الحاسوب والصور الاستعارية في القصيدة العربية المعاصرة

  • 11/30/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يناقش كتاب "الصور الاستعارية في القصيدة العربية المعاصرة" العقبة التي تمثلها الاستعارة أمام ترجمة قصيدة الشعر العربي بصفة عامة وبواسطة الحاسب الآلي على وجه الخصوص، ويشير في هذا الصدد إلى أن الحاسوب يعمل وفقا لنظام مطرد في الترجمة، حيث يمكن للحاسب الآلي ترجمة النصوص من خلال تزويدها بمؤشرات لغوية معينة تجعل الآلة قادرة على ترجمة ما ينطق به اللسان العربي، وذلك بعد أن تؤدي هذه المؤشرات وظيفة تنميط ما يقوم به العقل البشري من فهم المجاز وتحليل أنواعه. ويعرض المؤلف د. عشري محمد علي من خلال كتابه صور الاستعارات في الشعر العربي المعاصر" من خلال وجهة نظر إحصائية حاسوبية تطمح إلى دراسة الظواهر الجمالية دراسة علمية كمية وذلك من خلال توظيف التقنيات التكنولوجية الحديثة في السيطرة على الظاهرة الجمالية إلى حد ما. وعلى الرغم من صعوبة موضوع الكتاب وما يستلزمه من عمليات إحصائية معقدة، فإن المؤلف حرص على أن يقدم جهدا نقديا دؤوبا من أجل ضبط العلاقة بين الاستعارة واللغة والإحصاء والحاسوب، وهى علاقة تأبى بطبيعتها أن تخضع للضبط والتكميم، لكن المؤلف حاول بأقصى قدر من الجهد أن يستفيد مما سبقه من جهود نقدية أسلوبية إحصائية، وبصفة خاصة دراسة العلامة سعد مصلوح عن الاستعارة بوصفها خاصية أسلوبية، وذلك من خلال الكتاب القيم للعلامة سعد مصلوح "في التشخيص الأسلوبي الإحصائي للاستعارة: دراسة في دواوين البارودي وشوقي والشابي" حيث استفاد المؤلف من اختيار العلامة سعد مصلوح لثلاثة أعلام كبار باعتبارهم ممثلين لثلاثة اتجاهات رئيسية في الشعر العربي، وهي الاتجاه الإحيائي الكلاسيكي عند البارودي، والاتجاه الرومانسي عند الشابي، والاحيائية الجديدة عند أمير الشعراء أحمد شوقي. وقد وزع المؤلف جهده النقدي من خلال فصول كتابه على تصورين، الأول بحسب النقل الدلالي، حيث قسم الاستعارة إلى استعارة تجسيمية تنشأ من دلالة الكلمة من الحي إلى المجرد أو الجماد، والثاني بحسب التركيب النحوي، وتنقسم الاستعارة بمقتضاه إلى مركب فعلي ومفعولي ووصفي وإضافي. ونجح المؤلف في أن يستفيد من دراسة مصلوح استفادة كبيرة ، لكنه مع ذلك لم يلزم نفسه بأكثر مما هو متوقع في تجاوز الدقة المنهجية الصارمة التي ألزم بها مصلوح نفسه في اختيار العينات الدراسية التي تمثل الشعراء الثلاثة الذين اختارهم، تمثيلا مقبولا من الناحية المنهجية، ثم طبق على العينة المختارة إجراءات القياس الإحصائي والتصنيف ثم التحليل، وبسبب غياب الجهدي النقدي الأصيل فيما يخص الاتجاه الإسلوبي الإحصائي في خطابنا النقدي المعاصر، فسوف يظل المشهد النقدي التطبيقي قلقا ومبتورا إلى حد كبير، خاصة مع عدم وجود كتب مراجع باللغة العربية في هذا المجال. ويشير المؤلف إلى أن الشعر العربي المعاصر فيه من السعة والانتشار والتعدد بمكان، وربما كان المجهول منه أكثر من المعلوم، سواء شعر التفعيلة أو الشعر العامودي الجديد، ومع ذلك فقد تصدى المؤلف لمحاولة تنميط الصور الاستعارية في القصائد التي تم اختيارها من بين العينة المدروسة، ومن خلال التطبيقات التي قام بها المؤلف على هذه العينة، حاول أن يجد مقاربة مقبولة للجدلية المعقدة لإمكانية وضع نمط رقمي يمكن معالجته بالحاسب الآلي لأشكال الاستعارات الشعرية وما يرتبط بها من أنماط لغوية سواء كانت صرف أو نحو أو دلالة، فهناك الأنماط الصرفية مثل الاستعارة في الاسم والاستعارة في الفعل، والاستعارة في الظرف والاستعارة في الأدوات والاستعارة في الضمير، ثم عدد نسب أنماط الاستعارة داخل جميع هذه الحقول الصرفية، ثم انتقل ليدرس أنماط للاستعارة من حيث التركيب والإفراد فدرس الاستعارة من حيث المركب الإسنادي الفعل، ثم المركب الإسنادي، ثم انتقل ليدرس الاستعارة في التركيب الإفرادي، فدرس المركب الاستعاري الاضافي، والمركب الاستعاري الوصفي، والمركب الاستعاري المفعولي، والمركب الاستعاري الحالي، ثم الظرفي والبدلي والندائي. وعرض المؤلف لنسب الاستعارة بين هذه الأنماط وداخلها أيضا، كما وقف المؤلف في نفس الوقت أمام الأنماط الدلالية اللغوية للاستعارة بعد أن تبين له أن للاستعارة ارتباطا كبيرا بفكرة الحقول الدلالية، حيث تظهر ثمة علاقة وثيقة بين الاستعارة والحقول الدلالية، فالاستعارة عبارة عن انتقال دلالي بين حقلين دلاليين مختلفين أو بين درجتين من درجات الحقل الدلالي الواحد، وحيث نجح في تصنيف الاستعارة حسب المجالين الدلالين: المنقول منه والمنقول إليه، وكانت المجالات الدلالية الأساسية المصدرة والموردة للاستعارة هي المجال الحسي والمعنوي والمتحرك والساكن والحي وغير الحي والبشري وغير البشري، وكان للمجالين الاخيرين النصيب الكبر من الاستعارات، حيث بلغت استعارة البشري وغير البشري ما يقارب نصف استعارات العينة المدروسة، حيث تم تصنيف الاستعارات حسب المجال الدلالي للبؤرة والإطار، وهو ما قاد المؤلف ليستنتج أن هناك ستة أنماط أساسية هي: الاستعارة التجسيدية والتجريدية والحسية والحركية والاحيائية والتشخيصية. ونجح المؤلف في تحقيق أهداف بحثه من خلال الاستعانة المقننة بالتقنيات الحاسوبية الحديثة للسيطرة على المادة العلمية الهائلة التي تضمنتها العينة التي اختارها لبحثه، وهي مادة متشعبة الدلالات والمرامي، كما وفق أيضا في أن يخضع منهجية اختياراته لمبدأين واضحين، المبدأ الأول هو الابتعاد عن كل منظور معياري، والمبدأ الثاني هو التناسق بين العينات. يذكر أن كتاب "الصور الاستعارية في القصيدة العربية المعاصرة" للدكتور عشري محمد علي، صدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة، ويقع في نحو 309 صفحات من القطع المتوسط. (خدمة وكالة الصحافة العربية)

مشاركة :