لم ينتظر بن عطية كثيرا لتأكيد جدارته باللعب ضمن الأساسيين والتكفل بمهمة تعويض بونوتشي ليقدم عروضا جيدة للغاية نال بها الإشادة من الجميع، ليصبح بذلك عنصرا أساسيا وفعالا في فلسفة مدرب اليوفي خلال هذه الفترة.العرب مراد البرهومي [نُشر في 2017/12/03، العدد: 10831، ص(23)] بدأت تلك "السيدة العجوز" تستعيد عافيتها، لقد انطلقت للتو بخطاها الحثيثة نحو استعادة مكانها الأول في المقدّمة ضمن نخبة فرق الدوري الإيطالي الممتاز، ففريق يوفنتوس نفض “غبار” البداية المترنحة وبدأ يستعيد توازنه المنشود ليحقق في آخر مباراة فوزا ثمينا للغاية خارج قواعده ضد نابولي المتصدر. هذا الفوز جعل اليوفي يقلّص الفارق عن نابولي إلى نقطة واحدة فقط، في انتظار استغلال لحظة الحسم “للانقضاض” على مركز الصدارة، ثم التوجه بسرعة كبيرة نحو محطة الوصول النهائي إلى اللقب. وفي المباراة الأخيرة قدمت هذه “السيدة العجوز” مستوى جيدا للغاية، وقال المهاجم الأرجنتيني غونزالو هيغواين كلمته بعد أن أصاب زملاء الأمس في نابولي فريق الجنوب الإيطالي في “مقتل”، حين سجل هدف النصر الوحيد الذي حسم المواجهة. لكن الأهم من ذلك أن اليوفي قدم مؤشرات جيدة خلال المباريات الأخيرة تؤكد أنه بصدد استعادة ثوابته الدفاعية وصلابته المعهودة، والتي خولت له طيلة المواسم الماضية فرض سطوته واحتكار لقب “السكوديتو” على امتداد ستة مواسم متتالية. وبعد معاناة نسبية في بداية الموسم الحالي إثر الرحيل المفاجئ للمدافع ليوناردو بونوتشي الذي خيّر الرحيل نهائيا نحو فريق الميلان، لم تجد “السيدة العجوز” استقرارها الدفاعي المنشود، ولقد كان صعبا للغاية تعويض بونوتشي الذي شكل طيلة المواسم الماضية ثنائيا رائعا مع كيليني، فسعى مدرب الفريق ماسيميليانو أليغري إلى إيجاد بعض الحلول البديلة لكنه فشل في ذلك في العديد من المباريات. وقبل الفريق عدة أهداف في أغلب المباريات في بداية الموسم، الأمر الذي جعله يخسر عدة نقاط أبعدته نسبيا عن المراكز الأساسية، لتتكهن بعض وسائل الإعلام الإيطالية بنهاية حقبة “السيدة العجوز” بالتوازي مع ارتفاع أسهم نابولي الذي “تسيّد” المشهد العام بفضل قوته الهجومية الضاربة، وتبعه في ذلك فريق إنتر ميلان الذي يسير بخطى ثابتة هذا الموسم خاصة وأنه شدّد الملاحقة بقوة على المتصدر نابولي. وطالت معاناة اليوفي أكثر من اللزوم، وتأكد ذلك أوروبيا عندما انهزم بثلاثية كاملة أمام برشلونة في مباراة الذهاب لحساب دور المجموعات لدوري الأبطال، ثم جاءت خسارة الفريق ضد سامبدوريا مؤخرا لتؤكد متاعب الفريق دفاعيا. وبعد سلسة من المحاولات الفاشلة وجد المدرب أليغري الحل المنشود، لقد أدرك أن مفتاح النجاح واستعادة الصلابة يكمن في منح الثقة المطلقة للمغربي مهدي بن عطية الذي تعافى نهائيا من مخلفات إصابة تعرض لها في بداية الموسم، لذلك كان يتعيّن التعويل على هذا المدافع الألمعي الخبير والمتألق في كل تجاربه السابقة سواء مع أودينيزي أو روما أو بايرن ميونيخ. ولم ينتظر بن عطية كثيرا لتأكيد جدارته باللعب ضمن الأساسيين والتكفل بمهمة تعويض بونوتشي ليقدم عروضا جيدة للغاية نال بها الإشادة من الجميع، ليصبح بذلك عنصرا أساسيا وفعالا في فلسفة مدرب اليوفي خلال هذه الفترة. لقد استفاد هذا المدافع الهادئ من تجاربه العديدة السابقة، لكن الأكثر من ذلك أنه استفاد من تألقه الملحوظ مع المنتخب المغربي، فبن عطية كان أحد أهم المساهمين في تأهل منتخب بلاده إلى المونديال إثر غياب دام عشرين عاما، وفضلا عن نجاحه في إضفاء صلابة كبيرة للغاية لخط دفاع منتخب “أسود الأطلس” الذي لم يقبل أيّ هدف طيلة المباريات الست ضمن التصفيات المونديالية، فإن نجم اليوفي سجل هدفا حاسما في آخر لقاء ضد المنتخب الإيفواري في أبيدجان بالذات. وذلك الهدف بالذات منح بن عطية أجنحة طويلة جعلته يعود بمعنويات مرتفعة للغاية إلى تدريبات ناديه ويقرّ العزم على افتكاك مكان ضمن الأساسيين فكان له ما أراد. لقد شارك في مباراة العودة ضد برشلونة فكان حضوره جيدا للغاية بعد أن أغلق كل المنافذ أمام ميسي وسواريز، قبل أن يشارك في مباراة محلية ضد كروتوني حسمها اليوفي بثلاثية نظيفة قبيل مباراة القمة ضد نابولي، ليستغل ابن المغرب الفرصة ويثبّت قدميه على أرضية صلبة ويمنح فريقه الثبات الدفاعي المنشود. لقد انتهت رسميا حقبة الثنائي كيليني وبونوتشي، ففي حضرة بن عطية سيكون الجزاء على قدر العطاء، وبوجود عطاء وفير من النجم العربي باتت هناك معادلة دفاعية جديدة صلب فريق “السيدة العجوز” أساسها ثنائي قوي يتألّف من بن عطية وكيليني. ومن المؤكد أن بن عطية لن يكتفي بهذا القدر من النجاح، فرغم بلوغه سن الثلاثين إلاّ أنه مقبل على سنة مونديالية يأمل خلالها في مواصلة معانقة المجد والتألق، وسيكون هاجسه الأساسي تأكيد جدارته بالبقاء طويلا ضمن التشكيل الأساسي لليوفي، ومن ثمة التفكير في التتويج باللقب المحلي ولمَ لا اللقب الأوروبي الذي أفلت من قبضة “السيدة العجوز” في مناسبتين سابقتين خلال المواسم الأخيرة. ومن المؤكد أيضا أن “أسد الأطلس” سيكون له تأثير قويّ هذا الموسم على أداء فريقه، فبعد استعادة الهدوء والصلابة الدفاعية سيتعين على بن عطية التفكير في الذهاب إلى أبعد الحدود هذا الموسم، وبفضل احترافيته وانضباطه التام واجتهاده المميّز سيكون المدرب أليغري متفائلا للغاية بخصوص قدرة اليوفي على المضيّ قدما نحو الصدارة. لكن الأكثر من ذلك سيتعيّن على “الصخرة” المغربية بن عطية بعد سبعة أشهر من الآن أن يخط بمعية بقية زملائه في المنتخب المغربي تاريخا مشرفا وحاضرا واعدا خلال المشاركة المونديالية التي ستكون بلا شك مسك ختام لموسم رائع يبدو استثنائيا في مسيرة هذا اللاعب. كاتب صحافي تونسي مراد البرهومي
مشاركة :