اليمامة - أحمد الغر 2017/11/30 سبع جولات سابقة من المفاوضات في جنيف برعاية الأمم المتحدة لم تنجح في إحداث تغيير ملموس في ملف الأزمة السورية، بل طغت عليها جولات ولقاءات أخرى في أستانة وسوتشي وغيرها من مدن وعواصم العالم، فالتحركات الدبلوماسية المنفصلة كان لها دورها في تغيير مسار الأزمة، أكثر مما نتج عن مؤتمرات جنيف حتى الآن، مؤخراً وصلت قاطرة التفاوض مجدداً إلى جنيف في نسخة ثامنة، تمنى لها موفد الأمم المتحدة إلى سوريا «ستيفان دي ميستورا» الذي يصف نفسه بأنه «متفائل دائماً» - بأن تكون «أول مفاوضات حقيقية»!، وبينما كانت الأطراف الدولية الفاعلة مشغولة بالاستعدادات لانطلاق محادثات جنيف 8، والترتيبات التي سبقتها في الرياض لتوحيد صف المعارضة، والاجتماع الروسي - التركي - الإيراني في سوتشي، استغل النظام السوري والقوات الروسية الفرصة للقيام بأعنف المجازر ضد المدنيين في الغوطة الشرقية وفي دير الزور. نجحت الرياض مجدداً من خلال المؤتمر الثاني الذي أُقيِمَ على أرضها في خلق حالة من التوافق بين وفود المعارضة السورية التي اجتمعت قبل أيام، كما تم الاتفاق في البيان الختامي على ضمان كافة مطالبات الشعب السوري، وعلى رأسها رحيل نظام بشار الأسد قبل البدء في المرحلة الانتقالية، وألا يكمل فترته الرئاسية الحالية، كما اشتمل البيان على نقاط أخرى من أهمها: خوض المفاوضات المباشرة دون شروط مسبقة، وأن مرجعية التفاوض هي قرارات مؤتمر الرياض 2، ورفض التدخلات الإقليمية والدولية، وعلى رأسها التدخلات الإيرانية، مع ضرورة مغادرة المقاتلين المدعومين من إيران، خاصةً أن إيران تقوم بتغييرات ديموغرافية في سوريا وتنشر الإرهاب، كما شجب البيان دور إيران في زعزعة استقرار المنطقة، وأكد على ضرورة محاسبة مرتكبي جرائم الحرب، والحفاظ على مؤسسات الدولة، بما فيها الأمن مع إصلاحه. كما خرج المؤتمر بالاتفاق على أسماء الهيئة العليا للمعارضة السورية، المرجع الرسمي لوفد التفاوض الذي يضم ثلاثين عضواً غالبيتهم من المستقلين، وشملت القائمة حصص الهيئة السابقة نفسها، التي ضمت المستقلين والائتلاف الوطني وفصائل الثوار وهيئة التنسيق، إضافة إلى منصتي موسكو والقاهرة، وقد أشاد مجلس التعاون الخليجي بالجهود الحثيثة والمخلصة التي تبذلها السعودية لتوحيد صفوف المعارضة السورية، كما أشادت جامعة الدول العربية بالبيان الختامي لمؤتمر المعارضة السورية بالرياض، الذي أكد التمسك بوحدة الأراضي السورية. من جانبه فقد أعلن نائب رئيس هيئة المفاوضات «جمال سليمان»، أن أهم إنجازات مؤتمر «الرياض2» هو توحيد المجموعات المختلفة في المعارضة السورية في وفد واحد وفقاً لمرجعية واضحة، وهي أنه لا حل للأزمة من غير القرارات الدولية، كما أشار «سليمان» إلى أن الأولوية في أية مفاوضات هي للمرحلة الانتقالية وآلياتها التنفيذية، مشدداً في الوقت ذاته على أن إجراءات بناء الثقة كإطلاق سراح المعتقلين ورفع الحصار وإيصال المساعدات يجب أن تكون على طاولة التفاوض في جنيف، من جهته فقد أوضح «خالد المحاميد» عضو وفد التفاوض إلى جنيف، أن هناك قناعة للمعارضة السورية بضرورة رحيل رأس النظام في المرحلة الانتقالية، كاشفاً أن «منصة موسكو» تتحفظ على شرط رحيل الأسد، بينما قال «فراس الخالدي»، رئيس وفد «منصة القاهرة» إنه «لا مكان لمنظومة الحكم الحالية في سوريا»، مشدداً على أن «الاتجاه نحو العملية السياسية لا يمكن أن يتم بدون تحقق الأمور الإنسانية كإطلاق سراح المعتقلين». يُذكر أن الهيئة العليا للمفاوضات السورية قد شهدت سلسلة من الاستقالات، بدءاً من المنسق العام للهيئة رياض حجاب، مروراً بكبير المفاوضين محمد صبرا، وخالد خوجة، وسالم المسلط، وسهير الأتاسي، ورياض نعسان آغا وغيرهم، لكن معظم من تقدموا باستقالتهم لم تتم دعوتهم بالأساس لمؤتمر «الرياض 2»، باستثناء رئيس الهيئة رياض حجاب. النظام يؤجل سفره بشكل مفاجئ، أرجأ وفد النظام السوري موعد سفره إلى مفاوضات «جنيف8» إلى موعد لاحق، دون إيضاح الأسباب وراء ذلك، فبحسب ما ذكرته صحيفة «الوطن» التابعة لنظام الأسد، فإن النظام لديه اعتراضات على بيان المعارضة السورية الذي صدر عقب مؤتمر «الرياض2»، وكذلك له شروطه الخاصة فيما يتعلق بإجراء تعديل دستوري أو صياغة دستور جديد بالكامل، وتحدثت الصحيفة عما أسمته «استياء النظام» من البيان، وسخطه من تأكيد بيان المعارضة بأن سقف المفاوضات هو رحيل النظام السوري، وكذلك اعتراض النظام على» الألفاظ النابية الواردة في البيان»!، وهو أمرٌ يثير الاستغراب والضحك، فالبيان الختامي لمؤتمر الرياض 2، لم يكن به أية ألفاظ نابية قيلت بحق النظام، والمُستغرب أنه عندما نعت الرئيس الأمريكي «دونالد ترمب» خلال مقابلة تلفزيونية سابقاً «بشار الأسد» بكلمة «حيوان»، لم يصدر أي رد رسمي للتعقيب أو الاعتراض على هذا الوصف!، بدوره أعلن مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا «ستيفان دي ميستورا» خلال مؤتمر عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة مع مجلس الأمن الدولي، أن النظام قد وجه له رسالة مساء الأحد الماضي تقول إنهم لن يصلوا إلى جنيف في الموعد المحدد، وأكد «دي ميستورا» أن الأمم المتحدة لن تقبل أي شرط مسبق للمشاركة سواء من قبل النظام أو المعارضة. من جهة أخرى فإن اجتماعاً للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي عُقِدَ الثلاثاء في جنيف بمبادرة من فرنسا. وعلى الرغم من أن الأزمة السورية قد حظيت بعديد من اللقاءات والمؤتمرات طوال السنوات الماضية، إلا أن هذا الحراك الدبلوماسي لا يعطيها الزخم المطلوب حتى الآن لحلحلة الوضع المعقد القائم، فخلال الأشهر الأخيرة طغت على الجهود الأممية مبادرات منفصلة تولتها روسيا في أغلبها، إذ رعت روسيا وإيران وتركيا، مفاوضات جرت في أستانة وأثمرت عن إقامة أربع مناطق «خفض توتر» ساعدت في تراجع العنف ميدانياً رغم استمرار القصف الجوي والمعارك في بعض المناطق على الأرض السورية، وقبل أيام تم عقد قمة ثلاثية «روسية إيرانية تركية» في سوتشي الروسية، دعا خلالها الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» إلى عقد «مؤتمر وطني سوري» يضم ممثلين عن النظام السوري والمعارضة، وهو اقتراح دعمته أنقرة وطهران، لكن رفضته غالبية الفصائل المعارضة، لأنه سيحول مسار التفاوض تماماً عن مساره الأممي، وتصبح المفاوضات تحت مخالب الدب الروسي، في وقت تنحاز فيه موسكو بالكامل للنظام السوري في الأزمة، يأتي هذا على الرغم من إعلان بوتين أن المؤتمر الذي اقترحه سيشكل «حافزاً لمفاوضات جنيف»، كما أعلن رئيس مجلس السياسة الخارجية والدفاعية الروسي «فيودور لوكيانوف»، أن جهود موسكو الدبلوماسية بشأن سوريا بلا معنى «ما لم يتم إقرارها من قبل المنظمات الدولية، بدءاً من الأمم المتحدة»، وعقب رفض المعارضة لمؤتمر سوتشي؛ عمدت روسيا إلى تأجيله من نوفمبر إلى فبراير المقبل، على أمل أن يتغير موقف المعارضة السورية وتشارك فيه. جديرٌ بالذكر أنه سبق وأن أعلن «نصر الحريري» رئيس الوفد السوري المعارض إلى جنيف، أن اقتراح روسيا بعقد مؤتمر للنظام والمعارضة في سوتشي لا يخدم العملية السياسية، داعياً المجتمع الدولي بما في ذلك روسيا، بقوله: «يجب أن نركز كل أعمالنا من أجل خدمة العملية السياسية وفقاً للمرجعية الدولية في جنيف برعاية الأمم المتحدة، حتى نختصر الوقت ونصل للحل المنشود». من جهتها فإن الأمم المتحدة قد أكدت على أن محادثات أستانة تتكامل مع مفاوضات جنيف، لكنها لم توضح موقفها من دعوة موسكو لعقد مؤتمرات لاحقة في سوتشي، على الرغم من المخاوف التي تدور أحياناً حول المفاوضات التي تتم خارج مظلة جنيف، يأتي هذا فيما أعلن نائب المبعوث الأممي إلى سوريا «رمزي رمزي» أن موقف المبعوث الخاص إلى سوريا «ستيفان دي ميستورا» واضح ولم يتغير، وأن هناك سلالاً أربعاً لا بد من التعامل معها في محادثات جنيف، غير أن التركيز في الفترة القادمة سيكون أكبر على السلتين الثانية والثالثة الخاصة بالانتخابات والدستور، كما وصف «رمزي» العملية السياسية في سوريا بالصعبة والمعقدة، نظراً للوضع الحاصل في البلاد. من جهته فقد شدد وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية «د. أنور قرقاش» على أن الحل في سوريا لا يمكن أن يكون تركياً أو إيرانياً، وقال في تغريدة له على تويتر أن الحل السياسي في سوريا هو الطريق الوحيد للأزمة الدموية المشتدة، ولكنه وبكل واقعية، لا يمكن أن يكون حلاّ إيرانيا أو تركيا وأن يغيب عنه الدور والبعد العربي، مضيفاً: «من المؤسف في التطورات الدولية للأزمة السورية تهميش الدور العربي، فباستثناء جهود الرياض في توحيد صفوف المعارضة، نرى أن التوافق الروسي الإيراني التركي غالب والدور العربي ثانوي». القتل لا زال مستمراً على الأرض السورية، لم يكن الميدان أفضل حالاً من حال المفاوضات المتعثرة، إذ ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن ما لا يقل عن 57 مدنياً من بينهم 21 طفلاً قد قتلوا على إثر هجمات شنتها قوات النظام والقوات الروسية، منتصف الأسبوع الماضي، إذ ضربت طائرات حربية روسية قرية الصفا في محافظة دير الزور شرقي سوريا، كما قامت طائرات النظام بقصف جوي وقصف للمدفعية على مناطق بالغوطة الشرقية، معقل المعارضة السورية والقريبة من العاصمة دمشق، والتي تتعرض لحصار من جانب قوات االنظام طوال السنوات الأربع الماضية، وقبل أسابيع قد صرح مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان «زيد رعد الحسين» أن 350 ألف مدني على الأقل محاصرون في الغوطة الشرقية، واصفاً الأمر بأنه «فظيع». يُذكر أن 127 شخصاً بينهم 30 طفلاً قتلوا نتيجة الضربات الجوية والقصف منذ بدء النظام السوري هجومه بدعم من الطيران الروسي قبل أسبوعين لانتزاع الغوطة الشرقية المحاصرة التي تسيطر عليها المعارضة المسلّحة. في الأثناء، نقلت وكالات أنباء روسية عن وزارة الدفاع الروسية إدعاءاتها بأن ست قاذفات روسية بعيدة المدى من طراز «تو -22 إم3» قد ضربت أهدافاً لتنظيم داعش في دير الزور بسوريا، وأن القصف الروسي لم يستهدف مدنيين! يأتي هذا فيما كشف برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أن سكان الغوطة الشرقية المحاصرة يعانون نقصاً شديداً في الغذاء، لدرجة أنهم يأكلون القمامة ويجبرون أطفالهم على التناوب في تناول الطعام، وأشار التقرير إلى أن سكان الغوطة قد تناولوا طعاماً منتهي الصلاحية، إضافةً إلى علف الحيوانات والنفايات، وبقوا أياماً من دون طعام وقاموا بأنشطة شديدة الخطورة للحصول عليه، كما توقع التقرير الأممي أن يزداد الوضع سوءاً خلال الأيام المقبلة مع نفاد الغذاء وتقلص إستراتيجيات التكيف، وعلى الرغم من أن المنطقة زراعية، فإن الأراضي التي تصلح للزراعة على مشارف الغوطة الشرقية إما على خطوط القتال أو مستهدفة من قناصة النظام، وفي الإطار ذاته حذرت الأمم المتحدة من تدهور الوضع الإنساني في المناطق المحاصرة في سوريا خلال فصل الشتاء وتأثير ذلك على الأطفال خاصة. من جهة أخرى فقد أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان عن حصيلة جديدة لضحايا النزاع السوري منذ بدايته إلى الآن، حيث قُتِلَ أكثر من 340 ألف شخص بينهم أكثر من مائة ألف مدني، منذ بدء الأزمة قبل أكثر من 6 سنوات، وقال مدير المرصد «رامي عبد الرحمن» أن: «المرصد تمكن من توثيق مقتل 343511 شخصاً على الأقل بينهم 102618 مدنياً في الفترة الممتدة من 15 مارس 2011 حتى مطلع شهر نوفمبر الحالي، كما أنه من بين القتلى المدنيين 18897 طفلاً و11909 نساء».
مشاركة :