في الأعوام الأخيرة، كانت عملة الـ"بيتكوين" بمثابة الغرب المتوحش للعالم المالي. لكن الآن أصبحت متحضرة - قليلاً. في الأسابيع المقبلة، تعتزم بورصة شيكاغو التجارية البدء بإدراج العقود الآجلة لعملة الـ "بيتكوين"، مع آلية مقاصة مركزية. أسواق "سيبو جلوبال"، أكبر سوق للخيارات في العالم، ربما تحذو حذوها. هذا سيُمكّن المستثمرين من المراهنة على القيمة المستقبلية للعملة بدون الاحتفاظ بها فعلياً - تماماً مثلما يستطيع المستثمرون استخدام بورصة شيكاغو للمراهنة على أسعار الخنازير، مثلاً، دون الحاجة إلى شراء خنزير على الإطلاق. هل هذه فكرة جيدة؟ بعض من أعضاء بورصة شيكاغو التجارية لا يعتقدون ذلك. في الأسبوع الماضي اتخذت "إنتراكتف بروكرز"، وهي شركة مقاصة مهمة في البورصة، خطوة استثنائية عبر إعلان صحافي يطلب مزيدا من الرقابة التنظيمية. فهي تخشى احتمال أن تكون عملة الـ"بيتكوين" متقلبة إلى درجة أن تؤدي هذه العقود الآجلة إلى تكبد المتداولين خسائر ضخمة، الأمر الذي قد يقوّض بعد ذلك الحالة الصحية لبورصة شيكاغو التجارية ويُلحق الضرر بالوسطاء الآخرين، بالنظر إلى هيكلها المشترك جزئياً. بورصة شيكاغو التجارية - بشكل غير مفاجئ - رفضت هذا باعتباره كلاما فارغا. فهي تجادل بأن أي مخاطر سيتم احتواؤها من خلال القواعد التي تسمح للمتداولين باستيفاء رسوم أكثر لتوليد هوامش ربح كبيرة (نحو 30 في المائة) وبالتالي استيعاب الخسائر، وكذلك من خلال أجهزة إيقاف التداول إلكترونيا في حالة تقلبات الأسعار العنيفة. مع ذلك، من السابق لأوانه أن يعرف البعيدون عن هذا المشهد ما إذا كان الرافضون على حق. ببساطة ليس هناك ما يكفي من الوضوح حول الحجم الذي ستكون عليه سوق العقود الآجلة لعملة الـ"بيتكوين"، أو كيف ستعمل، أو حول قدرة بورصة شيكاغو التجارية على استيعاب أي خسائر. لكن في الوقت الذي يتواصل فيه النقاش التنظيمي، يبرز سؤال أكثر إلحاحاً أمام المستثمرين: أسعار الـ "بيتكوين". حتى الآن، كان أحد أركان إيمان المبشرين بعملة الـ"بيتكوين" أنها في حال أصبحت - أو عندما تُصبح - أكثر "تحضراً"، فإن هذا سوف يُعزز السعر. تقول الحجة إن علينا أن ندرك أن استيعاب عملة الـ"بيتكوين" في عالم الاستثمار العام ينبغي أن يُعزز جاذبيتها والطلب عليها، ما يجعلها أكثر قيمة. ومن المرجح للغاية أن يكون هناك تأثير معاكس. فحتى الآن لم يحصل المستثمرون على طريقة سهلة للمراهنة ضد الـ "بيتكوين" - "البيع على المكشوف" الوحيد كان بيع العملات. لكن العقود الآجلة في بورصة شيكاغو التجارية ستسمح للمستثمرين بوضع تلك الرهانات السلبية. لست بحاجة إلى أن تكون من المقتنعين بنظرية المؤامرة لتتصوّر أن بعض الساخرين من عملة البتكوين سيفعلون ذلك تماماً. وهناك مسألة ثانية أكثر دقة أيضاً: "الخريطة" الثقافية للتمويل، باستخدام مصطلح من علم الإنسان (الأنثربولوجيا). حتى الآن يُنظر أساساً لعملة البتكوين على أنها منتج مسوَّر. الافتراض غير المُعلن بين المستثمرين هو أنها احتلت مساحة مميزة لا تنطبق عليها قواعد الاستثمار العادية. لكن في الوقت الذي تُصبح فيه العملة مندمجة في سوق المشتقات، هذا الحاجز قد ينهار ويُقدّم المستثمرون طلباً للحصول على معايير "عادية" في تقييماتهم. بالنظر إلى الأسئلة التي لم تُحل حول كيف تعمل عملة الـ"بتكوين"، هذا قد يؤدي إلى مزيد من التشكك: في الواقع، هذا بالضبط ما كان يحدث غالباً في تطور الأسواق المالية في السابق. لنّفكر، مثلا، في اليابان. قبل منتصف الثمانينيات كان يبدو أن بورصتها موجودة على كوكب خاص بها، تخضع لقواعد التقييم الخاصة بها. لكن عندما أُطلقت عقود مشتقات الأسهم اليابانية، ومن ثم دمجها في نظام سوق عالمية أوسع نتيجة للإصلاح المالي، انحسر ذلك الشعور بـ "الاختلاف". التغيير في كيف كان يُنظر إلى اليابان من خلال عدسات الاستثمار النسبي لم يكُن السبب الوحيد وراء تحطم مؤشر نيكاي في عام 1990، لكنه أسهم في ذلك. كذلك الأمر مع القروض العقارية الأمريكية. حتى عام 2005 أو أكثر، لم يستطع الغرباء بسهولة تقييم أو تسعير مخاطر القروض العقارية لضعاف الملاءة في أمريكا: أسعار الأسهم المدعومة بالقروض العقارية كانت غامضة، والطريقة الوحيدة للبيع على المكشوف في السوق كانت بيع السندات. لكن عندما أُطلقت مشتقات القروض العقارية، مثل مؤشر ABX، أصبح من السهل فجأة اتخاذ رهانات سلبية. بعد ذلك تم نشر مؤشر ABX في الصحف، مثل "فاينانشيال تايمز"، في عام 2007، ما خلق مقياسا مرئيا للمزاج العام. هذا ساعد الشعور بالذعر كي يتغذى على نفسه بعد عام 2008. بالطبع، على المدى الطويل، هذا النوع من التطور مرغوب فيه للغاية. الأسواق موجودة لتمكين المستثمرين من التعبير عن رهانات الأسعار. وعادة ما تكون أكثر استقراراً على المدى الطويل إذا كانت الأسعار شفافة وهناك مجموعة واسعة من اللاعبين. لو كانت العقود الآجلة لعملة الـ"بيتكوين" موجودة قبل بضعة أعوام، ربما لم تكُن الأسعار لتتقلب بشكل جنوني هذا الشهر. لكن كما تُظهر رواية مؤشر ABX أو مؤشر نيكاي 225، النقطة الفلسفية الأكبر لا تشكل راحة تذكر عندما يتأذى المستثمرون والأطراف المقابلة لهم. بالطبع، بسبب هذا الأمر بالضبط دفعت شركة إنتراكتيف بروكرز مقابل ذلك الإعلان. المستثمرون والمنظمون بحاجة إلى الانتباه: هوامش الربح الكبيرة قد تحمي بورصة شيكاغو ككل- كما يرجون - من صدمات عملة الـ"بيتكوين"، لكنها لن تحمي المقامرين غير المدركين للمخاطر.Image: category: تقارير و تحليلاتAuthor: جيليان تيت من نيويوركpublication date: الأحد, نوفمبر 26, 2017 - 03:45
مشاركة :