الرياضة مبنية على القيم السامية والتضحية من أجل مجتمعات وإنسانية مثالية، فالرياضة في الأساس أخلاق أو لا تكون.العرب رياض بوعزة [نُشر في 2017/11/28، العدد: 10826، ص(22)] لقد حان وقت تعليق نشاط دوري كرة القدم التونسي بشكل استثنائي هذه المرة، لقد حان وقت بلورة نظام جديد للبطولة، فاستشراء الفوضى في معظم الملاعب بلغ حدا جنونيا ولا يمكن معه الاستمرار في عرض المهازل على شاشات التلفزيون. رغم ضعف الدوري المحلي، الذي لا أدري لم يتم تصنيفه على أنه الأفضل عربيا وأفريقيا؟ كانت الجماهير التونسية تنتظر قمة نارية مليئة بالتشويق بين ناديين عرقيين في حجم النجم الساحلي والترجي الرياضي في كلاسيكو لم يكن خاضعا لحسابات الفوز بالبطولة أصلا. جماهير الفريقين كانت تمني النفس بالاستمتاع بعرض كروي شيق خاصة وأن “ليتوال” و”المكشخة” يشكلان العمود الفقري للمنتخب الأول الطامح في الذهاب إلى أقصى حد في كأس العالم روسيا 2018، إلا أن الكارثة حلت منذ الدقيقة الأولى للمباراة وقد تكون حلت منذ دخول اللاعبين إلى حجرات الملابس قبل إعطاء الحكم إشارة بداية المباراة. لقد شاهد الجميع تلوثا سمعيا بصريا بأتم معنى الكلمة. لم نر في المباراة سوى تبادل اللكمات بين اللاعبين الذين من المفترض أنهم واجهة تونس في اللعبة الأشهر في العالم. لقد شاهدنا اعتداءات بالأيدي والأرجل وتلاسنا بالكلام البذيء. لم نتابع جملا تكتيكية على ميدان الملعب الأولمبي بسوسة. لم نشاهد كرة القدم. لم نشاهد إلا الفوضى. أعمال العنف التي لا تمت للرياضة بصلة في تلك المباراة الشحيحة فنيا وأخلاقيا وبلا روح رياضية، كانت كافية لإشعال نار الغضب بين أغلب المتابعين لكرة القدم، ليس في تونس فحسب، بل خارج حدود البلاد أيضا وحتى أولئك الذين لا يفقهون شيئا في عالم المستديرة. مع الأسف الكل وقف على سلوكيات مخجلة من اللاعبين وحتى المسؤولين في الناديين تجعل من الضروري استعمال القوة وبحزم شديد للتصدي لهذه الظاهرة التي استفحلت بشكل كبير في السنوات الأخيرة وباتت دليلا واضحا على عجز المسؤولين عن علاجها بشكل جذري. ما حصل في مباراة النجم والترجي وقبله في عدة مباريات في البطولة وحتى بطولة الدرجة الثانية ودوري الهواة يعكس ضحالة مستوى الرياضة في تونس، فمنذ سنوات تشهد الملاعب منعطفا خطيرا بتصاعد العنف البدني واللفظي، إلى جانب توتر العلاقات بين الأندية بسبب التحكيم الضعيف، ما يستدعي طرح تساؤلات حول اتجاه الرياضة في تونس مستقبلا. في مارس الماضي لوحت وزيرة الرياضة ماجدولين الشارني خلال اجتماع مع رئيس الجامعة التونسية لكرة القدم وديع الجريء ورؤساء الأندية المحترفة، بإيقاف الدوري إذا ما حصلت أحداث شغب قد تؤثر على الأمن القومي للدولة. فهل حان الوقت لذلك؟ ما حدث في مباراة الكلاسكيو مساء الأحد ينطبق عليه هذا التوصيف، وعليه فإن تعليق نشاط البطولة اليوم يبدو أمرا حتميا لإعادة هيكلة الدوري واعتماد قوانين وضوابط ولوائح تؤسس لكرة قدم حديثة تجمع البعد الأخلاقي بالرياضي. فهل تتحرك الشارني هذه المرة ويكون لها السبق في إخراج كرة القدم من مأزقها. من المؤكد أن فتح نقاش جاد وشامل بين كافة الأطراف الرياضية والاجتماعية والمدنية وحتى السياسية إن لزم الأمر لتشخيص أزمات الرياضة الحالية وخاصة أزمة كرة القدم، أصبح مطلبا ملحا لوضع حلول مناسبة للخروج من هذه الرداءة التي لا تسيء فقط للرياضيين، بل تتجاوز ذلك لتمس من سمعة تونس. من البديهي القول إن الرياضة مبنية على القيم السامية والتضحية من أجل مجتمعات وإنسانية مثالية، فالرياضة في الأساس أخلاق أو لا تكون، حيث أن تحقيق تلك الأهداف يتطلب أرضية صلبة ومناخا نظيفا وهو ما نفتقده بالفعل في تونس ويجعلنا نتأكد أن العنف في ملاعبنا لا يزال ملفا مفتوحا يحتاج إلى وضع النقاط على الحروف. قوانين تنظيم اللعبة وحدها لا تكفي للحد من خطورة توسع العنف في الملاعب إذا لم تكن مقرونة بسلسلة من القرارات الرادعة لا سيما مع تزايد مكانة الأندية الرياضية في توعية الجماهير الذين يعتبرون مرآة عاكسة لما يحصل فوق الميدان. إن العنف في الملاعب قضية لا يمكن التعامل معها بشكل سطحي وحصرها في سلوك بعض اللاعبين أو مجموعة من الجماهير المتعصبة أو تحميل المسؤولية لجهة دون غيرها. القضية أبعادها أخطر بكثير لأن المسؤولية تقع على عاتق الجميع دون استثناء وحتى من هم في هرم السلطة. صحافي تونسيرياض بوعزة
مشاركة :