يترقب العالم اليوم تحديد مصير اسكتلندا، حيث يتوجه ملايين الاسكتلنديين في الصباح إلى صناديق الاستفتاء للإدلاء بأصواتهم بشأن ما إذا كانوا يريدون البقاء ضمن المملكة المتحدة أو الاستقلال عنها. ويقدر عدد المصوتين بنحو 4.3 مليون شخص وسيكون الناخبون مطالبين بالإجابة عن سؤال "هل ينبغي أن تكون اسكتلندا دولة مستقلة"؟ وقد شهدت الساعات الأخيرة حشدا وحشداً مضاداً من كلا الطرفين جمعا فيه كل ما يملكان من قوة، سواء القوميين الراغبين في الانفصال، أو الوحدويين الداعين للبقاء في المملكة المتحدة. وسعى كل طرف لإلقاء الكارت الأخير لديه بالتأكيد على المكاسب الاقتصادية للاستقلال أو الانفصال على أمل كسب أصوات قرابة نصف مليون ناخب لم يحسموا أمرهم بالتصويت بـ "نعم" أو "لا". وبينما علقت الصحف البريطانية الصادرة قبل يوم من الاستفتاء على الأمر بعبارة "أمة منقسمة على نفسها"، اعتبر البعض أن هذا الانقسام بدا أكثر وضوحا في صفوف القوى الوحدوية الداعية إلى البقاء ضمن بريطانيا العظمى. فالتيار المؤيد للانفصال وبصرف النظر عن فوزه أو خسارته أظهر صلابة شديدة خلال المعركة، ووحدة صفوفه بالانسياق وراء زعيمه أليكس سالموند الوزير الأول في اسكتلندا والداعي الأول للانفصال. أما القوى الوحدوية فقد شهدت صفوفها ارتباكا قبل ساعات من بدء عملية التصويت، وتعالت الأصوات المعترضة على تعهد قادة أكبر ثلاثة أحزاب بريطانية (المحافظين، والعمال، والليبراليين الديمقراطيين) بمنح اسكتلندا مزيداً من الصلاحيات والمخصصات المالية إذا صوتت بـ "لا" للانفصال عن المملكة المتحدة. وأسرع خصوم ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني داخل حزبه بالإعلان عن أن تعهده مع آخرين بمنح اسكتلندا مزيدا من الصلاحيات والمخصصات المالية يعني أن كل فرد في اسكتلندا سيكون في وضع أفضل بما يعادل 1400 جنيه استرليني مقارنة بسكان إنجلترا ومقاطعة ويلز، بل وصل الأمر إلى حد تصريح بعض أعضاء حزب المحافظين لوسائل الإعلام البريطانية بأنه إذا لم تنفصل اسكتلندا فإن مجلس العموم سيشهد "حماما من الدماء" حول الزيادات المالية التي ستمنح لإدنبرة. وأوضح الدكتور فارلي جيسون أستاذ العلوم السياسية في جامعة ويستمنستر لـ "الاقتصادية"، أن مناقشة الميزانية العامة للعام المقبل ستشهد صراعا عنيفا على تقسيم الموارد المالية بين اسكتلندا من جانب وباقي أنحاء المملكة المتحدة من جانب آخر، مشيراً إلى أن المشكلة تكمن في أن تعهدات القادة السياسيين البريطانيين "عامة" وقابلة للتأويل بطرق مختلفة. وانتقد بعض السياسيين قادة الأحزاب البريطانية على ما قدموه من تعهدات للاسكتلنديين إذا ما بقوا ضمن الإطار الجغرافي للمملكة المتحدة من منطلق أن التعهدات جاءت متأخرة وفي اللحظات الأخيرة، ومن ثم لم تترك الصدى المطلوب في اسكتلندا لأن المواطنين لم يتعرفوا على تفاصيلها أو يناقشوها بشكل عميق خلال حملة الاستفتاء. وتقلصت المعارضة الكبيرة لاستقلال اسكتلندا في استطلاعات الرأي بدرجة كبيرة خلال الصيف وأصبح الجانب الرافض للانفصال يتقدم الآن بفارق ضئيل للغاية في معظم استطلاعات الرأي. وأظهر استطلاع أجري أمس ضم عينة من 2400 شخص حول مستقبل الاسترليني كعملة لاسكتلندا إذا ما استقلت، أن 57 في المائة من الشعب الاسكتلندي على ثقة بأن إدنبرة ستكسب معركتها مع لندن وستحتفظ بالاسترليني عملة وطنية لها، بينما أعرب 38 في المائة عن عدم ثقتهم بذلك. وتأمل غالبية الدول أن يصوت الاسكتلنديون بـ "لا" في الاستفتاء لأسباب عدة تراوح ما بين المصلحة الوطنية ومقتضيات الجغرافيا السياسية حتى لا تخلق سابقة معدية لتفكك دولة في وقت مضطرب. ومن بين شركاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي قالت ألمانيا صراحة إنها تفضل بقاء بريطانيا موحدة، بينما تأمل دول أخرى مثل إسبانيا وبلجيكا وإيطاليا ألا يؤدي تصويت الاسكتلنديين إلى تفاقم مشاكل تؤثر في تماسكها الوطني. ولدى روسيا والصين وهما غالبا على خلاف مع بريطانيا في مجلس الأمن الدولي أسباب محلية تمنعهما من تمني حدوث اضطرابات في الدولة الاستعمارية القديمة، في ظل حرص البلدين على إخماد رغبات الانفصال في الداخل. أما الجماعات التي تتطلع إلى أن تصبح اسكتلندا دولة ذات سيادة فهي الشعوب المحرومة من دولة مستقلة مثل القطالونيين في إسبانيا والكشميريين في الهند والأكراد المنتشرين في تركيا والعراق وإيران الذين يتوق كثير منهم إلى تقرير المصير. وتريد حكومة منطقة قطالونيا في برشلونة الدعوة إلى استفتاء غير ملزم على الاستقلال في التاسع من تشرين الثاني (نوفمبر) لكن ماريانو راخوي رئيس الوزراء الإسباني وصف هذا الاستفتاء واستفتاء اسكتلندا بأنه "طوربيد لنسف الروح الأوروبية". وأفصحت الولايات المتحدة على لسان رئيسها باراك أوباما عن أنها تريد بقاء بريطانيا شريكا قويا وموحدا وفعالا، لكنه أكد أن الاختيار متروك لاسكتلندا. وبينما قال بيل كلينتون الرئيس الأمريكي الأسبق "إنه يأمل في أن يصوت الاسكتلنديون بالبقاء ضمن المملكة المتحدة"، مشيرا إلى مخاوف بشأن الاقتصاد، عبر مسؤولون أمريكيون عن قلقهم بشأن التداعيات العملية للتعامل مع اسكتلندا مستقلة، حيث يتم تصنيع حاملات الطائرات البريطانية وتستضيف قاعدتها الوحيدة للغواصات النووية.
مشاركة :