من النادر أن ترى زوجين عربيين يليق أحدهما بالآخر في مجتمعاتنا، وربما أهم الأسباب في تلك الزيجات غير المتكافئة هو خوف الشباب والفتيات على وجه الخصوص من الظاهرة واسعة الانتشار في أيامنا، والتي يسمونها العنوسة فتفضل الفتاة الارتباط بمن لا يشبهها أبداً، ولم تتصور يوماً أنه قد يمكنها العيش معه، على أن تبقى في بيت أهلها ثم تضيق بها الفرص في الزواج حتى تكاد تنعدم. وكذلك الشاب حين يشعر أن العمر به تقدم يتزوج كيفما كان ويجد نفسه مضطراً إلى خطبة تقليدية من فتاة تنتقيها له أمه، ولا يدريان أنهما بقرارهما الجائر ذاك يكونان قد أثرّا سلباً على مجتمع بأسره وليس على نفسيهما وأسرتيهما المستقبلية فحسب، فالأسرة هي نواة المجتمع وطمأنينة هذه الأسرة ورضاها وأمنها الداخلي سينعكس إيجاباً حتماً على المجتمع، والعكس صحيح، فالأسر غير المستقرة وغير المتفاهمة ستنتج مجتمعاً قليل الصلاح وقليل التماسك. ربما معذورون نحن في مجتمعات الكبت التي نعيشها إن أخطأنا التصرف أو الاختيار، فنحن ما اعتدنا أن نختار أقدارنا ولا أزواجنا، وهذا ما ألفينا عليه آباءنا بل وأجدادنا من قبل، وككل الفوبيات التي ورثناها عنهم ورثنا عنهم فوبيا العنوسة أيضاً، التي تقضي على كثير من أحلام الشباب والفتيات بأن يتزوجوا زواجاً منطقياً مناسباً، أو ممن يحبون، فالزواج المتكافئ والزواج عن حب يعني التضحية بموضوع الوقت، وانتظار الحبيب المناسب المطابق لأحلامنا، والذي يشبهنا أو يفهمنا على الأقل قد يطول كثيراً انتظاره. وما يزيد رهبتنا من التأخر في موضوع الزواج النماذج الكثيرة التي نراها من حولنا لأشخاص أقل ما يمكن تسميتهم بالانتحاريين بالنسبة لمجتمعاتنا الجبانة؛ لأنهم تحدوا التقاليد وكلام من حولهم، وآثروا انتظار ما يريدون على الارتباط بشخص لا يناسبهم، ثم تآمرت عليهم الظروف فخذلهم الشخص المنتظر أيضاً ولم يأتِ هو أيضاً، فصاروا فزاعة يستخدمها الجهلة يخوفون فيها الشباب كي لا يتأخروا، ولا يدري أولئك الجهلة الذين ارتبطوا بأشخاص غير مناسبين ورضوا بزيجات غير متكافئة أنهم دفنوا أنفسهم أحياء بخطوتهم الخاطئة تلك، حين كان الأمر الأهم بالنسبة لهم هو الزواج فقط، الزواج دون عمل حساب للاعتبارات الأخرى، ودون دراسة تبعات الزواج غير المتكافئ. ولعل مبرر الأشخاص الذين يكون زواجهم عبارة عن تحصيل حاصل في ذلك هو المثل الشائع القائل بأن الزواج قسمة ونصيب، وأن المرء مهما سعى فهو لن يحصل في النهاية إلا على ما هو مقدر له في كل الأشياء في الحياة، ومنها بل وأولها الزواج، وذلك الاعتقاد يخالف ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، حين قال: اظفر بذات الدين تربت يداك. والظفر يستلزم من المرء بحثاً وسعياً، وقوله أيضاً: تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس. وعن تزويج الشباب أيضاً قال صلى الله عليه وسلم: إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه. وذاك دليل انتظار الشخص المناسب لكلا الجنسين، وبالتأكيد أن من صح عنه دينه وخلقه فقد صح معاشه وأمره كله، وأنه قادر على أن يلبي الطرف الآخر ويرضيه، ويكون مشابهاً له ومنسجماً مع متطلباته، أما إن فسد الدين والخلق فلا أمل في أشياء أخرى. حذارِ معشر الشباب من الارتباط بمن لا يشبهكم حتى وإن اضطررتم إلى العيش وحيدين طوال أعماركم، فزواجكم بمن لا يشبهكم خيانة لأنفسكم ولعائلة ستكونون أنتم ولاة أمرها. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :