مفوضية الاتحاد الأفريقية قفزت على موقف أبيدجان ووجهت الدعوة إلى جبهة البوليساريو، وهذا برهان على الانقسامات الواقعة في الاتحاد، ودليل واضح على الاختراقات الحاصلة فيه.العرب إدريس الكنبوري [نُشر في 2017/11/29، العدد: 10827، ص(6)] القمة الأفريقية الأوروبية الخامسة التي ستعقد في أبيدجان، عاصمة ساحل العاج، نهاية الشهر الحالي، تأتي في ظل ظروف صعبة على الصعيد الأفريقي، وفي ظل خلافات بين الأوروبيين والأفارقة حول مستويات التعاون والخيارات الممكنة لتطويره، بالشكل الذي يضمن الاعتراف بالمصالح الأفريقية، وينهي علاقة اللاتكافؤ التي طبعت التعامل بين الشمال والجنوب طيلة الفترات الماضية. القمة ستنصب أساسا على بحث قضايا الهجرة والشباب والأمن، وهي القضايا التي تشغل الأوروبيين والأفارقة على التساوي، لكن المقاربات مختلفة. ورغم ما يبدو من تعدد تلك القضايا إلا أنها في جوهرها قضية واحدة، تتعلق بفرص التنمية في القارة الأفريقية وتحقيق أسباب النهوض بالوضع الاقتصادي. فالهجرة اليوم يصنعها شباب أفريقي ضائع، والتطرف الذي هو عنوان غياب الأمن والاستقرار يُستخدم فيه هؤلاء الشباب الذين يتم استقطابهم للجماعات الإرهابية التي تتغذى على الهشاشة، والقضاء على هذا الثالوث الجهنمي رهين بمدى تفهم الاتحاد الأوروبي لحاجيات الأفارقة، وبمدى الاستعداد لتجاوز النظرة الاستعمارية الكلاسيكية التي تتجه من الأعلى إلى الأسفل، وتعتبر الدول الأفريقية مستعمرات سابقة مازالت في مرحلة البحث عن الذات. ويأتي موعد القمة في الوقت الذي تم فيه الكشف عن أسواق للمهاجرين الأفارقة الذين يباعون في أسواق للعبودية في ليبيا، بعد بث فيديو على قناة”سي إن إن” الأميركية هز مشاعر البلدان الأفريقية، ودفع الاتحاد الأفريقي إلى الخروج عن صمته والتعبير عن الغضب. وقد كان هؤلاء المهاجرون في ليبيا بشكل مؤقت بانتظار الهجرة السرية إلى البلدان الأوروبية، ولكن لا أحد يمكنه التكهن بما إن كان بين هؤلاء عناصر تابعة للجماعات الإرهابية تسعى إلى التسلل إلى الضفة الشمالية، وهذا وحده كاف للدلالة على الترابط المحتمل بين الهجرة والإرهاب. وبينما يريد الأوروبيون حماية أمنهم بإقناع الأفارقة بإبقاء هؤلاء المهاجرين فوق أراضيهم، إلا أنهم لا يبذلون ما يكفي من الجهود لتقديم المساعدات لهذه البلدان من أجل خلق بدائل اقتصادية تقنع الشباب المرشح للهجرة بالبقاء. غير أن الأوضاع الاقتصادية والتفاوت بين الضفتين لا يقودان إلى الهجرة فحسب، بل إلى تطعيم التطرف والإرهاب اللذين تدفع القارة الأفريقية ثمنهما باهظا. فخلال العام الجاري أودت العمليات الإرهابية التي حصلت في عدد من البلدان الأفريقية بضعف عدد الضحايا الذين لقوا حتفهم بسبب فيروس إيبولا الفتاك. والإرهاب لا يقتصر على منطقة دون أخرى أو بلد دون آخر في القارة، بل يتركز في ثلاث جبهات أساسية، في الجانب الشمالي، وفي منطقة الساحل، وفي الجهة الشرقية للقارة. ولكي يتم التصدي للجماعات الإرهابية من ناحية، ومواجهة أسباب التطرف في بيئته من ناحية أخرى، لا بد من خلق شراكة أمنية واقتصادية بين البلدان الأفريقية؛ ولكن هذا الهدف بقدر ما يبدو هاما وضروريا بقدر ما يبدو بعيد المنال في المرحلة الراهنة، بسبب الخلافات الحاصلة بين العواصم الأفريقية. كمثال على ذلك، الجدل الذي أثير حول مشاركة جبهة البوليساريو الانفصالية في هذه القمة، وهي أحد أسباب الخلافات التي يمكن أن تؤثر غدا على فرص التقارب والتعاون بين الأفارقة. لقد أبدى المغرب عدم رغبته في مشاركة الجبهة، واصطف عدد من أعضاء الاتحاد الأفريقي ممن لا يعترفون بالجبهة إلى جانبه في موقفه، بل إن البلد المضيف، الكوت ديفوار، رفض توجيه الدعوة رسميا إليها بالمشاركة، ولكن مفوضية الاتحاد الأفريقية قفزت على موقف أبيدجان ووجهت الدعوة إلى الجبهة، وهذا برهان واضح على الانقسامات الواقعة في الاتحاد، وعدم القدرة على التعامل المشترك في القضايا الخلافية، بل إنه دليل واضح على الاختراقات الحاصلة في الاتحاد، إذا علمنا أن هذه هي القمة الأوروبيةـالأفريقية الأولى التي ستحضرها جبهة البوليساريو، وأنه ليس مستبعدا أن ذلك حصل على إثر عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي لأهداف معينة، بعضها يرمي إلى إحراجه. كاتب مغربيإدريس الكنبوري
مشاركة :