«حسن وحسين ومحمد وأحمد ومصطفى»، خمسة أشقاء نجوا بأعجوبة من موت محقق في اعتداء بئر العبد الإرهابي، الذي استهدف مسجد الروضة في العريش شمال سيناء، يوم الجمعة الماضي، بينما استشهد والدهم، عم فتحي، تاركاً خلفه عائلة تتمازج بداخلها مشاعر مختلطة ما بين سعادة النجاة، والحزن على فراق الأب، والكثير من أهل القرية. «الحمد لله رب العالمين، راضين بقضاء الله وقدره ونستقبل التهاني من الناس لا العزاء. شهداؤنا في الجنة»، بثبات وقوة يستطيع «محمد الزير» الذي استشهد عماه، رضا الطناني والحاج فتحي، والد الأشقاء الخمسة الناجين، أن يعبر عما يختلج صدر العائلة من ألم. تأخر كل من حسن وحسين وأحمد، عن صلاة الجمعة في المسجد بسبب تأخرهم في عملهم صباح ذلك اليوم، بينما كان محمد ومصطفى، داخل المسجد مع والدهما «الشهيد عم فتحي»، وما إن بدأ إطلاق النار استطاع مصطفى أن يهرب من نافذة المسجد بعد أن شاهد أعداد العناصر مرتكبة الجريمة الإرهابية، وشاهد بعينه تساقط الشهداء حوله، واستطاع الوصول إلى البيت. تمثيل بينما محمد- وفق الرواية التي ينقلها عنه الزير لـ«البيان»- فقد بقي لآخر لحظة في إطلاق النار، واستطاع أن يوهم العناصر الإرهابية مرتكبة الجريمة بأنه قد استشهد، ادّعى السقوط والموت لينجو بنفسه، وكان شاهداً على بعض التفاصيل التي وقعت خلال أكثر من نصف ساعة قضى فيها الإرهابيون على هذا الكم الهائل من المصلين. سقط فوق محمد فتحي أربعة شهداء، وتطاير دماغ أحدهم على كتفه، ومشاهد قاسية أخرى عايشها ذلك الشاب الذي شهد لحظات رعب غير مسبوقة، رأى خلالها بعضاً من مشاهد القتل الوحشي، وسمع بأذنيه صرخات الأطفال والشيوخ والرجال وهم يتلقون الرصاصات في رؤوسهم وصدورهم.. سمع صوت «بلاش الأطفال.. لا تقتل الأطفال» إلا أنهم قتلوا الأطفال جميعهم. «كنت أنتظر الموت في أية لحظة»، يقول محمد فتحي إنه عاش لحظات صعبة، ظنّ بعدها أهله أنه قد استشهد لعدم عودته أو العثور عليه. لم يعد محمد إلى منزله إلا بعد أن غادرت العناصر الإرهابية المكان واطمأن أنه قد نجا. بروح مُسلمة وراضية يقول الزير في معرض حديثه لـ «البيان»: «إنما نشكو إلى الله»، راصداً قصة سماعه بالنبأ واستغاثة أهله في «بئر العبد» بقوله: كان ذلك بعد صلاة الجمعة مباشرة، جاءنا اتصال هاتفي يبلغنا بوفاة عمي فتحي وعمي رضا، وأصوات استغاثة «الحقونا»، ذهبنا مباشرة إلى القرية، رأينا جثثاً لا حصر لها خارج المسجد، وأمهات يبكين والكل يبحث بين جثث الشهداء عن أقاربه وذويه.. تملكني الذهول، كأنني كنت في حلم! ويتابع، «دخلت المسجد، ورأيت جثثاً بأعداد رهيبة أيضاً، والدماء تملأ المكان، وطلقات رصاص في كل مكان داخل المسجد.. علمت بعد ذلك أنه فور أن أذن عمي الأذان الثاني وصعد الخطيب المنبر، واستهل الخطبة بدأ الضرب بأسلحة مختلفة». الإرهابيون المنفذون للعملية- حسب الشهادة التي ينقلها الزير- كانوا تقريباً من 20 إلى 25 شخصاً، وعلى ما يبدو أن بينهم مصريين وآخرين غير مصريين، واستغرقت العملية قرابة الأربعين دقيقة. وحول وضع أسرة الشهيد «عم فتحي» وما إذا كانت تلك العملية سوف تدفعهم لترك أرضهم وبلدهم فراراً من المخاطر التي تواجههم قال، «منذ يوم أمس ونحن نتحدث في هذه المسألة.. الأمر صعب، سوف يعودون إلى بيوتهم وأشغالهم وحياتهم»، في إشارة إلى أن الحياة سوف تستمر، وأن الإرهاب لن ينتصر.
مشاركة :