رواية الطموحات القاتلة في عتمة الدسائس بقلم: ممدوح فرّاج النّابي

  • 11/25/2017
  • 00:00
  • 15
  • 0
  • 0
news-picture

رواية الطموحات القاتلة في عتمة الدسائستعود الكاتبة عزة كامل في أولى تجاربها الروائية بعد ثلاث مجموعات قصصية إلى التاريخ، فتقف روايتها “نسب” عند حقبة طويلة نسبيًا ومهمة أيضًا، حيث تعود إلى حقبة العصر الفاطمي، بما تمثّله من صراعات واقتتال داخلي على الحكم، وما أعقب ذلك من تأثير كبير على تشكيل هوية المصريين.العرب ممدوح فرّاج النّابي [نُشر في 2017/11/25، العدد: 10823، ص(16)]تاريخ رجال السلطة كما ترويه امرأة تحمل رواية “نسب” للكاتبة المصرية عزة كامل اسم إحدى الشخصيات التي تُمثِّل خطًا سرديًّا مُميزًا داخل النص، وهي الراقصة نسب المسلمة التي ترتبط بعلاقة حبّ بحنا القبطي، وقصة عشقهما التي تتحدى الأعراف والتقاليد، وأيضًا تخترق المألوف، وما ولّدته من غيرة وصراع دفعا بسعادة صديقة فطوم أخت ميسرة العاشق المجهول والمغدور لنسب بتقديم “رقعة عليها شكوى للأم الملكة أم الملك، ترجو منها أن تُبعد حنا المسيحي عن نسب المسلمة”. ستون عاما الرواية، الصادرة عن دار نشر بتانة بالقاهرة 2017، مثقلة بالأحداث السياسية والتاريخية، حتى بدت وكأنّها مروية تاريخية، خاصة في جزئها الأخير، فقد سيطر التاريخ وأحداثه الساخنة، في مقابل غياب شبه تام للسرد الرِّوائي. زمن الرواية هو فترة حكم الخليفة المستنصر، وطريقة إدارته لحكم البلاد والصراعات الداخلية التي أسهمت في تقويض حكمه فيما بعد. وإن كان يتوقف الزمن الروائي قليلاً عند الشدّة المستنصرية فيسرد وقائع ما حدث وما تعرضت له البلاد من نهب وسرقة وتجريف لتاريخها وما فعله الأتراك من سرقة خزائن الدولة، وحرقهم للمكتبة، وعدم الاكتفاء بهذا بل جرّدوا الدولة من هويتها وتاريخها، كما لم تغب عليها معاركه الخارجية سواء في الشام أو العراق أو تركيا أو السودان، وكأنّها سيرة للمستنصر بانتصاراته وهزائمه، لا رواية شخصية كما هو بارز في عنوانها؛ فالعلاقة الأهم علاقة نسب وحنا جاءت مبتورة بعض الشيء . وعلى هامش الأحداث الخاصة بالخليفة المستنصر وكأنهما خارج الحدث مع أن حكايتهما معًا وظروف التفريق بينهما وعذابات الفراق، كان من الممكن أن تخلق حكاية جميلة تبرز في أحد جوانبها الاضطهاد الذي تعرّض له القبط، وهي صورة من صور العلاقة الشائكة والمضطربة بين المسلمين والمسيحيين المتكرِّرة في كلِّ زمانٍ ومكانٍ مع اختلاف الشخوص، وإنْ اتفقت النتائج. تنحاز الرواية للفترة التي استلهمت أحداثها وقد تجاوزت الستين عامًا، فلم تقف عند الفترة التاريخية والشخصيات السياسية اللاعبة بل تجاوزتها إلى نقل صورة عن العصر بأكمله وبكافة شخصياته وعلى تعدّد حرفها كالسقائين واللحامين والحمّالين والحمارين والصيادين والمطربين وفتيات الهوى وغيرهم من أصحاب الحرف والمهن المختلفة في هذه الحقبة. علاوة على ما عكسته من أجواء هذا العصر حيث الاستبداد كما تجلّى في غطرسة المحتسبين وصلافة جامعي الضرائب، والألاعيب بين نظام الحكم والمحكومين. تتميّز الرواية بوحدات قصيرة جدًّا، أشبه بالفصول، كل وحدة تتناول حدثًا فرعيًا، أو شخصية من الشخصيات، كما جاء في عنوان بعضها، أو إجابة عن تساؤلات. ومن مجموع هذه الوحدات يتكوّن نص سردي يجمع بين الحكاية التخيلية والحكاية التاريخية؛ ومن جرّاء طغيان الحوادث التاريخية مَال السّرد باستفاضة على الوصف في معظم مشاهده، فقدِّم لنا صورة حيّة وباذخة عن واقع هذه الحياة في تلك الفترة داخل القصور على اختلافها، حيث مجلس الخليفة الذي يعقد ومجلس قاضي القضاة، وكذلك مجلس الأم، وما يُحاك فيها من فخاخ ودسائس وشراك بالبعض، وأيضًا غراميات أشخاصها ولوعات الحب كما حدث لميسرة مغني المستنصر."نسب" عمل أدبي يمزج الخيال بالتاريخ ويروي وقائع من الزمن الفاطمي كما تحتفي الرواية بكل ما كان سائدًا في تلك الحقبة من عادات المسلمين وغير المسلمين، وكأن الرواية وثيقة تاريخية تخلّى فيها السّارد في بعض جوانبها عن روح الرواية، ومال إلى رصد الأحداث التاريخية فجاءت من منظور مؤرخ لا من منظور راوٍ يضيف لها وَيُعدِّل، حتى أضحت الرواية أشبه بوثيقة تاريخيّة بالمعنى الحرفي للكلمة، فكان السَّرد عبارة عن تسجيل وتوثيق أشبه بكتابات المؤرخين. بالطبع “الراوي مؤرخ من نوع ما” كما يقول لوكاتش، لكن الإفراط في التوثيق أفقد النص انتماءه إلى الرواية نوعًا ما، وهذا ظاهر بعد الثلث الأوّل من الرواية. أيقونة الأمل قاد الانسياق إلى رصد الحوادث لا تأمُّلها الرَّاوي إلى توارد أحداث كثيرة وشخصيات لم يستفد بها السّرد في تقوية التوتر الظاهر في العلاقات، سواء العلاقة السياسية حيث الصراعات والمكائد التي تدار داخل القصور، أو العلاقات العاطفيّة كما في علاقة نسب وحنا، ثم علاقتها الحسيّة مع بدر الجمالي ومن قبله يعقوب، لا يدل على أنها عاشقة لحنا، فهي مع بدر تحرّرت من كل القيود وراحت “تداعبه في جسده الخالي من الألقاب والجيوش والسلطان”، بل تمنت بعد أن قضت معه ثلاث ليال “أن تمضي لياليها كلها في حضنه” ثمّ يأتي العجب، فبعد رؤيتها لحنا الذي هو الآخر لم يُظْهِرْ أيّ مقاومة تُثبت إصراره على استردادها؛ حتى ألقت بنفسها في حضنه وراحت تصرخ “سرقوا روحي يا حنا، سحقوني تحت أحذية بدر والأفضل، إنهم وحوش وقتلة قلوبهم خاوية لا تسكنها غير الرياح والخفافيش”، بالطبع إذا كان هذا الكلام ينطبق على الأفضل فإنه لا ينطبق على بدر”. هزائم الشخصيات لم تكن بسبب مواجهاتها بل على العكس وإنما بسبب ضعفها وأنها ليست شخصية حيّة بل هي مصنوعة؛ ومن هنا ضاعت ملامح الشخصيات على كثرتها ولم نرَ سوى صراعات بين الطرفين بعضها على المنصب وبعضها بسب الحب، كما في صراع ميسرة وحنا تارة وحنا ويعقوب تارة أخرى. يزاوج السَّرد بين طرفين أحدهما راو يسرد عن الشخصيات وعلاقاتها؛ خاصة علاقات نسب بيعقوب أو نسب بحنا، أو حنا وما حدث له، وآخر مؤرخ يتلبّس لبوس المؤرخ ويسرد وقائع الأيام والليالي والشهور التي حدثت في تلك الحقبة، لم ينقصه إلا أن يبدأ إنه في ليلة السادس عشر من…. كما يفعل المؤرخون، وهو ما تكرّر أثناء نقل خبر وفاة بدر الجمالي فقد جاء وكأنه مكتوب بصيغة مؤرخ خارج من أوراق تاريخية. ومع المراوحة بين السَّرد التخييلي والتاريخي إلا أن السرد في كليهما يتميّز بالجمال والعذوبة والسلاسة، وبالمثل الوصف الذي مال إليه السرد كثيرًا. يُحسب للرواية اختيارها هذه الفترة التاريخية العصبية، إطارًا لروايتها؛ حيث بدأت ملامح الهوية المصرية في هذه الحقبة تتشكّل كما سبق أن أوضحنا، وكيف قاومت الشخصية المصرية الذوبان في الشخصية التركيّة، علاوة على اختيارها شخصية نسائيّة لتكون المِحور الرئيسي للرواية، وهو في حدّ ذاته انتصار للمرأة ودورها، وإن كان جانب تناول هذه الشخصية الإخفاق. لكن في النهاية كانت بمثابة الروح المصرية التي أراد الكل استباحتها، فعلى الرغم ما وقع عليها وفي بعض منه لم تُبدِ مقاومةً إلا أنّها في الأخير وقفتْ واستكملت حياتها، وهو ما يتوزاى مع الوطن مصر الذي على كثرة ما مرّ به من محن إلا أنه لم ينكسر وظل أبيًّا. وكأن الشخصية بمثابة دعوة للأمل وأيضا أيقونة للتحدي والصمود وسط عالم يعجّ بالصراعات سواء السياسية أو الدينية والأيديولوجية.

مشاركة :