الشارقة: عثمان حسنحضرت البيئة الإماراتية في أعمال كثير من التشكيليين الإماراتيين، ويمكن القول إن معظم هؤلاء الفنانين، قد بدأت تجاربهم الأولى من هذه البيئة، فكانت ملامح المكان من بحر ورمل وصحراء، قد انعكست في هذه الأعمال، من خلال أساليب ومدارس فنية متنوعة، كالواقعية والتجريد، والتجريدية التعبيرية، وحتى الرمزية مروراً بالسيريالية والحروفيّة، والفنون المركبة.ومن يستعرض ملامح هذه البيئة سيجدها حاضرة عند كثيرين، منهم: د. نجاة مكي، د. محمد يوسف، وعبد القادر الريس، وعبد الرحيم سالم، وعبيد سرور، وإبراهيم العوضي، وغيرهم كثير.بعض هؤلاء أخلصوا للبيئة، فكانت جل أعمالهم مستوحاة منها، سواء في التفاصيل المعمارية كالأبواب والشبابيك، كما هو عند عبد القادر الريس، أو من خلال الاهتمام بالتراث الإماراتي مجسداً في البيئة البحرية، كما هو عند إبراهيم العوضي، وعبيد سرور، أو باستخدام فن النحت واستثمار مكونات البيئة كالأعواد والأخشاب وغيرها من العناصر، كما هو عند الفنان د. محمد يوسف.في التجربة الفنية عند د. محمد يوسف، وهو الذي يؤمن بأن التراث الإماراتي، يمثل مادة خصبة للإبداع، كانت لتجربة النحت على وجه الخصوص ميزة خاصة، فله على سبيل المثال منحوتة عنوانها: المرأة والنخلة، اشتغلها بقدر من الرمزية، لكنها بعيدة عن التشخيص. واستمر د. يوسف في أعمال عدة في استلهام كثير من ملامح البيئة الإماراتية، باستخدام مواد طبيعية وبيئية مختلفة، كجذوع الأشجار والأوراق والأغصان، والحبال ومخلفات البيئة، وهذه الأعمال في مجملها تعكس فهم د. يوسف للفن والحياة، منطلقاً من ذاته ومجتمعه، وعاكساً من خلال أعماله كثيراً من القيم الجمالية والفنية الإنسانية.والمتابع لحركة التشكيل الإماراتي، وهو يتحدث عن المكان والبيئة، لا يمكن أن يغفل التجربة الثرية للدكتورة نجاة مكي، التي لها طريقة خاصة. وبعبارة أصح، تعبر عن هوية خاصة في التعامل مع البيئة عبر مساحات لونية وبصرية، وتكوينات تشكيلية تمزج ما بين الأزرق والأصفر والأخضر، عبر فضاء بصري أخاذ.فسؤال التشكيل باستلهام البيئة الإماراتية هو من جهة أخرى، بحث عن الخصوصية عند الفنان الإماراتي، وهو استلهام لجماليات المكان بوصفه يشغل حيزاً جغرافياً واجتماعياً، مشغولاً ببشر يهجسون أو يتفاعلون مع هذه البيئة، بمشاعرهم وما لديهم من مخزون تراثي وإنساني عميق.الفنان عبيد سرور، ركزت أعماله على البيئة المحلية، بوصفها تشكل مرجعاً يعكس الطبيعة الإماراتية بكل ما فيها من تراث اجتماعي وثقافي، وهنا تبرز أعماله لتعكس سحر هذه البيئة وأصالتها، وهو يميل في الغالب الأعم إلى الاستفادة من الواقعية التعبيرية، ليعكس أجواء التراث الشعبي في كثير من أعماله، كما يستفيد من التراث المعماري القديم كالحصون والأقواس، وما فيها من زخارف وألوان، وقد استلهم سرور البيئة البحرية فقدم من خلالها لوحات رصدت بدايات هذا التراث البحري، بما فيه من سفن وصيادين وأصداف وغيرها. ويعتقد سرور كما غيره من الفنانين الشغوفين بالبيئة الإماراتية أن المسؤولية كبيرة تجاه البيئة وعدم تشويهها؛ لما تنطوي عليه من ثراء جمالي وبصري.إبراهيم العوضي هو تشكيلي إماراتي، قدم كثيراً من الأعمال التي استلهمت التراث الإماراتي، وله اهتمام خاص بتراث الغوص، كما هو حال عبيد سرور، وهو اهتمام نابع من مسؤولية كبيرة بضرورة الحفاظ على هذا الإرث، الذي خلّدته ذاكرة البشر الذين سكنوا هذه الأرض فأخلصوا لها، وشكلوا بدايات تكوّن الدولة.وقد انقسمت تجربة العوضي إلى مراحل عدة، واحدة تهتم بحياة البحارة، والبحث عن اللؤلؤ، ومرحلة أخرى تهتم بالبراجيل؛ هذه التفصيلة المعمارية التي شكلت في زمن مضى، بصمة في معظم البيوتات القديمة، وكانت بمثابة معلم تاريخي وطبيعي على امتداد ساحة المعمار الإماراتي القديم. فهذه المناظر خزنتها ذاكرة الطفولة عند العوضي، وما لبثت أن ظهرت في أعماله حين احترف الفن التشكيلي، فقدّمها في لوحات طرزت تجربته الفنية الغنية، ومن لوحاته الشهيرة: مربعة عجمان، وبرزت فيها ملامح بيئية إماراتية قديمة، فيها كثير من التفاصيل.بدوره اتبع عبد القادر الريس، أسلوباً فنياً في استلهامه للتراث، بالتركيز على المدرسة الواقعية في بداياته، فكانت لوحاته حول الصحراء والبيوت القديمة، ذات بصمة خاصة لجهة التكوينات والتفاصيل المعمارية الكثيرة، التي برزت في أعماله المبكرة. غير أن موهبة الريس في استلهامه للتراث الإماراتي، لم تتوقف عند مدرسة واحدة، فهو استخدم في بداياته الألوان الزيتية ثم المائية، وقام بمزج الألوان الزيتية بالمائية وتأثر بالمدرسة الرومانسية ثم الانطباعية، ثم التجريدية، فبرزت علاقته مع اللون والزخرفة في أبهى صورها، وكانت البيئة الإماراتية على الدوام هي الموضوع الذي يُلهم الريس، فعكس جمالياتها في البراجيل والأقواس، والنوافذ والنخيل، والأبواب التي شكلت مفردات خاصة في معظم أعماله.وقيل عن تجربة الريس الشيء الكثير. فهي على سبيل المثال اتخذت في تركيزها على الأقواس والبراجيل والأبواب والنوافذ، طابعاً شاعرياً لجهة الأسلوب، والحقيقة أن تجربته قد اكتسبت هالة رمزية انعكست من خلال وعي بصري واضح، أثر في جيل لاحق عليه، فكان أميناً في نقل الطابع التراثي، وغاص في عمق المكان مبرزاً جماليات ما يرسم دون أن يفقد بريق الأصالة التي اختصت بها البيئة الإماراتية.
مشاركة :