أهالي العريش أبلغوا الحكومة المصرية بتلقيهم تهديدات بالقتل

  • 11/27/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

كشف شهود عيان لـ «العرب» تفاصيل المجزرة التي شهدتها سيناء يوم الجمعة الماضي، عندما فوجئ المصلون بمسجد «الروضة» -الواقع في قرية الروضة التابعة لمركز ومدينة بئر العبد، التي تبعد عن مدينة العريش المصرية- حوالي 30 كم غرباً، أثناء إنهاء خطبة الجمعة، دخول عدد من المسلحين مدججين بأحدث أنواع الأسلحة، يرتدون زياً موحداً (بنطال أسود مموه، وسديري مموه واقٍ من الرصاص، وقميص أسود أو بيج)، وملثمين.قال أحد شهود العيان على الواقعة لـ «العرب»، رفض ذكر اسمه خوفاً من الملاحقة الأمنية أو استهدافه من قبل أي عنصر مسلح: «دخلوا علينا بأحذيتهم، بعدما قذفوا المسجد ببعض قنابل الغاز لتثبيتنا، وقاموا بالنداء على 7 أسماء (لشيوخ من القرية كانوا موجودين بالمسجد)، وتلوا بياناً علينا مفاده أننا مشركون مرتدون، وأنهم حذرونا مراراً من العودة إلى حلقات الذكر التي تُقام بـ «زاوية» قرب المسجد كل يوم «اثنين، وخميس»، حيث نتجمع في حلقات ذكر، ونقدّم وجبة طعام من أبسط ما نملك ببيوتنا، نتآنس بأقربائنا وبعض عابري السبيل». محاصرة القرية ويستطرد: «زارونا قبل أسبوع من الجمعة الدامية تلك، قالوا لا تحتفلوا بذكرى (مولد النبي)، ولا تجلسوا بهذه الزاوية مرة أخرى، وإلا قتلناكم». يمسك آخر بطرف الحديث، وفي طيات وجهه علامات حزن وصدمة، يحكي قائلاً: «صفّوا الشيوخ قدّامنا، وبدؤوا في تصفية كل المتواجدين بالمسجد، وزعوا أنفسهم وهم قرابة الـ 25 أو 30 رجلاً: بعضهم أقام كميناً على طريق القرية لرصد أي تحرك يفزع لمساعدتنا، وآخرون وقفوا على أبواب المسجد، وحوالي 7 أفراد داخل المسجد يقنصون، لم يستثنوا أحداً؛ رجلاً أو شاباً أو طفلاً، حتى الشيوخ لم يأمنوا أو يسلموا من بطشهم. أطلقوا الرصاص على صدورنا ورؤوسنا، وهربت أنا بإصابة خطيرة في ساقي بعدما توهموا أني مت والتفتوا إلى الباقين». يتذكر بشهقة ألم: «قام أحد الشيوخ وأمسك بمكبر الصوت داخل المسجد وصاح فيهم: حسبي الله ونعم الوكيل فيكم»، لم يكمل كلمته حتى أردوه قتيلاً بـ 7 رصاصات في جميع جسده. كتيبة للجيش بوهن شديد، ووجه عبوس، وقلب باكٍ، يقول «س.ش» أحد أهالي القرية: «لم يتركوا أحداً إلا وقتلوه. قاموا بتفتيش حمّامات المسجد بحثاً عن المتوضئين. من استطاع الفرار من نوافذ المسجد لاحقوه حتى قتلوه، وقد وجدنا جثثاً لفارّين من الموت على مسافة بعيدة من المسجد. والغريب أن هناك كتيبة لقوات الجيش المصري تبعد عن المسجد مسافة لا تتعدى الـ 500 متر وربما أقل، لم تفزع لاستغاثتنا، ولم يأتِ أحد لمساعدتنا، وهم يقتلوننا بأريحية تامة. أخذوا وقتاً تعدى الـ 35 دقيقة، سبقها إعداد للاقتحام وإقامة الكمين، غير أنهم تسللوا إلى المسجد سيراً على الأقدام، عابرين حواجز ومتاريس أقمناها -بعد تهديدهم المسبق- على مداخل القرية ذات الظهير الصحراوي المفتوح، وهم القادمون من مناطق لا نعرفها على متن 3 سيارات دفع رباعي، لو حلّقت طائرة واحدة لرصدتهم». وتحدّث نجل أحد الضحايا يُدعى «محمد.ع» وكأنه ينفّس عن قلبه قبل أن يموت كمداً عما رآه، يقول: «كنت جالساً بجوار الباب الرئيسي للمسجد، حيث يجلس كبار القرية في الصفوف الثلاثة الأولى، والشباب في الوسط، والأطفال ومن يأتي متأخراً في الصفوف المتأخرة. وتفاجأت بإطلاق الرصاص، ورأيت الجميع يجري. حاولت الجري معهم، إلا أني رأيتهم يستهدفون من يحاول الفرار؛ فهناك مجموعة أخرى تقنص من يفر بالخارج بعدما أضرموا النيران في السيارات المتوقفة أمام المسجد بساحة الرمل؛ حتى لا يقوم أحد بالفرار بسيارته أو يحاول مساعدة الجرحى. كما استهدفوا سيارات الإسعاف التي أتت لتساعدنا بعد وقتٍ طويل من نزيف دم لم أرَ مثله في حياتي. بعد ساعة من الهرج، خرجوا هم بسلام من القرية، وخرجت أنا وشقيقي الصغير الذي نجا من الموت معي بأعجوبة من إحدى دورات المياه الخاصة بالمسجد التي لم يقوموا بتفتيشها، لأدخل المسجد وأجد أمي تجلس بجوار جثة أبي الذي لم يتبقّ منه سوى الجسد بعدما انفجرت وتهشمت رأسه إثر رصاصاتهم الغادرة، وأخي الآخر يحملونه مصاباً في قدميه». «المشهد كان موحشاً لا يتخيله أحد. اختلطت الدماء بوجوهنا وجلابيبنا كأننا نُذبح في الأضاحي»، يقول أحد سكان قرية الروضة التي استهدفتها أكبر عملية مسلحة تشهدها مصر في تاريخها، مستنكراً تخاذل المسؤولين عن دورهم تجاههم: «نقلونا نحن المصابين ومعنا الضحايا على سيارات ربع نقل و(توكتوك) إلى مستشفى بئر العبد المركزي. لم نجد بها أكياس دم تعوضنا عن ذلك النزف». تجاهل الحكومة وبلهجة حادّة، قال «س.م»: «الحكومة -قاصداً قوتي الجيش والشرطة- تركتنا نموت ونُذبح، ولم يأتوا إلا لأخذ (اللقطة). لم يحمونا، ونحن من أبلغناهم أن مسلحين هددونا بالقتل قبل الحادثة بأسبوع، لم يأبهوا لحالنا أو ندائنا، وطلبنا منهم الحماية المشروعة، لكن قدر الله نافذ، راح -مات- رجال وشباب وشيوخ، حتى أطفال القرية كلهم ماتوا لم يبق أحد». وأكد أحد الصحافيين بـ «شمال سيناء»، أن كل الشواهد وروايات الأهالي في قرية الروضة تشير إلى أن ما وراء الحادث شيء «مُريب» و»غامض». ولفت إلى أن مذبحة سيناء أكبر من فكرة استهداف فئة بعينها لاختلافات أيديولوجية دينية (الصوفية)، أو استهداف فئة بدعوى «معاونتها للأمن»، مستنكراً إغلاق قوات مشتركة من الجيش والشرطة قرية الروضة بشكل كامل، ومنعهم تواجد أي شخص من خارج القرية، ومنع التصوير في مكان الحادث. وتابع: «حتى مع بدء خروج جنازات القتلى، كانت أعداد قليلة من المشيعين تسير خلف النعوش، وقوات الأمن تمنع تصوير الجنازات، وتغلق القرية على من تبقى من أهلها ممن قُدّر له النجاة من المذبحة». تقاطر النعوش تقاطرت النعوش، واتشحت القرية -بل المحافظة بأكملها- بالسواد. من نجى من الرجال والشباب بات بذهن شارد وقلب باكٍ، لا يُسمع سوى نحيب النساء الثكالى، وصراخ الأطفال الأيتام، وأنين الجرحى. ولم يبق من هذا اليوم سوى دماء اختلطت بـ «سجاد» المسجد، ونعال القتلى التي جُمعت ووُضعت بجوار المسجد تشهد على تنوع الأعمار، وبعض من ملابسهم، وحفنة من أمل في مستقبل أفضل، وتوضيح فعلي من السلطات الحالية، وحلول لوقف نزيف الدم الجارف بسيناء. كان الناتج من ساعات دامية قليلة، مقتل حوالي 309 أشخاص، بينهم 35 طفلاً دُفنوا في 10 مقابر جماعية، باستثناء من هم خارج القرية، وإصابة حوالي 203 أشخاص، بعضهم في حالات حرجة، ليس فقط من أبناء القرية، بل من المسافرين العابرين والمارين على الطريق الدولي الرابط بين «العريش- القنطرة شرق» أمام القرية، ممن توقفوا لأداء صلاة الجمعة، وبعض العاملين في هيئة الطرق والكباري التي تعمل في ترميم الطريق الدولي أمام المسجد المستهدف. و»الروضة» هي قرية تابعة لمركز ومدينة بئر العبد، تبعد عن مدينة العريش حوالي 30 كم غرباً، وعن مدينة بئر العبد حوالي 50 كم شرقاً، تقطنها عشيرة الجريرات التابعة لقبيلة السواركة، وتعداد سكانها حوالي 1000 نسمة. معروف عن سكانها اعتناقهم الفكر الصوفي، آخذين من كبيرهم الشيخ عيد أبوجرير قدوة، حيث إنه زعيم الطريقة الصوفية الأحمدية منذ عشرات السنين، وفقاً لرواية أهالٍ بالمنطقة. نزحت عشرات الأسر من مدينتي رفح والشيخ زويد، هرباً من بطش آلات الحرب بالمدينتين، وخوفاً من ردود الفعل بعد المنطقة المعزولة على الحدود المصرية مع قطاع غزة، ليستقر بهم الحال في قرية «الروضة» حيث أقاربهم. أمواج المسلحين بعد أن أعلن أبوبكر البغدادي خلافته المزعومة في العراق وسوريا، أصبح قدوة لغيره في المناطق الرخوة عبر العالم. ومن أبرز هذه المناطق محافظة شمال سيناء المصرية، حيث إن الحدود المصرية مع كل من قطاع غزة وفلسطين المحتلة مصنفة عالمياً من أخطر المناطق الحدودية، والتي ترتخي فيها سلطة الدولة الحقيقية لصالح «السلام»، فتنتشر عمليات التهريب على نطاق واسع عبر أكثر من 200 كيلو متر تفصل بين مصر وفلسطين المحتلة، منها 12 كم تفصل بين مصر وقطاع غزة. جرى تشكيل الولاية وتنظيمها في 13 نوفمبر 2014 بقيادة أنصار بيت المقدس التي أعلنت البيعة لـ «الدولة». «الحسبة» في سيناء بعد 3 يوليو 2013، وإعلان خلافة البغدادي 2014، نشطت الجماعات المسلحة في سيناء، واتخذت من مثلث رفح والشيخ زويد والعريش منطلقاً لعملها وفرض هيمنتها، وبدأت في تطبيق نظام «الحسبة» ولكن بشكل غير منظم. والآن بدأت المجاهرة بالتطبيق، إيذاناً ببدء مرحلة جديدة تعبّر عن قوة التنظيم وتماسكه في سيناء، والصمود في وجه قوات الجيش المصري، وفرض الهيمنة. وفق أهالي المنطقة: «ينصب التنظيم كمائنه بشكل مؤقت في مناطق قرى الشيخ زويد الجنوبية: أبوالعراج، والعجراء، وأبوزرعي، وأبورفاعي، واللفيتات، والترابين، والجورة، والوحشي، والمهدية، والظهير. وأحياناً في وسط مدينة العريش بمناطق مختلفة، مثل: ميدان الفالح، وميدان العتلاوي، وميدان الفواخرية، وشارعي القاهرة وبنك الإسكندرية، بخلاف مرورهم دوماً لرصد أهداف لهم، سواء كانوا مواطنين أو أفراد من الشرطة والجيش، لاختطافهم أو قتلهم». «الحرب على المتصوفين» وحسب الأهالي: «شنّ التنظيم هجوماً صارخاً على الصوفية ورموزها في منطقة نفوذه، فقام بتسوية القبور التي تعلو على الأرض، وتفجير الأضرحة، وتهديد الصوفيين بسيناء، ووصفهم بأنهم (مشركون)، وأهدر دمهم إذا عادوا إلى ما نُهوا عنه بعد استتابتهم، مؤكدين أن هذا ضمن عمل (الحسبة) ومهامها». يقوم رجال حسبة التنظيم بتدشين كمائن بمناطق مختلفة، أبرزها أبوطويلة، وأبورفاعي، والمهدية، وأبوزرعي، والظهير بالشيخ زويد؛ والمطلة، والماسورة، وسادوت، برفح. ويقومون بزيارة الصوفيين في مناطقهم، وتحذيرهم بعدم ممارسة طقوس التصوف أو الاجتماع فيما يُسمى بـ «الزوايا»، ومن ثم يقومون في المرة الثانية باختطافهم وتعزيرهم -حسب وصفهم- لمدة 3 أيام، وإجبارهم على التوقيع على «إقرار توبة» وعدم الرجوع إلى التصوف، وإلا يكون دمهم مهدراً. وبالفعل، زاروا مناطق المزرعة جنوب العريش، والمطار، والجورة، والوحشي، وحي الترابين، بالشيخ زويد، واختطفوا مجموعة من كبار السن (متصوفين) لمدة 3 أيام لاستتابتهم، وأطلقوا سراحهم مع مزيد من المراقبة لضمان عدم تنفيذ حلقات صوفية للذكر ومجالس بـ «الزوايا» المنتشرة بربوع الشيخ زويد ورفح، والخاصة بالطرق الصوفية المختلفة.;

مشاركة :