كثير من الناس، خصوصاً من لديهم أعمال تجارية يخشون نزاع الورثة على التركة وحصول شقاق وفرقة بين أبنائهم بعد رحيلهم، ومن ثم انهيار الصرح التجاري الذي شيدوه طوال حياتهم، لذلك يرغب البعض في المحافظة على ترابط الأسرة من بعده، واستمرار عمله التجاري، حيث يلجأ الكثير منهم إلى تأسيس شركة تجارية عائلية، ظناً منهم أن ذلك يمنع الخلاف بين الورثة، وكثيراً ما يثور السؤال: أيهما أفضل في هذه الحالة الشركة المساهمة أم المسؤولية المحدودة؟ بداية، يعرّف القانون الشركة بأنها عقد يلتزم بمقتضاه شخصان أو أكثر، بأن يساهم كل منهم في مشروع يستهدف الربح، بتقديم حصة من مال أو عمل لاقتسام ما قد ينشأ عن هذا المشروع من ربح أو خسارة، ويجوز أن تؤسس الشركة من شخص واحد، كما يجوز تأسيس شركات لا تستهدف تحقيق الربح. وتنقسم الشركات إلى شركات أشخاص، وهي التي تقوم على الاعتبار الشخصي، وتتكون عادة من عدد قليل من الأشخاص، تربطهم صلة معينة، كصلة القرابة أو الصداقة أو المعرفة، ويثق كل منهم بالآخر وبقدرته وكفاءته. وبناء على ذلك، فإنه إذا ما قام ما يهدد الثقة بين الشركاء ويهدم الاعتبار الشخصي الذي تقوم عليه هذه الشركات قد تتعرض للحل، ولذلك يترتب في الأصل على وفاة أحد الشركاء في شركات الأشخاص أو الحجر عليه أو إفلاسه أو انسحابه من الشركة حل الشركة، وتشمل شركات الأشخاص شركة التضامن وشركة التوصية البسيطة وشركة المحاصة والشركة ذات المسؤولية المحدودة. أما الشركة المساهمة فهي من الشركات التي تقوم أساساً على الاعتبار المالي، ولا يكون لشخصية الشريك أثر فيها، فالعبرة في هذه الشركات بما يقدمه كل شريك من مال، ولذا فإن هذه الشركات لا علاقة لها بالثقة بين الشركاء، ولا بما يطرأ على الشريك من ظروف، كوفاته أو إفلاسه أو الحجر عليه، والشركة ذات المسؤولية المحدودة لا يزيد عدد الشركاء فيها على خمسين شريكاً، أما في الشركات المساهمة لم يحدد المشرّع حداً لعدد المساهمين، ولا يكون كل منهم مسؤولاً عن التزامات الشركة إلا بقدر حصته في رأس المال، ويحظر على الشركة ذات المسؤولية المحدودة أن تمارس أعمال البنوك أو أعمال التأمين أو استثمار الأموال لحساب الغير، ولا يجوز تأسيس الشركة ذات المسؤولية المحدودة أو زيادة رأسمالها عن طريق الاكتتاب العام، ويعتبر في حكم الاكتتاب العام التوجه إلى الجمهور بطريق مباشر أو غير مباشر بدعوة للاشتراك في الشركة، كما لا يجوز أن تكون حصص الشركاء في شكل أسهم قابلة للتداول، ولا يجوز لها أن تقترض عن طريق إصدار أوراق مالية، أما الشركة المساهمة فيجوز لها كل ذلك، وهذه من المميزات التي تتميز بها الشركة المساهمة عن الشركة ذات المسؤولية المحدودة، إضافة إلى سهولة تداول أسهمها، بينما الشركة ذات المسؤولية المحدودة إذا أراد شريك أن يبيع حصته في الشركة، فإن قانون الشركات ألزم ذلك الشريك أن يخطر بقية الشركاء، ويكون لهم الأولوية في شراء الحصص المتنازل عنها. وعودة إلى ما سبق قوله عن الهدف من تأسيس الشركة، فإن وضع أموال التركة في شركة لتجنب الخلاف بين الورثة أو في حالات أخرى، إذا كان جميع الورثة من الإناث، فيكون ذلك بقصد منع الغير مزاحمتهم في التركة، والحقيقة وإن كانت هذه الإجراءات تقلل من احتمال النزاع بين الورثة، فإنه لا يمكن منعها على الإطلاق، حيث إن حصة الأب المورث في الشركة تخضع للقسمة شرعاً، علاوة على إمكانية عدم الاستمرار في الشركة من بعض الورثة، فيثار النزاع حول بقاء الشركة من عدمها، إذا لم يتم الاتفاق على كيفية التصرف في حصة الشريك المنسحب. أضف إلى ذلك أن الورثة سواء كانوا من حاملي الأسهم في الشركات المساهمة، أو ملاك الحصص في الشركات الأخرى، قد لا يتقنون العمل التجاري، أو لا يتمتعون بعلاقات مميزة في مجال الأعمال، أو يفتقدون الحكمة في الإدارة التي كان يتمتع بها أسلافهم ومورثيهم، ومن ثم يكون المشروع التجاري (التركة) في مهب الريح، ويضيع الصرح التجاري الذي أفنى فيه المورث عمره. لذلك، نرى أنه يتعين على رجل الأعمال الناجح ألا يفكر كثيراً في كيفية توريث مشروعه التجاري لورثته من بعده، بل يتعين عليه أن يشرك أولاده معه في إدارة المشروع حال حياته، ويقدم لهم النصح والإرشاد والتوجيه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً حتى ينجح الأولاد في إدارة المشروع والمحافظة عليه وتوسيع نشاطه لمصلحة الورثة في وفاته. المحامي عبدالرزاق عبداللهabdulrazzaq@arazzaqlaw.com
مشاركة :