وصف وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ، مشاركته في أعمال وفعاليات المؤتمر الدولي لمسلمي آسيان بالمناسبة السعيدة؛ للشراكة بين المملكة العربية السعودية والحكومة الماليزية. جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها في الحفل الختامي للمؤتمر الذي اختتمت فعالياته اليوم الاثنين التاسع من شهر ربيع الأول 1439هـ، الذي تنظمه المملكة العربية السعودية ممثلة في وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بالعاصمة الماليزية كوالالمبور. وقال إن الشراكة الحقيقية بين المملكة والحكومة الماليزية شراكة كاملة شملت أعمق أنواع التفاهم في المجالات السياسية، والتعاون الاقتصادي، والتعاون الدفاعي العسكري في مواجهة الإرهاب الذي يوجه تهديدًا وخطرًا على الأمة الإسلامية وعلى الإنسان بعامة, كما أنها شراكة حقيقية في مجال تقوية أهل السنة والجماعة، ونشر المفاهيم الدينية الكاملة الوسطية. وتابع يقول: إن إقامة مؤتمر خير أمة في هذا الوقت مهم جدًا؛ لأن التحديات الكبيرة التي تمر بها الأمة في توضيح حقيقة الإسلام ونبذ ورد كل وصم للإسلام والمسلمين بدعاوى الإرهاب أو التضليل أو الإفساد في الأرض أو عدم النفع للإنسان نرى أن في هذا المؤتمر تأكيدًا لدور الأمة في رد كل المعاني السيئة التي يوصم بها الإسلام أو توصف بها هذه الأمة. أيضًا نرى في هذا المؤتمر تقوية حقيقية أصيلة لأهل السنة والجماعة الذين هم غالبية الأمة الإسلامية وهذه السلسلة من المؤتمرات (أمة وسطا(، التي تقوم بها وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية في دول آسيان. وأردف: اخترنا أن تكون المحطة الأولى والمهمة لهذه السلسلة في دولة ماليزيا؛ لإيماننا العميق بأثر حكومة ماليزيا وسياساتها وجديتها في التعاطي مع القرارات المهمة في المنطقة وفي العالم الإسلامي. واستطرد: بل في العالم إثر قراراتها المهمة في قيادة الحراك الجاد للمسلمين في دول آسيان إن ماليزيا دولة مهمة للغاية للعالم الإسلامي بعامة؛ لأن لدى قادتها الشجاعة والقدرة على اتخاذ القرارات المهمة المصيرية التي تساند الحق وتؤيد الخير وتنبذ الشر وتقلل من وسائل تفريق الأمة أو من تسلط أعداء الأمة عليها. ولفت إلى أن التعاون الكبير بين المملكة وماليزيا نموذج حي للشعور بالمسؤولية تجاه الأمة الإسلامية وتجاه العالم في تأكيد كل معاني الخير والبذل والعطاء فيما فيه خير البشرية جمعاء. وأكد الوزير الشيخ صالح آل الشيخ أن التعاون بين العلماء ضرورة لا محيد عنها في كل وقت، وفي هذا الوقت بخصوصه، مبينًا أن التاريخ علمنا أن الإمام مالك بن أنس إمام المالكية كان شيخًا ومعلمًا للإمام محمد بن إدريس الشافعي إمام الشافعية، وعلمنا التاريخ أيضًا أن الإمام محمد بن إدريس الشافعي كان شيخًا وأستاذًا ومعلمًا للإمام أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ــ رحمهم الله تعالى ــ فهؤلاء الأئمة الأربعة أبو حنيفة مع هؤلاء الأئمة الثلاثة الذين انتشرت مذاهبهم ومثَّلتْ أهل السنة والجماعة كانوا من رحم واحد واستقوا من مشكاة واحدة ونبعوا وأخذوا من الكتاب والسنة ولذلك مثلوا بأتباعهم أهل السنة والجماعة. وقال: اجتماع كلمة أهل السنة والجماعة وعدم تفرقهم هو إحياء لمدارسهم التي كانت متفقة في الأصول ومجتمعة في القلوب ومتآخية في المحبة. وأشار إلى أن أسباب قوة الأمم يجب البحث عنها بين العلماء ويجب الأخذ بها، لأن تحصيل القوة والبحث عنها مهم؛ لأن الله ـــ جل وعلا ـــ قص علينا في القرآن الكريم خبر ذي القرنين، وتابع: قال تعالى: {ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا* إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا * فأتبع سببا}, آتيناه من كل شيء سببًا من أسباب القوة وأسباب التمكين وأسباب الريادة وأسباب أن يكون الناس معه لا ضده. وواصل: لذلك كان من اللوازم أن نبحث عن أسباب القوة فنأتي إليها ونأخذ بها ونبحث عن أسباب الضعف ونبتعد عنها ونحذِّر منها ومن أولى بذلك من العلماء الذين يحملون وراثة المصطفى ــ صلى الله عليه وسلم ــ. وقال الشيخ صالح آل الشيخ: لقد انتصر محمد بن عبدالله ـــ عليه الصلاة والسلام ــ ولما بعث النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ــ بالرسالة كانت هناك أمم عظيمة وحضارات قوية لكن رفع الله شأن نبيه ـــ صلى الله عليه وسلم ــ قال الله تعالى لنبيه: {ورفعنا لك ذكرك}. ونبينا ــ صلى الله عليه وسلم ـــ هو إمام أهل السنة والجماعة وبسنته نأخذ، بحث عن أسباب القوة قال له الله ـــ جل وعلا ــ: {فاصفح}، أي: عن المشركين والكافرين ومن خالفه, قال له هذا في وقت من أوقات سيرته وحياته {فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون}, وقال له أيضًا: {ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}. وأكد أن العزة الإيمانية علمناها محمد بن عبدالله رسولنا وإمامنا وقدوتنا وسيدنا ــ عليه الصلاة والسلام ــ علمنا العزة وحذرنا من الانهزامية، قال تعالى: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون}. وأبان الوزير أن من يمتلك الحضارة وأسبابها يمتلك القوة؛ فالقوة لا تأتي بالإيمان المجرد، فالإيمان يعطي القوة الروحية، لكن القوة على الأرض يمتلكها من امتلك أسباب الحضارة والقيادة والريادة, لذلك من امتلك الحضارة استطاع أن يمتلك إدارة الناس وأن يمتلك الإعلام والاقتصاد. وأردف: واستطاع أن يؤثر في السياسة بل في مجريات حياة الناس وأخذ الرأي العام إليه, مشيرًا إلى أن العلماء في ضعف كبير ولكن يمكن أن يتقووا إذا اتحدوا ووسَّعوا مداركهم وعرفوا أسباب تحصيل القوة. واستطرد: إن الله ــ جل وعلا ـــ قص علينا في القرآن وبين لنا أن التاريخ البشري قسمه الله بين الناس فلم يجعل الريادة فيه وامتلاكه حكرًا على أتباع الرسل ولا على أتباع محمد بن عبدالله ـــ عليه الصلاة والسلام ــ على الرغم من منزلتهم عند الله- جل وعلا-؛ لأن الله ـــ سبحانه ـــ لا ينجي المؤمن الصالح إذا خاض البحر وهو لا يحسن السباحة؛ إذ لا ينجو من الغرق إلا من يحسن السباحة، ولا يسبق إلا العدَّاء المؤمن؛ فالإيمان وحده لا يهيئ له أن يكون عدَّاءً يسبق الناس في العَدْو ويسبقهم في الميدان، لا بد أن تكون معه الأسباب, فالتاريخ البشري قسَمه الله بين الناس، قال تعالى: {وتلك الأيام نداولها بين الناس}, ولذلك فإن الأخذ بأسباب النجاح مطلوب وواجب شرعي. وفي نهاية كلمته، شكر الشيخ صالح آل الشيخ الحكومة الماليزية ممثلةً في دولة رئيس مجلس الوزراء ومعالي نائب رئيس الوزراء والمكتب الخاص في مكتب دولة رئيس الوزراء، ووزارة الاتصالات، ووزير الشؤون الدينية، والجهات الخيرية والشعبية والجمعيات التي أسهمت في إنجاح المؤتمر، كما شكر سفارة خادم الحرمين الشريفين في ماليزيا ممثلة في سعادة السفير محمود حسين قطان وجميع زملائه، مزجيًا شكره لوكالة الوزارة للشؤون الإسلامية، ومكتب الملحق الديني وجميع من أسهم في نجاح المؤتمر والتنظيم له، وجميع العلماء أساتذة الجامعات الذين سجلوا في المؤتمر وجعلوا منه مؤتمرًا ناجحًا بالشراكة الكاملة بين علماء المملكة وعلماء دولة ماليزيا. وكان الحفل الختامي للمؤتمر قد بدأ بتلاوة آيات من القرآن الكريم، ثم ألقى رئيس جمعية الخادم الشيخ حسين بي عبدالله كلمة رحب فيها بالرعاة لهذا المؤتمر والمشاركين في أعماله، كما أكد أن المؤتمر فرصة تاريخية لمزيد من التعاون بين العاملين في الدعوة في آسيا لإصلاح المجتمعات المسلمة، وقال: إننا نعيش مرحلة تاريخية متميزة تقوم على التعاون في مختلف المجالات ولاسيما في مجال نشر مفهوم الوسطية والاعتدال وقيم وتعاليم الإسلام وسماحته وتوحيد الصف الإسلامي لمواجهة التحديات التي يأتي في مقدمتها خطر الغلو والتطرف. وثمّن رئيس جمعية الخادم الجهود الكبيرة التي بذلها المنظمون والداعمون للمؤتمر والتي أثمرت نجاحه وظهوره بهذا المظهر الذي جسد قوة الترابط بين علماء آسيان والعاملين في مختلف مجالات العمل الإسلامي. وأكد الشيخ حسين بي عبدالله ــ في نهاية كلمته ــ أهمية العمل على توحيد الجهود لخدمة الإسلام وأن يكون الجميع على قلب رجل واحد في الدفاع عن الإسلام الوسطي البعيد كل البعد عن التطرف والإرهاب، سائلاً الله للجميع التوفيق والسداد. ثم ألقى نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية الماليزي داتو سري دكتور أحمد زاهد حميدي كلمة شكر في مستهلها جميع الجهات التي أسهمت في تنظيم المؤتمر، منوهًا بالحضور الكبير والمشاركة الفعّالة في المؤتمر من قِبل العلماء والأكاديميين الذي جاؤوا من آسيان ودول عربية؛ ليتبادلوا المعارف والخبرات في مختلف التخصصات؛ لتوفير المدخلات وتعزيز دور ومساهمات الإسلام في بناء الأمة وتوحيد آسيان بأسلوب شامل. وأضاف: يجب أن نحمل التحديات التي نواجهها اليوم محمل الجد، فنحن بحاجة إلى استراتيجيات للتغلب عليها، فلا يمكننا التحرك بمفردنا. وعلينا أن نتفق ونواجه ونعالج ما يسمى بـ(الإسلام فوبيا)، وصورة الإسلام الراقية لابد أن تعود مرة أخرى, والمآسي الإنسانية ذات الصلة بالإدراك الخاطئ للإسلام يجب أن توضح وتصحح. وأردف يقول: نحن بحاجة إلى توضيح واقع الدين الإسلامي، وطريقته الصحيحة، ونحن أيضًا بحاجة لتسليط الضوء على فضل هذه الأمة، وعلى العدل في الإسلام، والاعتدال في سيرة النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ وأصحابه، نعم، فإن ذلك يشكل تحديًا كبيرًا، ولدينا هم وتوجه مشترك ضد الإرهاب لنأخذ نهجًا مشتركًا في محاربته، وعلينا أن نكثف جهودنا لإيقاف ما يجري الآن في الشرق الأوسط من حروب، ولا يمكننا كذلك أن نكون مجرد شاهد لمعاناة محنة مسلمي الروهينجا في ميانمار ونطالب بحل سريع وملموس قبل أن يخرج الوضع عن متناول اليد. وواصل نائب رئيس الوزراء الماليزي قائلاً: لابد أن نخبر العالم، ونؤكد له عدالة الإسلام وسلامته، ومن مظاهر الإرث العلمي والعملي للعلماء المسلمين العظماء، رفضهم للتعصب، وفي مقدمتهم الأئمة الأربعة أبو حنيفة, ومالك, والشافعي، وأحمد بن حنبل (رحمهم الله)، ولا بد من التعاون في توحيد أهل السنة والجماعة في قارة الآسيان، وحمايتهم من المذاهب المنحرفة التي تنوي تمزيق كلمتهم ونشر الطائفية والخلافات بينهم. وقال: هذا في غاية الأهمية للسيطرة على انتشار أي شكل جديد من الجماعات الإرهابية، وعلينا أيضًا توضيح الانحراف الكبير في الأفكار والطرق، والتطرف التعسفي؛ من أجل حماية المجتمعات الإسلامية في آسيان من أخطارها، والتي تلتزم بالمنهج الوسطي للإسلام من خلال رفض جميع أشكال الاتهام والتطرف والعنف والشكوك الموجهة للإسلام من قِبل وسائل الإعلام وغيرها. وتابع: يجب التذكير أن نجاحنا بعد ذلك يعتمد أيضًا على قوتنا ووحدتنا والأخوة في السنوات القادمة، فالتحدي الأكبر هو التغلب على تصور الكثيرين فيما يتعلق بمنهاج أهل السنة والجماعة، من خلال تزويدهم بالمعرفة الحقيقية للإسلام، وتثقيفهم لفهم واضح وأفضل وأرقى للأمة كالسلف الصالح، مؤكدًا أن هذا المؤتمر مهم جدًا للمجتمع في آسيان كمنصة لتبادل الأفكار بين العلماء والأكاديميين والمفكرين. وخلص إلى القول: إن الحكومة الماليزية تدعم أي جهد لبناء خير أمة، وأمة أفضل، وتجنب التطرف، وخير الأمة هو جدول أعمال الحكومة الرئيس لبناء الأمة والتي هي الوسطية وفقًا للكتاب والسنة بفهم الصحابة والعلماء من السلف الصالح وأتباعهم بإحسان، ولن نضيع هذه الفرصة الذهبية لتأسيس وإقامة علاقات بين الآسيان والأمة العربية مما يمهد الطريق لتعزيز الروابط بينهم، قال تعالى: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لاملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين}. وفي نهاية كلمته طلب الدكتور أحمد زاهد حميدي من الوزير الشيخ صالح آل الشيخ عقد الدورة الثانية للمؤتمر في مملكة ماليزيا. وفي نهاية الحفل تم توزيع الهدايا التذكارية، ثم التقطت الصور الجماعية.
مشاركة :