استوقفني خبر نُشر على الصفحة الأخيرة من صحيفة المدينة مفاده أن 34% من الطيارين في الخليج يعانون من الاكتئاب، وأن 34% يعانون من النعاس المفرط، و68% يعانون من الإرهاق الشديد.. إلخ، ولعلي أتوقف على جانب واحد فقط وهو الاكتئاب، فقد لفت نظري قبل عدة سنوات استشاري الجراحة العامة د. محمود غلمان أنه يعتقد جازما أن 50% من المجتمع مصاب بالاكتئاب، وذلك ضمن اهتمامه بالشأن العام ويُحدِّثني ساخرا: (لو تتضافر جهود الجمعيات الخيرية لإبرام صفقة شراء أدوية خاصة بالاكتئاب ونضعها في خزانات مياه الشرب لاسيما وأن معظم مرضى الاكتئاب لا ينشدون العلاج)، ونظرا لأن العلاج النفسي مدرج ضمن اهتماماتي منذ أربعة عقود وأثناء حديث عابر مع استشاري معروف ورئيس القسم في جامعة الملك سعود د. خلدون مروة عمّا حدثني به الأخ الدكتور محمود غلمان، علّق د. مروة قائلا: إن صديقك لم يذهب بعيدا في تقديراته، وقد أُجريت دراسة نفسية بحثية جادة على عيّنة 1200 شخص وكانت النتيجة أن 47.4% يعانون من اضطرابات في الشخصية Personality disorders، وفي تعليق على هذه النسبة فإن الأمر مدعاة إلى التدخل المبكر للالتفاف والتكاتف لوضع حد لهذا النزيف الذي يُعيق أي إنجاز تنموي أو مستقبل موعود، وفي مثل هذا الأمر الجلل تنفق الأموال وتجرى الأبحاث وتعقد المؤتمرات والندوات وحلقات النقاش، فالمرض قاتل ويعطل مسيرة تنمية الإنسان والمكان على حدٍّ سواء، وحذاري حذاري من الاستهانة بالأمر، ومن بين هؤلاء المرضى رجال في الشرطة والمرور وأطباء ومحامين وقضاة وأساتذة في التعليم العام والتعليم الجامعي فضلا عن الأسرة التي تعد نواة المجتمع، لابد من تشخيص دقيق وحلول تعالج هذا الواقع الأليم وقد شاهدتُ بنفسي حالة رئيس قسم في إحدى فروع أمانة جدة وما يُمارسه من تعسف وقسوة وتعطيل للمصالح دون اكتراث أو ضمير، وقد لا تدرج حالته بالاكتئاب ولكن تدرج ضمن الاضطرابات في الشخصية، والمصابون بهذا الداء يتعذر في أغلب الأوقات التعرُّف على حالاتهم وقد يكون من بينهم مسؤولون كبار نافذون. البعض يرجع ما يحدث إلى قلة العناية بالجانب النفسي في حياة المجتمع، أو لقلة الاستشاريين والمتخصصين في العلاج النفسي من جانب ومن جانب آخر فإن ما يحدث من تسارع في التغييرات والتطوير المتلاحق الذي تمر به البلاد لتصحيح بعض المسارات فضلا عما تسببه التقنية من عزلة لدى البعض مما يسهم بشكلٍ أو آخر في هذه المشكلة، فضلا عن غياب التوعية العامة في هذا الشأن وعزوف العديد من المرضى عن تلقي العلاج من تلقاء أنفسهم. هناك ما يُسمَّى بالاكتئاب التفاعلي يتجسَّد في شخصيات البعض ممن يتذرّعون بتطبيق الأنظمة واللوائح والمستغلون للسلطة أيا كان مستواها وهناك المتجهمون في وجوه الآخرين، هذا النوع من الاكتئاب ليس له علاج سوى تحسين البيئة المحيطة بالإنسان وتوفير فرص لممارسة الرياضة بأنواعها ونشر الزهور في الميادين ونشر التشجير وتوفير الحدائق العامة فضلاً عن البرامج الترفيهية المتنوعة واستشارة المختصين وفرض الحلول العاجلة، فالأمر لا يمكن السكوت عليه.
مشاركة :