أهداف الهجوم الإرهابي على مسجد الروضة ودلالاته

  • 11/29/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

اهتزت مشاعر المصريين بعنف إثر الهجوم الإرهابي الذي استهدف أخيراً مسجداً في قرية الروضة في شمال سيناء، وأدى إلى استشهاد 305 مصلين من بينهم 27 طفلاً، وإصابة 128. فالهجوم هو الأول من نوعه في تاريخ مصر الحديث، ومن هنا سيطر الحزن والتعاطف والصدمة والحيرة على قلوب غالبية المصريين وعقولهم، إضافة إلى المطالبة بالثأر من القتلة والاستمرار في ملاحقة الإرهابيين. ربما تابع المصريون في السنوات الأخيرة أخبار الهجمات الإرهابية ضد مساجد في العراق وأفغانستان وباكستان على خلفية صراع سياسي- طائفي، لكنهم لم يتوقعوا أن يضرب الإرهاب مسجداً داخل مصر، لأسباب كثيرة، منها أن المجتمع المصري لم يعرف تاريخياً الانقسامات والصراعات الطائفية، كما أن أدبيات سلوك الجماعات الإسلاموية المتطرفة التي ظهرت في مصر لم يسبق لها استهداف مساجد أو زوايا فيها مصلون. ومع ذلك كانت هناك تحت السطح مقدمات وإشارات للخطر، أهمها أن تنظيم «بيت المقدس» المرتبط بـ «داعش» فجّر في السنوات الخمس الأخيرة عدداً من الأضرحة في شمال سيناء، واختطف العام الماضي سليمان أبو حراز (98 سنة) أحد أكبر مشايخ الصوفية، وقام بذبحه ونشر صور الجريمة على مواقع الإنترنت. وقبل أسابيع هدّدت العناصر الإرهابية أهل قرية الروضة بالتوقف عن حلقات الذكر التي كانت تقام في المسجد، أو استضافة شيوخ الصوفية، والتوقف عن التعاون مع الشرطة والجيش. هذه المعلومات قد تفسر جزئياً بعض دوافع «دواعش» سيناء للهجوم على المسجد، لكن هناك رسائل أخرى تتجاوز فكرة استهداف الطرق الصوفية (التي تتهمها الجماعات الإرهابية بالخروج عن الإسلام) أهمها: أولاً: أن هزيمة «داعش» في العراق وسورية، وحصار «دواعش» سيناء في منطقة محدودة من شمال سيناء دفع التنظيم الاهابي لتوجيه ضربة غير تقليدية وغير أخلاقية، يستهدف بها تأكيد حضوره وقدرته على ممارسة الإرهاب والإيذاء والترويع. في هذا السياق يحاول التنظيم إثارة الخوف بين أهالي سيناء ومنعهم من التعاون مع الجيش والشرطة من جهة، وتفريغ شمال سيناء من السكان من جهة ثانية، والإيقاع بين قبائل وعشائر سيناء على خلفية التعاون مع الدولة أو مع «الدواعش» من جهة ثالثة. ثانياً: محاولة تحدي الدولة المصرية وتصويرها كطرف غير قادر على حماية مواطنيها، وبالتالي التشكيك في وضعية الأمن والاستقرار، مما قد يؤثر سلباً في السياحة والاستثمار الأجنبي. وهنا تجدر الإشارة إلى أن «دواعش» سيناء قاموا بتهديد أقباط سيناء وقتل عدد منهم، ما أدى إلى نزوحهم إلى مدن وقرى القناة ودلتا النيل. كما سبق لعناصر من «دواعش» سيناء تفجير كنيستين خلال هذا العام. ثالثاً: إثارة قدر من الارتباك في استراتيجية الدولة المصرية لمواجهة الإرهاب، حيث يكشف هجوم «دواعش» سيناء عن استمرار التنظيم والجماعات الإرهابية الأخرى في توجيه الضربات ضد أهداف سهلة ذات أثر نفسي وإعلامي كبير، وهي أهداف كثيرة ومنتشرة في شتى بقاع مصر ولا يمكن من الناحية العملية لأي دولة توفير حماية كافية لها. إذ تنتشر في مصر آلاف المساجد والكنائس والتي يبدو أنها باتت في مرمى نيران الإرهابيين، ما يستلزم سرعة القضاء على الجماعات الإرهابية في سيناء والدلتا والصحراء الغربية، لكن تبقى جدلية أنه كلما زادت قدرات الدولة على إضعاف التنظيمات الإرهابية والقضاء عليها، اندفع بعض عناصرها إلى ارتكاب أعمال انتقامية لا يبررها عقل أو دين أو أخلاق. وهو ما حدث خلال هذا العام، إذ فجّر الإرهابيون كنيستين وهاجموا باصاً ينقل مواطنين مسيحيين في طريقهم لزيارة دير، ثم هاجموا المصلين في مسجد. رابعاً: استمرار الجماعات الإرهابية في محاولة تشتيت جهود الدولة المصرية في التنمية ومحاربة الإرهاب من خلال توجيه ضربات من أقصى الغرب عند الحدود المصرية الليبية (حادث الواحات الشهر الماضي) وضربات من أقصى الشرق في سيناء، مع السعي لتدبير هجمات في الدلتا ووادي النيل، لكن قوات الأمن نجحت الأسبوع الماضي في إجهاضها من خلال ضربات استباقية لعدد من الخلايا الإرهابية التابعة لـ «الإخوان» والتنظيمات التكفيرية كان بحوزتها أسلحة ومتفجرات معدة لتنفيذ عمليات إرهابية. إن الأهداف الأربعة للإرهابيين في سيناء ومن يقف وراءهم من قوى إقليمية أو دولية لن تتحقق، وإنما على العكس حدث نوع من التضامن والالتفاف حول الدولة في جهودها لمكافحة الإرهاب، لا سيما أن دموية ولا أخلاقية الهجوم الإرهابي على المصلين في مسجد الروضة فجّرت مشاعر إنسانية ووطنية عامة ضد الجماعات الإرهابية، ستدفع قبائل وعشائر سيناء إلى الوقوف صراحة مع الدولة وحرمان الجماعات الإرهابية من أي دعم مادي أو معنوي. ما يعني أن بشاعة الحادث الإرهابي ستحرم «الدواعش» من البيئة الحاضنة وتقضي على فكرة الحياد في معركة الجماعات الإرهابية والدولة والتي كان يؤمن بها بعض أبناء سيناء. وأتصوّر أن هناك دوراً مهماً للدولة والإعلام للاستفادة من هذا التغير في المناخ العام بين أبناء سيناء وتعظيم نتائجه، وذلك من خلال مراجعة الأداء الأمني في سيناء بهدف تطويره ودعمه، مع التأكيد على أن الحل الأمني لا يكفي ولا بد من رؤية شاملة تجمع بين التنمية والحل الأمني والسياسي والتعليمي والتثقيفي. في هذا الإطار، لا بد من تعظيم جهود التنمية في سيناء علاوة على تنظيم حملات توعية دينية وسياسية وبناء وتطوير علاقات الثقة المتبادلة بين أجهزة الدولة وقيادات الرأي ومشايخ عشائر وقبائل سيناء. ولكن يجب الانتباه والحذر من دعوتين، الأولى: دعوة البعض إلى تسليح أبناء سيناء لحماية أنفسهم والاشتراك في معركة الدولة ضد الإرهاب على غرار تجربة الصحوات، لأن مثل هذه الدعوة تعني الإقلال من دور ومكانة الدولة والتشكيك في قدراتها، وفتح الطريق أمام حروب ومواجهات قبلية لا يمكن السيطرة عليها أو استشراف مستقبلها. أما الدعوة الثانية فهي تهجير أهالي شمال سيناء حتى يتمكن الجيش من مواجهة الإرهابيين من دون الاحتكاك بالمواطنين المسالمين. ولا شك في خطورة هذه الدعوة التي يطلقها بعض أدعياء التحليل الاستراتيجي، لأنها تتعامل مع أهالي سيناء وكأنهم غير مصريين، إذ تشكك ضمناً في ولائهم، وانتمائهم الوطني، كما تحملهم أعباءً اقتصادية واجتماعية هائلة. والأخطر أن تفريغ شمال سيناء من السكان- حتى وإن كان لفترة محدودة– سيصب في مصلحة الأطماع الإسرائيلية بشأن توطين الفلسطينيين في هذه المنطقة، وهو ما طرحته صراحة وزيرة المساواة الاجتماعية في حكومة نتانياهو، جيلا جمليئيل، قبل بضعة أيام من وقوع الحادث.     * كاتب مصري

مشاركة :