دولة الإمارات تولي العملية التعليمية جل الاهتمام والمتابعة بدءاً من رياض الأطفال وإلى أروقة الجامعات، وقطعت أشواطاً بعيدة في الارتقاء بمستوى التعليم في الدولة للوصول إلى مخرجات تواكب تطلعاتها نحو مستقبل مشرق يحمل أبناء الدولة فيه مهمة المضي نحو الريادة والتميز بخطى واثقة ليكونوا على قدر المسؤولية وليردوا جزءاً من جميل الوطن.ورغم التطورات الكبيرة التي يشهدها التعليم في الجامعات الحكومية إلا أن الجامعات الخاصة تقارب أن تتفوق على نظيرتها الحكومية في استقطاب الطلبة المواطنين للالتحاق بها، مع ازدياد نسبتهم في الجامعات الخاصة والتي بلغت 47% وفقاً للتقرير الصادر عن لجنة شؤون التعليم والثقافة والشباب والرياضة والإعلام في المجلس الوطني الاتحادي مؤخراً. «الخليج» رصدت ظاهرة تزايد أعداد الطلبة المواطنين في الجامعات الخاصة والأسباب التي تقف وراء هذا التوجه، والحلول والبدائل التي يمكن أن تحد من ذلك وتحفز الطلبة وتشجعهم على الالتحاق ببرامج الجامعات الحكومية. قالت ناعمة الشرهان عضوة المجلس الوطني الاتحادي رئيسة لجنة شؤون التعليم والثقافة والشباب والرياضة والإعلام: إن اللجنة في تقريرها حددت أسباباً معينة لتزايد توجه الطلبة المواطنين إلى الجامعات الخاصة، أبرزها شرط اجتياز الطالب اختبار القدرة باللغة الإنجليزية «الآيلتس» أو «التوفل»، والآن امتحانات امسات التي أصبحت بديلا قد يسهل كثيرا على الطلبة.وأضافت: نطالب بوجود آلية أخرى كذلك تحل مشكلة الطلاب الذين لا يتم قبول معدلاتهم في الثانوية في الجامعات الحكومية، كاستحداث كليات حكومية مخصصة لاستيعابهم، لأننا لا نرضى بعزوف طلابنا عن التعليم أو توجههم للجامعات الخاصة التي تضاعف الأعباء المادية على أولياء الأمور وتثقل عاتقهم.سوق العملمن جانبه، قال الدكتور عارف سلطان الحمادي مدير جامعة خليفة: يعتمد توجه الطلبة للدراسات بشكل عام على سوق العمل، ومع تزايد أعداد الفرص في مجالات التكنولوجيا أصبحنا نشاهد في الأعوام القليلة الماضية اهتماماً متزايداً بالبرامج الهندسية والتخصصات العلمية لأنها توفر للطلبة مستقبلاً واعداً من التميز والابتكار والبحوث، خاصة وأن الحكومة تبنت توجهاً لتحفيز الطلبة على الانخراط في البرامج العلمية حيث قامت باستحداث عدد من المبادرات التحفيزية لتشجيع الطلبة منذ سن مبكرة على الانخراط في برامج التكنولوجيا والعلوم والهندسة والرياضيات.إن نسبة الطلبة المواطنين في جامعة خليفة تبلغ 89% وذلك في مختلف برامج البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، والجامعة دأبت ومنذ نشأتها على تحقيق تطلعات الحكومة، وذلك عن طريق توفير تعليم عالمي المستوى بهدف تخريج كفاءات مواطنة من الشباب القادرين على ريادة مختلف الصناعات الحيوية والمساهمة في تحقيق أهداف خطط الحكومة لبناء اقتصاد معرفي وتنويع مصادر الدخل.الإرشاد الأكاديميقال الدكتور غالب الرفاعي رئيس جامعة العين للعلوم والتكنولوجيا: باعتقادي قوة الإرشاد الأكاديمي المكثف والمتابعة الحثيثة التي تبذله معظم الجامعات الخاصات ومنها جامعتنا، ومتابعة شؤون الطلاب من قبل الإدارة العليا وعمادة الجامعة، ومساعدتهم وتوجيههم للتخصصات المناسبة لهم، والاقتراب من الطلاب وحل مشكلاتهم هي عوامل مريحة للطلاب تشجعهم على الالتحاق بالجامعات الخاصة، إلى جانب مساعدة الطلاب المتعثرين المستجدين في الفصل الأول لمساعدتهم على تجاوز الصعوبات.وأشار إلى أن الجامعات الخاصة تركز كذلك على المرونة في قبول طلاب في تخصصات لا يتم قبولهم فيها في الجامعات الحكومية حسب نوعية التخصص ومعدل الطلاب، كما أن شروط القبول في التخصصات أكثر مرونة وهو ما يتم اتباعه في معظم دول العالم وليس في الدولة فقط.وقال إن إيجاد امتحان محلي بديل لامتحانات «التوفل» و«الآيلتس» هو خطوة جيدة، لكن هذه الامتحانات مفيدة للطلاب إذ إنهم إذا درسوا فصلاً في إحدى جامعات الدولة وسافروا لاستكمال دراستهم في الخارج يتم احتساب الامتحان الذي قدمه داخل الدولة لأنه عالمي أما في حال التقدم لامتحان محلي لا يمكن للطالب التحويل إلى جامعات خارج الدولة إلا باجتياز الاختبارات العالمية. ومن جهتها، قالت الدكتورة سميرة النعيمي، خبيرة تربوية: «في اعتقادي أن النسبة الأكبر من الطلبة يتوجهون إلى الجامعات الخاصة في برامج الدكتوراه والماجستير وليس البكالوريوس، لأن الطلاب معظمهم في برامج الدراسات العليا يكونون عاملين، ويحتاجون لبرامج دوام مرنة للمواءمة بين وظيفتهم ودراستهم، لذلك يتجهون للجامعات الخاصة. وأضافت: إن الجامعات كافة الحكومية والخاصة داخل دولة الإمارات ترتبط بمعايير واحدة تقريباً، ويجب فتح برامج في الجامعات الحكومية تدرس باللغة العربية، وكذلك الحال بالنسبة لبرامج الماجستير والدكتوراه وليس هذا مقصوراً فقط على البكالوريوس، لأننا نريد تكوين قادة للمستقبل.شروط قاسيةومن ناحيتهم، أشار عدد من طلاب الجامعات في أبوظبي، إلى أن هناك أسباباً عديدة تقف وراء ظاهرة توجه الطلبة إلى الجامعات الخاصة، منها عدم وجود التخصص المناسب على مقربة منهم، أو بسبب وجود شروط قاسية كما يراها البعض منهم.وقال محمد حافظ الرفاعي، طالب في قسم بكالوريوس إدارة الأعمال، إن عدم إيجاده لدوام مسائي في التخصص الذي اختاره نظراً لعمله الصباحي، جعله يلتحق بجامعة خاصة إذ إنه لا يمكنه ترك العمل لحضور المحاضرات الصباحية التي تستمر حتى الخامسة مساءً فقط، بينما توفر الجامعة الخاصة محاضرات صباحية ومسائية تتناسب مع وقته، لافتاً إلى أن متطلبات الالتحاق بالجامعات الحكومية تعد كثيرة مقارنة بالجامعات الخاصة من وجهة نظره.قرب المسافةأشار سعود يوسف الشمري، خريج تخصص مالية، إلى أن قرب الجامعة من مقر السكن قد يلعب دوراً في اختيار الطالب لها، كما حصل معه، إذ إنه درس سنة كاملة في إحدى الجامعات، لكنه اضطر للانتقال إلى أخرى لقربها من منزله وليبقى قريباً من أفراد أسرته.ولفت إلى أن الذي لفته في إحدى الجامعات الخاصة قوة برامجها وسمعتها العريقة التي نقلها له الكثير ممن سبقوه في الالتحاق إليها، موضحاً أن الطالب نفسه هو الذي يقع على عاتقه صعوبة الدراسة أو سهولتها بالاجتهاد، ولا علاقة لنوع الجامعة حكومية كانت أم خاصة بصعوبة النجاح أو سهولته.وأكد أن امتحان «التوفل» الذي قدمه كان صعباً جداً مقارنة ب«الآيلتس»، معرباً عن أمله في أن تكون امتحانات امسات بديلاً مناسباً لأن صعوبة هذه الامتحانات أحياناً تؤدي لاكتئاب الطلاب خاصة إذا اضطروا لإعادتها أكثر من مرة وقد يعزفون عن الدراسة الجامعية بسبب ذلك.وقالت ميثاء المعمري، طالبة تخصص دراسات قانونية وعلوم سياسية في إحدى الجامعات الخاصة، إنها استطاعت عبر التحاقها بجامعتها الخاصة دراسة تخصصين تم دمجهما معاً، ولم تجد هذا التخصص في الجامعات الحكومية رغم أنها بذلت جهداً كبيراً في محاولة البحث عن جامعة حكومية توفره لها.الصعوبة والسهولةأما حمدة العمر، خريجة دراسات إماراتية، فلفتت إلى أن معدلات الثانوية المطلوبة في الجامعات تختلف بين الحكومية والخاصة حسب التخصص، موضحة أن امتحانات «الآيلتس» تتراوح بين الصعوبة والسهولة وفقا لحظ الطالب، كما أن الجهات المشرفة على هذه الامتحانات تورد أسئلة غريبة وصعبة، منوهة إلى أن «الآيلتس» و«التوفل» تخدم الطلاب الذين يودون متابعة الدراسة خارج الدولة أكثر.وقالت إن هناك طلاباً يلجأون للتخصصات التي تدرس باللغة الإنجليزية لضعفهم في اللغة العربية حتى أنهم لا يعرفون إعراب القواعد العربية أو كتابة أو قراءة بحث جامعي باللغة العربية، مشيرة إلى أن الجامعات الحكومية في بعض برامجها أصبحت تحذو حذو الجامعات الخاصة في توفير دوام مرن للطلبة لتمكينهم من العمل والدراسة في وقت واحد.وألقت حمدة العمر اللوم على أولياء الأمور في التحاق أبنائهم بالجامعات التجارية، والسماح لهم بالتسجيل في الجامعات الخاصة أو الحكومية في برامج قد لا تكون مواكبة لسوق العمل فقط للحصول على شهادة، مضيفة: «هناك أسر للأسف لا تعرف ما هو تخصص أبنائها أو جامعتهم إلا في يوم التخرج رغم أنه من المفترض أن يكون لهم دور قوي وإيجابي في اختيار أفضل الجامعات لفلذات أكبادهم لأن مصيرهم ومستقبلهم مرتبط بذلك».أما عادل محمد علي طالب بكالوريوس إدارة الأعمال، فأشار إلى أن البيئة التعليمية في الجامعات الحكومية معدة بشكل متطور وتجذب الطلبة للدراسة الجامعية، لكنها تضع شروطاً قاسية للقبول في الجامعة. دروس تقوية في الإجازة الصيفيةأشارت الدكتورة سميرة النعيمي خبيرة تربوية، إلى أن كل تخصص جامعي تختلف متطلباته ومعاييره عن الآخر، لكن جميع البرامج معتمدة ومتابعة من وزارة التربية والتعليم، مؤكدة أنه في ما يتعلق بمعدلات الطلاب في الثانوية العامة، أن على الطلاب معرفة توزيع الدرجات وكيفية التقييم منذ بداية العام تلافياً للمفاجآت في نهاية العام الدراسي، إلى جانب أن الطالب مطالب في جميع الأحوال بالدراسة طوال العام دون الاعتماد على كيفية توزيع الدرجات، مقترحة أن تقوم الجامعات الحكومية بعمل برامج تقوية لطلاب الثانوية في الإجازة الصيفية في المادة التي لم يكن معدلهم عالياً فيها، فإذا حصل على درجة عالية وارتفع مستواه يمكن إضافة الدرجة إلى معدله ليساعده ذلك على الالتحاق بالتخصص الذي يريده في الجامعة، معربة عن تفاؤلها بإيجاد وزارة التربية والتعليم حلولاً مبتكرة ومبدعة لمواجهة هذه التحديات.
مشاركة :