إميل أمين يكتب: نتانياهو في إفريقيا.. الأهداف والماورائيات

  • 12/2/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لعل الجولة الأخيرة التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى إفريقيا تستدعي إنتباها خاصا لأهميتها وخطورتها على الأمن القومي العربي، الأمر الذي لا يستطيع إنكاره أي مراقب موضوعي يعرف جيدا شهوة قلب إسرائيل منذ زمان وزمانين. الثلاثاء الماضي كان نتانياهو يخوض غمار حرب إسرائيلية جديدة بأدوات دبلوماسية، حرب تعد إمتدادا لجولته عام 2016 الشهيرة في ربوع إفريقيا للتمكين لإسرائيل، ومن العاصمة الرواندية “كيغالي” كان يعلن عن إفتتاح سفارة جديدة لبلاده، عطفا على إنشاء خط رحلات جوية مباشرة مع البلد الواقع شرق إفريقيا. لم يداري نتانياهو او يواري أهدافه من وراء تلك الزيارة العلنية، وهناك بلاشك العديد منها بشكل خفي ومن وراء الكواليس، إذ أشار إلى أن ما يقوم به هو “جزء من توسيع الوجود الإسرائيلي في إفريقيا وتعميق التعاون بين إسرائيل والبلدان الإفريقية”. حمل نتانياهو طوال الأعوام القليلة الماضية شعار:”إسرائيل تعود إلى إفريقيا وإفريقيا تعود إلى إسرائيل”، والسؤال هل من ماروائيات لهذه العودة المتبادلة؟ الشاهد هو أن هناك عدة نقاط جوهرية ينبغي أن نفتح أعيننا عليها بصورة أساسية لفهم علاقة إسرائيل بإفريقيا في الحال والإستقبال، وفي المقدمة منها ما يلي: تمضي إسرائيل كدولة دينية وراء تحقيق النبوءات التوراتية وفقا لرؤيتها ومفهومها، مهما يكن من شأن صحة تلك المفاهيم أو خطئها، وفي المقدمة منها فكرة حدود إسرائيل من الفرات إلى النيل، وها هي بعدما انتهت من الفرات بشكل أو آخر تمضي وراء النيل ومنابعه ودوله وشعوبه، وتحاول جاهدة العمل بكل ما أوتيت من قوة تمتين علاقاتها هناك في تهيئة لا تغيب عن الأعين لقادم الأيام. ثم إن إسرائيل – نتانياهو تسعى سعيا حثيثا وراء تطبيق نظرية أول رئيس وزراء لإسرائيل “بن جوريون”، تلك المعروفة بـ “شد الأطراف”، وبمعنى آخر إن لم تستطع مواجهة عدوك مباشرة فإن الأفضل لك أن ترهقه عبر مكايدات سياسية وأخرى عسكرية من خلال محاصرته جغرافيا بالأطراف المحيطة به. هل هذا هو السيناريو الذي تتبعه إسرائيل مع مصر بنوع خاص؟ لا يمكن الشك أبدا في أن الأيادي الإسرائيلية قائمة وقادمة في ملف المياه بنوع خاص، وعلاقة إثيوبيا بإسرائيل هي علاقة نسب ومصاهرة، منذ زمن الملك سليمان، وقصة يهود الفلاشا خير دليل على  ذلك، وعليه فإن أحاديث التعاون الأثيوبي الإسرائيلي، بشأن ملفات المياه إنما هي مدخل لما هو أخطر، فإسرائيل تبحث عن قدس اقداسها في مدينة إكسيوم في إثيوبيا أي “تابوت العهد” رمز دولة بني إسرائيل القديمة والذي تم تهريبه وتسريبه إلى هناك قبل نحو ثلاثة آلاف عام بعد أن سبى “نبوخد نصر” ملك بابل شعب إسرائيل وقادهم الى بلاده لمدة خمسمائة عام. تعزف إسرائيل بنوع خاص في صراعها الأزلي مع مصر على وتيرة المياه وجل أهدافها أن تصل مياه نهر النيل إليها، وأن تكون لها عنوان للخير وتحقيق للرؤى الكتابية للآباء الأولين مهما يكن من شأن عطش المصريين، حياتهم أو موتهم. يطلق “الحاجي بوبا نوحو” الباحث المشارك في مركز مونتسكيو للبحوث السياسية في فرنسا على ما يقوم به نتانياهو حديثا في إفريقيا “الهجمة الإسرائيلية في إفريقيا”، ويرى أن الدولة العبرية إنما تسعى حثيثا ليكون لها موطئ قدم في القارة السمراء لأسباب عدة، في مقدمتها حرص تل أبيب على أن تكون لها اليد العليا إستخباراتيا في طول القارة وعرضها، وهي تستخدم ما لديها تاريخيا من معلومات أمنية لتقايض عليها الأطراف الدولية الكبرى التي تتصارع اليوم على النفوذ في إفريقيا، وبنحو خاص الصين التي تبني لها قاعدة في جيبوتي وتسعى لمد شبكات نفوذها إفريقيا، عطفا على روسيا التي تعود بقوة للمشهد العالمي، أما الولايات المتحدة الأمريكية الصديق والحليف الأوثق والأقرب لتل أبيب فتكافح من جديد لتكون الدولة رقم واحد هناك وإسرائيل تعزف جيدا على هذه الأوتار عند الأمريكيين. لا توفر إسرائيل الإشارة إلى أن حضورها في القارة السمراء له مميزات عديدة منها أيضا متابعة وعن دقة التيارات الإرهابية كداعش والقاعدة ومن لف لفهما في تلك الأراضي ضعيفة الحكم، ما جعل منها أرضا خصبة للارهاب والإرهابيين، ومؤخرا تكشفت أخبار عن علاقات داعش بإسرائيل التي لم تجر فيها  عملية واحدة طوال سنوات الإرهاب التي فاقت العقدين وأزيد، وكثيرا ما قيل إن أعلى درجات التحالف هي تلك التي توجد بين الصهيونية وبين التيارات الإسلاموية عبر التاريخ. تدخل إسرائيل إلى إفريقيا عبر بوابات عديدة، منها تجارة الأسلحة للقبائل والجماعات المتقاتلة من جهة، ومن جهة ثانية تقدم لهم براعتها وخبرتها في إستصلاح الصحاري وطرق الزراعة الحديثة ووسائل الإتصالات لا سيما الفضائية منها، وجميعها تحتاجها دول إفريقيا بدرجة عالية وجفاف روحي ومعنوي غير مسبوق. يعن لنا هنا أن نتساءل:”هل تسحب إسرائيل بذلك البساط من تحت أقدام الدول العربية حيث كانت الدول الإفريقية وحتى عقود قريبة مناصرة للقضايا العربية التحررية وبنوع متميز القضية الفلسطينية وجلها كان يرفض إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل؟ في زيارته الأخيرة لإسرائيل قال الرئيس الرواندي “بول كاجامي”: “إن الحضور هنا مثل العودة إلى الوطن. إننا سعداء بالحصول على أصدقاء ممتازين تربطنا معهم علاقات منذ سنين والقيام معا بالكثير من الأشياء التي تعنى الشعبين على كلا الجانبين”. وفي السنوات الأخيرة كانت رواندا حليفا قويا لإسرائيل، لا سيما من خلال إمتناعها  في عام 2014 عن التصويت على مشروع قرار لإقامة دولة فلسطينية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. هل في الهجمة الإسرائيلية على إفريقيا خسارة بعينها على  القضية الفلسطينية التي تدخل منعطفا مصيريا هذه الأيام؟ عند “بوبا نوحو” إن فلسطين العضو المراقب في الاتحاد الإفريقي لتنظر بعين الخشية إلى عملية الإستدراج الدبلوماسي التي تقوم بها تل أبيب في الوقت الذي تراوح فيه عملية السلام مكانها. هل يتنبه العرب إلى أن رئيس رواندا “بول كاجامي” الذي ستتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الإفريقي بداية من يناير 2018 قد صرح خلال شهر مارس الماضي أثناء زيارة له إلى واشنطن بالقول:”إن رواندا هي بلاشك صديقة لإسرائيل التي لها الحق في الوجود والإزدهار بصفتها عضوا كامل العضوية في المجتمع الدولي”؟. الجواب انه ورغم إلغاء  قمة “لومي” فإن العودة الدبلوماسية القوية لإسرائيل إلى القارة الإفريقية قد لا تكون سوى مسألة وقت، فيما الأهم والأخطر هو الجواب على السؤال التالي:” كيف ترك العرب إفريقيا ليضيع نفوذهم  هناك بعد تاريخ مشترك في الكفاح ضد الإستعمار؟ وهل فات أوان تدارك المشهد أم أن الباب لايزال مفتوحا، وفقط الحاجة كل الحاجة الى تفعيل دبلوماسية عربية سريعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هجمة إسرائيل على إفريقيا؟

مشاركة :