها بالمقابل أعطت توصيفاً للتطرف العنفي والإرهاب، وأثبتت النتائج العكسية للحرب على الإرهاب كونها تؤدي في معظم الأحيان إلى ترسيخ إيمان الأفراد في الجماعة التي يتبعونها وتزيد التحشيد الديني، ناهيك عن استغلال هذه الحرب من قبل الغرب كذريعة لاحتلال دول والتدخل في شؤون دول أخرى واختراق السيادة الوطنية الهشّة أساسا كما في العديد من بلدان الربيع، واستخدامها من قبل الأنظمة الاستبدادية لتبرير قمع المجتمع ككل وليس الإرهابيين فقط.مبادرة الملك سلمان بن عبدالعزيز في تنقيح الأحاديث النبوية من النصوص المتطرفة بداية التوجه نحو الطريق الصحيح الحرب على الإرهاب التي اتخذت كوسيلة دفاعية أولى بدل فتح آفاق الحوار والتنسيق الدولي الشامل للحدّ من انتشارها وآثارها السلبية الكبيرة، والإجماع على أن خطر التنظيمات المتطرفة لا يتوقف على إمكاناتها المادية وقدرتها على التدمير، وإنما يصل إلى آليات تجنيد الأتباع وتبرير ممارساتها الدموية، إضافة إلى تنوع زوايا النظر إلى الإرهاب كظاهرة عدوانية متطرّفة واختلاف تفسير أسبابه من الديني والسياسي، إلى الحضاري والثقافي والنفسي، جعلت منه قضية فكرية قبل أن يكون قضية أمنية، ودفعت باتجاه تحديد ملامح التفاعل بين الدول للحدّ من هذه الظاهرة التي تختفي معها خطوط المواجهة وتتغير منهجياتها، والتوجه نحو التنسيق الفكري إضافة للتنسيق الحربي والأمني الاستخباراتي للوصول إلى سبل مكافحتها عبر طرق أكثر نجاعة من استخدام العنف المضاد أو الاندفاع نحو إدانة مجموعات عرقية أو دينية معينة بحجة مكافحة الإرهاب، والذي تجلّى في العمل المستمر والكثيف نحو إقامة مؤتمرات وورشات عمل وحملات مناهضة للإرهاب، بحيث لم تبقَ دولة أو مؤسسة دينية في العالم العربي والإسلامي إلاّ وأخذت على عاتقها مهمة مكافحته من خلال نشر برامج مضادة حول الهوية والإسلام والجهاد والعدو، وقد جرى دعمها ببناء مراكز لمكافحة الإرهاب والتطرّف كمركز “صواب” في الإمارات ومركز “اعتدال” الذي تأسّس حديثا في السعودية، لرصد وتحليل الخطاب المتطرف الذي شهد ازديادا كبيرا في الآونة الأخيرة مع تنامي الإعلام الإلكتروني للتنظيمات المسلحة وتيارات الإسلام السياسي والجماعات الطائفية. وجميع المراكز لها دورها الفعّال في التوعية لمنع ظهور أجيال جديدة من الإرهابيين خصوصا أن هذه التوعية تواكبت مع ممارسات التنظيمات الإرهابية العنفية التي لا يمكن قبولها بالمنطق الإنساني البشري ناهيك عن الديني الأخلاقي. العمل على التوعية وإنشاء المراكز للتخفيف من أثر البروباغندا الجهادية في الشرق الأوسط والعالم، بقدر ما هو خطوة جيدة، لن يكون ناجعا في الحيلولة دون الانضمام إلى تنظيمات إرهابية أو دفع أفرادها للانسحاب إن لم يجرِ تدعيمه بمعالجة الأسباب التي تقف خلف بروز هذه الظاهرة كالجهل والفقر وتجاوزات الأجهزة الأمنية لكرامات الناس وحرياتهم. فتحصين المجتمعات ضد الفكر المتطرف يجب أن يستند إلى اعتماد استراتيجية شاملة بدءا من التثقيف القانوني والحقوقي إلى إصلاح المناهج التعليمية واستبدالها بمناهج جديدة قـادرة على إنتـاج عقـول تفكّـر وتنتقد وتجتـرح الحلول، وصولا إلى الحدّ من الخطاب المذهبي الطائفي بين “السنة والشيعة” الذي جرى استغلاله من قبل الغرب واستخدم من قبل داعش لتجنيد المحاربين كما تستخدمه إيران للتمدد بحجة محاربة التكفير “السني”، والذي أسفر عن توسيع الهوّة بين أتباع المذهبين، رغم أن الفارق بينهما تاريخياً وليس دينياً. ولكي يكون عمل مراكز مكافحة التطرّف أو الإرهاب ذا أهمية كبيرة في درء السلوك المتطرّف وفك الارتباط بين الأفراد وجماعات العنف، يتطلب البحث في الأسباب الكامنة في الدين نفسه، والعمل على رفض التلاعب بالمفاهيم الدينية الإسلامية والغلوّ بالدين، إذ لا يجوز تجاهل العلاقة بين الإرهاب والدين حتى لو أثار ذلك حساسيات مرتبطة بجذور الدين الإسلامي أو أثار حفيظة المتشددين، فتجاهل أن انتشار الفكر التكفيري الديني قائم على أحاديث نبوية ونصوص دينية جرى تشويه مدلولاتها الحقيقية لتغدو طروحات عُنفية تستبيح قتل كل من يختلف معها دينيا أو مذهبيا أو فقهيا، وعدم التركيز على حرمة الدم والعرض والمال للجميع، يجعل جهود مكافحة التطرف سطحية وغير قادرة على إنهاء التطرّف. وقد تكون مبادرة الملك سلمان بن عبدالعزيز في تنقيح الأحاديث النبوية من النصوص المتطرّفة التي تبرر ارتكاب الجرائم والقتل بداية التوجه نحو الطريق الصحيح في الحدّ من التطرّف، لكن القضاء عليه يتطلب إعادة بناء الفكر الإسلامي والوعي الشعبي العام على أسس حديثة، وإعادة قراءة الإسلام وتاريخه استنادا إلى الحاضر وضروراته، والتي تفرض مهمات أساسية وصعبة ليس على حملات التوعية ومراكز مكافحة التطرف إنما على كافة الهيئات الدينية والتربوية وغيرها. الخطوات الصغيرة في طريق طويلة وشاقة لمكافحة الفكر المتطرّف لن تعطي نتائجها الحقيقية دون غرس بذور فكر إنساني يقدّم الحلول في سياق عقلاني مقبول ويعطي تصوّرا أفضل حول الدولة وطبيعتها وعلاقتها بمواطنيها ودورها في قضايا التنمية وكيفية معالجتها، وحول الحقوق والحريات الشخصية والعدالة الاجتماعية للجميع، فهو الأساس لمواجهة المشكلات المطروحة ولهدم الأساس الذي نشأ عنه هذا الفكر المتطرّف القادر على إعادة إنتاج نفسه بطريقة أخرى قـد تقـود إلى المـزيد من التطرّف.
مشاركة :