دائماً ما أؤيد الرأي القائل بأن الصحوة الإسلامية والردة العنيفة في العودة إلى الدين ما هما إلا نتيجة للشعور الجمعي لمجتمعاتنا الإسلامية وعموم العرب بالإخفاق الحضاري في مواجهة الغرب، وكأننا نقول أنتم فشلتم على صعيد القيم الأخلاقية والاجتماعية، بينما نحن تغلّبنا عليكم في هذه الجزئية بالذات التي سيحققها الإسلام. لذلك تجدنا راديكاليين في التمسك بها، فإن تبسّطنا فيها فماذا بقي لنا؟ يعني لا حضارة ولا فضيلة مزعومة! وطبعاً من غير المرأة تكون كبش الفداء وضحية المذبح! فانظر إلى أي اختلاف تكون المرأة بالمصادفة طرفاً فيه. فأول ما ستُضرب به هو شرفها وشرف رجالها الذين سمحوا لها بالتطاول والحرية. وقد لا يكون في الأمر لا تطاول ولا حرية ولا من يحزنون. ولكنها الخصومة العربية التي قد تبدو في ظاهرها مجتمعات حضارية، بينما تحمل في باطنها السمات البدائية الأولى في أسوأ أحوالها. فإذا تحضّرت وتمدّنت في نقاشك، رد عليك بخطابه الإسلامي المتشدِّد. وهو رد مغلوط ولا منطق يبرره، فإذا على الإسلام فهو أعظم دين حضاري متمدّن. فماذا إذاً؟ ومتى سننتهي من هذا النفاق وهذه المراحل الانتقالية لمجتمعاتنا؟ التي كلما أوسعناها نقداً قيل لنا إنها مرحلة انتقالية والناس فيها تكون أكثر توتراً وأسرع استثارة. والظاهر أن قدرنا كشعوب عربية وإسلامية أن نراوح مكاننا في الانتقال والازدواجية، ثم نوهم أنفسنا أننا نتقدم، وعند أول خناقة تحضر سيرة المرأة وفضيلتها. موقف قطر واحتضانها الإخوان المتأسلمين ينبغي فهمه والرد عليه من منطلق أبعاده الآيديولوجية والسياسية الاستراتيجية. ومن حق المصريين وأمنهم القومي الاستنكار وتوضيح الحقائق، ولكن لأن في المشهد العام امرأة تدعى الشيخة موزة فيتحول الخلاف والغضب إلى رخص قديم ومتأصل يغمز ويلمز، وهو انحطاط في الخصومة وشاهد أصيل على فقرنا الأخلاقي والحضاري، فمن حقك ووطنيتك وفهمك لخبايا الأمور مناقشة الأفكار والأساليب والسياسات، ولكنك وبمجرد تطرقك للأمور الشخصية لغريمك - حتى وإن كان رجلاً - فأنت إنما تضعف من حجتك، وتضر بعدالة قضيتك في أحسن التفاسير، لكن هذا طبعاً في المجتمعات المتحضّرة. أتذكّر في معرض هذا الكلام ما كان العامل الهندي في موقع بناء مسكني يجيبني به كلما استغربت منه شيئاً في البناء، فيرد ويقول: «هذا في مزاج أنا». ويقصد أنها طريقته. والظاهر هنا أن المزاج العربي في التعامل مع المرأة لا يبتعد بأكثر ولا بأعمق من منطق العامل البسيط ولو صارت الحاكمة بأمرها. النبي سليمان عليه السلام يناقش قومه ويحاورهم في ملكة سبأ ويقول عنها إنها «أوتيت من كل شيء». وهذا من فضل ربي على النساء وفي القرآن سورة كاملة باسمهن. فالمرأة بأمر من خالقها قد تمنح كل العقل والحكمة والجمال، فيستكثرها عليها الرجل ثم يلصقها بغيرته الإسلامية. والأنكى أن قذف المحصنات من كبائر الإسلام، ولا تجد أسرع من إطلاق اللسان في قذف المرأة، ولا يحتاج القاذف إلى أكثر من تلميح سافر حتى يكمل البقية من عنده، ويقوم من مكانه ليتوضأ ويصلي ويسأل الله الستر والعافية. عجيب أمر مسلمنا يطلب ستر أهله، ولا يتحرّج من فضح أهل غيره ولو زوراً وبهتاناً، ثم لا يستحي من الله حتى بعد علمه بحادثة الإفك والآيات التي نزلت في إنصاف المرأة. إنه تاريخ مخزٍ وجاء الإسلام ليهذبه ويعقله، فمضى الزمن وعدنا كما كنا مع حادثة الإفك، مع الفارق أننا اليوم نغلّفه بإطار ديني. والسؤال: أين ولّت مقارعة الحجة بالحجة؟ فإن سلكت المرأة توجهاً سياسياً وآيديولوجياً معيناً، وكان خطيراً ومحرضاً، وحصل أنه تناقض مع مصالح واتجاهات أخرى، فلا يكون الرد بتقزيم الموقف وتحقيره إلى أمور شخصية تتعلق بشرف المرأة، بأساليب ليست سياسية أو قانونية كما كان ينبغي. ولكنها ثقافية بدائية في وعيها الجمعي، وهذه هي سمة المجتمعات المتأخرة في تعاملها مع المرأة مهما اكتست بوشاح التحديث الظاهر على سطحها. suraya-alshehry@hotmail.com
مشاركة :