قمّتا «سوتشي» ترسمان ملامح التسوية في سوريا

  • 11/30/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

د. عبد المنعم المشاط في قمة سوتشي بين الرئيسين الأسد وبوتين في 20 نوفمبر، والتي استمرت لأربع ساعات، صرّح الرئيس بوتين بأن العمليات العسكرية في سوريا تمت بنجاح، وأن الطريق أصبح مفتوحاً أمام التسوية السلمية التي ينبغي أن تتم تحت ظلال الأمم المتحدة، وقدّم بشار الأسد الشكر للرئيس بوتين والقيادات العسكرية الروسية وعلى رأسها وزير الدفاع سيرچي شويجو، لأن العمليات العسكرية الروسية ضد الإرهاب و«داعش» ساعدت على الحفاظ على استقلال وسيادة سوريا ووحدة كيانها.بوتين أكد أن العمليات العسكرية قد حققت الهدف منها، وأن الأسد على استعداد للتعاون مع كافة القوى السورية التي تصبو إلى السلام، كما ناقش الطرفان انعقاد المؤتمر الوطني السوري في سوتشي، الذي يضم كافة القوى السورية.وكان قد سبق هذه القمة لقاء لوزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران في جنوب تركيا في 19 نوفمبر للبحث في الإعداد لقمة ثلاثية في سوتشي، وهي القمة التي جمعت الرؤساء بوتين ورجب طيب أردوغان وحسن روحاني في 22 نوفمبر؛ حيث تمت مناقشة عمليات إعادة الإعمار في سوريا، وهي العمليات التي هدّد الاتحاد الأوروبي بأنه لن يشارك فيها إذا لم تتم العودة إلى مسار جنيف برعاية الأمم المتحدة، وهو المسار المتوقّف، والذي سيعقد في 28 نوفمبر، ووافق الرؤساء الثلاثة على المبادرة الروسية بعقد المؤتمر الوطني السوري لوضع دستور جديد للبلاد وتحديد ميعاد للانتخابات البرلمانية والرئاسية الحرة، وأكد الإعلان الثلاثي الصادر عن القمة على مشاركة المعارضة الملتزمة بالتسوية السلمية، وبعدم شرذمة سوريا في اجتماعات المؤتمر الوطني السوري في بداية ديسمبر. كما كان الرئيس بوتين قد أعلن في مؤتمر صحفي مع الرئيس التشيكي ميلوس زرنان أن الحكومة السورية تسيطر على 98% من الدولة السورية، وهو ما يشكل انتصاراً تاريخياً لكل من روسيا وإيران والأسد.وعلى الرغم مما أسفرت عنه القمّتان من نتائج إيجابية نظراً للنشاط الذي تحركت به الدبلوماسية الروسية؛ فلا تزال هناك قضايا شائكة بين هذه الأطراف المؤثرة في الأوضاع في سوريا؛ فقد حذّر بوتين من أن التسوية السلمية المنتظرة لا يمكن أن تنجح إلا إذا كانت كافة القوى بما فيها الحكومة السورية على استعداد لتقديم تنازلات متبادلة من أجل الوصول إلى حد أدنى من الاتفاق الوطني، وفي هذا الإطار، عقدت المعارضة السورية اجتماعاً ضم أكثر من 140 عضوًا يمثلون شتى الأطياف السورية في الرياض، وذلك بهدف تشكيل فريق موحد يمثل المعارضة السورية للمشاركة في اجتماعات جنيف القادمة؛ حيث تم الاتفاق بالفعل على تشكيل فريق يضم خمسين عضواً لعملية التفاوض تلك، وحث المجتمعون ستيفان دي ميستورا المبعوث الأممي للدعوة لعقد اجتماع جنيف دون شروط مسبقة، والتأكيد على أن إزاحة الأسد شرط مسبق لنجاح المفاوضات وإعادة التأكيد على العودة إلى قرار مجلس الأمن رقم 2254 الصادر في 18 كانون الأول/ ديسمبر 2015 وقرارات جنيف I لعام 2012، وكان قرار مجلس الأمن المشار إليه يطالب بوقف إطلاق النار الفوري والدعوة إلى التسوية السلمية وإجراء انتخابات رئاسية حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة في مدة أقصاها 18 شهرًا، أما جنيف I؛ فكانت تدعو إلى وقف العنف وكل خروق حقوق الإنسان والتحوّل إلى التسوية السلمية وبدء عملية الانتقال السياسي لتحقيق التطلعات المشروعة للشعب السوري، بيد أنه يبدو أن اتصالات بين أكثر من طرف تم الطلب إلى المجتمعين في الرياض التوصل إلى صيغة عقلانية بشأن وجود الأسد، إذ إنه بعد الانتصارات العسكرية على «داعش» والإرهابيين وكافة المنظمات العسكرية المعارضة لا يمكن إسقاط الأسد من معادلة التسوية السلمية، ولهذا؛ تقدّمت عشرة قيادات معارضة من العناصر المتشددة، وعلى رأسهم رياض حجاب رئيس اللجنة العليا للتفاوض باستقالتهم، ما يفسح المجال لوجود فرصة للتفاهم مع الحكومة السورية أثناء المفاوضات، وهذا ما كان قد أشار إليه دي ميستورا الذي حضر اجتماع الرياض حينما طلب من المعارضة توحيد الصفوف والذهاب إلى جنيف بموقف سياسي موحد، وقد اعتبر لافروف وزير الخارجية الروسي استقالة الأعضاء المتشددين ضد الأسد خطوة مهمة، لأنها تمهد الطريق لوجود معارضة عاقلة. والجديد في موقف المعارضة أنها وافقت للمرة الأولى على إجراء مفاوضات مباشرة مع وفد النظام السوري في جنيف.ومن جانب آخر، فعلى الرغم من الحماس الإيراني لتلك التحولات؛ فإن هناك مطلباً إيرانياً واضحاً، يتوافق مع تحفظ الأسد، يتعلق برفض وجود أية قوات أجنبية على الأراضي السورية لم تستدعها أو تستضيفها الحكومة السورية، ويقصد بذلك بالطبع القوات الأمريكية كجزء من التحالف الدولي ضد «داعش» والمتمركزة في شمال شرقي سوريا، وفي قاعدة التنف عند نقطة الحدود السورية - الأردنية -العراقية. ويلاحظ أن الطلب الإيراني يعد رد فعل لتصريح وزير الدفاع الأمريكي ماتيس بأن القوات الأمريكية سوف تستمر في التواجد شمال شرقي سوريا، إلا أن المشكلة الأكثر صعوبة بالنسبة لإيران تكمن في رفض «إسرائيل» لأي تواجد عسكري أو شبه عسكري إيراني على الأراضي السورية في أعقاب القضاء على «داعش» ودحر الإرهاب. ففي اتصال هاتفي بين بوتين ونتنياهو، اعتبر الأخير أن مثل هذا التواجد غير مقبول لأنه يمثل تهديداً مباشراً لأمن «إسرائيل»، ومن جاب آخر؛ فإن تركيا تصرّ على عدم دعوة ممثلين لأكراد سوريا لحضور المؤتمر الوطني السوري في سوتشي لأنهم متحالفون مع أكراد تركيا الذين تعتبرهم إرهابيين وانفصاليين، ولا شك أن هذه الأبعاد تشكل تحديات للرئيس بوتين، عليه أن يتعامل معها بدبلوماسية وحساسية شديدة حتى يستمر التوافق الثلاثي بشأن سوريا.والسؤال الذي يطرح نفسه هو «ما الذي دفع بالرئيس بوتين إلى السير قدماً في طريق التسوية السلمية وخلق مسار مواز لمسار جنيف وكيف يضمن نجاحه؟»؛ فمن ناحية حققت العمليات العسكرية الروسية نجاحات كبرى وتمت هزيمة «داعش» والجماعات العسكرية المناهضة لحكومة سوريا، ومن ناحية أخرى؛ فإن ما يناهز نصف الشعب الروسي يرى -في استبيانات للرأي العام- بضرورة انتهاء الحرب، وحوالي 32% يخشون أن تتحوّل سوريا إلى أفغانستان جديدة تهدد كيان روسيا، كما هددت الاتحاد السوفييتي من قبل، هذا فضلاً عن زيادة عدد الضحايا الروس في سوريا عن 113 منذ بداية 2017، يضاف إلى ذلك أن بوتين كان قد طرح مسألة عقد المؤتمر الوطني السوري في سوتشي على الرئيس ترامب في قمة التعاون الاقتصادي الآسيوي الباسيفيكي، والتي عقدت في أكتوبر في دانانج بفيتنام، وهو ما دفعه أيضاً إلى الاتصال بترامب في أعقاب قمة بوتين/ الأسد ولمدة ساعة كاملة لشرح أهمية جمع الفرقاء السوريين في سوتشي تمهيداً لاجتماعات جنيف. لا شك أن قمتي سوتشي واللقاءات التمهيدية لهما والاتصالات الدبلوماسية ومؤتمر المعارضة بالرياض، تمهد الطريق لتوافق وطني سوري حول أسس التسوية السلمية، وعلى رأسها الاتفاق على المرحلة الانتقالية وصياغة دستور جديد وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة، وهو التوافق الذي يمهد لمفاوضات بناءة في جنيف، ويعد كل ذلك نجاحاً متميزاً للدبلوماسية الروسية الجديدة التي أدت إلى احتواء الدور الأمريكي والأوروبي في سوريا، كما يعد انتصاراً لحكومة النظام السوري حتى الآن.

مشاركة :