يوضح الدستور الإيراني أن منصب المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، هو المنصب الأعلى والأكثر تأثيراً ونفوذاً في البلاد، وتطاول صلاحياته كل السلطات. فالولي الفقيه هو القائد الأعلى للقوات المسلحة والمسؤول عن إعلان الحرب والسلام، وهو من يعين ويعزل رئيس هيئة أركان القوات المسلحة وقائد الحرس الثوري، وأصحاب المناصب العليا في المؤسسات الأمنية. باختصار هو صاحب الكلمة الفصل في مجال السياسة الخارجية والداخلية. إن بنية السلطة السياسية في إيران معقدة ومتداخلة وتتألف من مؤسسات منتخبة وأخرى معينة من قبل المرشد. أما رؤساء إيران فليس لديهم سوى مجال محدود للمناورة لعدم توازن السلطة بين المؤسسات المنتخبة وغير المنتخبة. فسلطة المرشد تمتد إلى منصب الرئيس المنتخَب من قِبل الشعب، حيث يصادق المرشد على انتخابه، ويملك صلاحية عزله والحد من سلطته. ماذا سيحدث في إيران حال توفي المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي؟ على رغم الحديث عن أن وفاة المرشد ستشكل أكبر تغيير سياسي في إيران منذ وفاة آية الله الخميني، في اعتبار أن المرشد الأعلى هو الشخص الأقوى في البلاد ويتمتع بسلطة مطلقة في الدولة، وأنه يمكن أن تغير وفاته اتجاه السياسات الخارجية والداخلية، يعتقد أنه حتى إذا توفي المرشد فإن هناك شبكة معقدة من اللاعبين داخل المؤسسات السياسية والأمنية الإيرانية التي يمكن أن تستوعب الحدث من دون أن تعرض أمن النظام واستقراره لأي خطر. ويبدو أن الإيرانيين مهيأون لتلقي نبأ وفاة المرشد في أي لحظة، إذ سبق أن أشار الرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني، إلى أن هيئة داخل مجلس خبراء القيادة، وهو المجلس المنوط به اختيار المرشد، كانت بالفعل تدرس الخلفاء المحتملين. وتالياً قد يتم تعيين مرجع ديني معروف كمرشد أعلى، وتالياً استمرار «ولاية الفقيه». لكن لا يستبعد أيضاً أن يعقب وفاة خامنئي، حدوث انقلاب عسكري صامت في حال الفشل في تعيين مرشد جديد أو إذا شعر العسكر أن التحول الخاص بخلافة المرشد قد يشكل خطراً على الجمهورية الإسلامية. لكن ماذا عن تركيا، هل يمكن إسقاط مثال الخلافة وتداعياتها على تركيا؟ ربما يجد البعض غرابة في تناول مسألة خلافة السلطة في تركيا في اعتبارها «دولة قانون»، وأن الشعب هو الذي يقرر من سيحكمه. لكن الواقع يقول غير ذلك. بالعودة قليلاً إلى الوراء نجد أنه قبل نحو خمسة أعوام، وتحديداً في شهر آذار (مارس) 2012، كشف موقع «ويكيليكس» النقاب عن بريد إلكتروني مرسل من موظف إلى زميله في مؤسسة «ستراتفور» الأميركية؛ تفيد بأن الرئيس رجب طيب أردوغان (رئيس الوزراء في حينها) مصاب بالسرطان ولن يعيش أكثر من عامين. لكن أردوغان، البالغ 63 سنة، والذي يمارس سلطته ويوسعها حتى يومنا هذا، رد على تلك الإشاعات في وقتها بالقول: «لست مصاباً بالسرطان»، مشيراً إلى أنه تم العثور على بعض الأورام في أمعائه وأنه لو لم يتم استئصالها لتحولت إلى سرطان. لكن بعد مرور خمس سنوات على رواج تلك الإشاعات، وأثناء تأديته صلاة عيد الفطر الفائت في أحد مساجد مدينة إسطنبول، تعرض أردوغان لوعكة صحية فقد على إثرها الوعي وأغمي عليه. وبعد ذلك طمأن أردوغان المواطنين على حالته الصحية، مرجحاً أن يكون الإغماء ناجم عن ارتفاع ضغط دمه بسبب مرض السكري الذي يعاني منه منذ مدة. هناك سؤال قلما يطرحه المتابعون للشأن التركي وهو ماذا سيحدث إذا توفي أردوغان، على افتراض أنه لن تتم إزالته من السلطة بوسائل أخرى قبل وفاته؟ إن فرضية خسارة أردوغان السلطة تحيلنا إلى معسكر المنافسين. في الواقع لا يملك زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو، أو أي شخصية بارزة في الحزب المعارض، النفوذ والكاريزما اللازمة لمواجهة أردوغان. وقد تقع هذه المهمة على عاتق ميرال أكسينر، التي قادت محاولة تمرد ضد زعيم الحركة القومية دولت بهجلي. وتحاول أكسينر تشكيل تحالف وسطي من القوميين والعلمانيين والليبراليين، والمحافظين المناهضين لأردوغان. لكنها ستواجه مهمة صعبة جداً، وسيبذل أردوغان كل جهده لضمان ألا تتحول إلى تهديد في انتخابات 2019. ومن المفيد الإشارة إلى شخصيات تعمل خلف الكواليس لحماية أردوغان بأساليبها الخاصة، مثل عدنان تانريفردي، الجنرال السابق ذو الميول الإسلامية، ومؤسس جماعة سادات (SADAT) شبه العسكرية، والذي عينه أردوغان في منصب كبير مستشاريه العسكريين بعد محاولة الانقلاب. فمع تطور الأمور لمصلحة أردوغان، عاد العديد من العسكريين الإسلاميين، المنضمين لجماعة «سادات»، إلى الجيش بعد حصولهم على ترقيات لم ينالوها سابقاً في الجيش (العلماني). ويبدو أن «سادات» يتصرف على نحو متزايد كميليشيات أردوغان الشخصية أو النموذج التركي للحرس الثوري الإيراني، لضمان الولاء السياسي في الداخل وكوسيلة للتمدد الأمني في الخارج. ماذا عن خلافة أردوغان، في حال وفاته؟ يعتقد البعض أنه ليس هناك شخصية مرشحة وقادرة على خلافته، سواء من داخل أسرته أو حتى من المقربين منه في حزب العدالة والتنمية، وأنه في الحد الأدنى، سيكون هناك تدافع سياسي بين الأطراف المتنافسة. وهناك اعتقاد بأنه نتيجة الانقسامات التي فاقمها أردوغان، ولكن تمكن من قمعها حتى اللحظة، فإن الأسابيع والأشهر التي ستلي وفاته يمكن أن تتسم بالعنف. وحتى لو ظهرت قيادة جديدة في شكل سلمي نسبياً، سيصعب عليها تصحيح الأمور في شكل فعال. ويدعو مراقبون أميركيون صناع السياسات في واشنطن للتفكير في ما يمكن أن يحدث في تركيا بعد يوم من وفاة أردوغان، خصوصاً إذا كان ذلك اليوم أسرع مما يقدره العديد من الديبلوماسيين الغربيين.
مشاركة :