فلسفة الأسطورة جدلية التفكير العقلاني والأسطوري من منظور ابستمولوجي حلقة نقاش بأدبي جدة

  • 12/3/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

قدّم الناقد سليمان السلطان خلال الحلقة النقدية التي نظمها نادي جدة الأدبي أمس ورقة نقدية بعنوان (فلسفة الأسطورة ) قال فيها بخلاف الرأي الشائع الأسطورة ليست رديفا للخرافة، بل هي تصور واقعي للعالم والحياة والإنسان، وكما يقول نورثراب فراي أن الأسطورة لا الأدلوجة هي التي تعبر عن الواقع الاجتماعي.  الإنسان قديما (ولا يزال) يتبنى الأسطورة، فهي لا تزال تعمل في الواقع، لكن هيمنة العلم على الطابع المعرفي للإنسان الحديث ازاح الأسطورة عن مكانتها المعرفية، وأفضى ذلك كما يقول فراس السواح في "مغامرة العقل الأولى" إلى "الازدراء الكامل لها"، وذلك راجع كما تؤكد على ذلك كارين أرمستورنغ إلى أن تبلور المنهج العلمي في القرن الثامن عشر جعل اهتمامنا ينصب على حقيقة وقوع الحادثة لا دلالتها التي اهتم بها الإنسان قديما وهي التي عبرت عنها الأسطورة.لكن هناك رؤى عديدة انتصرت للأسطورة ضدا للعقل العلمي، وكشفت الغطاء لا عن البعد العقلاني في الأسطورة وحسب، بل كذلك البعد الأسطوري في العقل! وقال السلطان في تاريخ الفلسفة لم يكن للتفكير الفلسفي أن ينشأ لولا الأسطورة، فمما هو معلوم أن الفلسفة الإغريقية التي نشأت في القرن الخامس تأثرت بالأساطير في تصورها عن الكون، سيما تلك التي ظهرت في الشرق، فتصور طاليس مثلا على أن أصل الكون هو الماء نجد صداها في أساطير الخلق التي ظهرت مبكرا جدا في حضارات ما بين النهرين. ولعله ليس من الصدفة أن تنشأ الفلسفة في جزء جغرافي مطل على الشرق في البحر المتوسط وأقصد بذلك أيونيا في بلاد الإغريق. واستطرد بقوله لكن الأمر لا يقف عند هذا وحسب، بل إن التفكير الأسطوري ذاته ليس منفصلا عن التفكير الاستدلالي والبرهاني الذي يزعم الخطاب العلمي والفلسفي أنه يمثله أكبر تمثيل، ونقدر أن نلحظ ذلك فيما أسماه أرنست كاسيرر "الفاعلية العقلية"، فالعقل لا يعمل بمنأى عن شيئين اثنين: اللغة والأشكال والرموز. وقال نجد صلة واضحة بين اللغة والأسطورة، عند التحليل السيموطيقي نجد أن بنيتهما واحدة: فاللغة هي منظومة من العلامات (الأصوات) والأسطورة هي منظومة من العلامات (الرموز الأسطورية مثل الغول والقطرس)، ومن ثم فإن بنية الأسطورة هي بنية عقلية تقارب بين هذه الرموز من ناحية التشابه والاختلاف تماما كما هي اللغة لدى دو سوسير.  وهذا ما دعى ليفي-سترواسأن يحلل الآلاف من الأساطير باعتبار أنها مادة تضمر نسيج عقلاني لا يقل منطقية عن التفكير العلمي والفلسفي. وابان السلطان وفي الطرف الآخر نجد صلة وثيقة بين الأسطورة والعقل من خلال المجازية، كل من اللغة والأسطورة يعبران بلغة مجازية عن كثير من الأفكار، والمجاز ليس فنون من فنون البلاغة وحسب، بل هو مقاربة منطقية تقول على القياس التمثيلي، أي ربط شيئين مع بعضها البعض لوجود تشابه بينهما، ولا يكون ذلك إلا من خلال التفكير المنطقي العقلي.وكما أن الأسطورة نسق من الرموز فإن اللغة كذلك، والعقل من ثم يتعاطى مع رموز اللغة (الأصوات) بنفس الكيفية التي يتعاطى بها مع الرموز الأسطورية...!  ومن هنا نجد أن العلاقة ما بين اللغة والأسطورة علاقة متينة تكاد تبلغ حد التماهي فيما يتعلق بدورهما في التواصل; فالإنسان يعبر عن معانيه العقلية من خلال تصورات حسية، وكذلك تفعل الأسطورة. وقال السلطان ويرى أرنست كاسيررفي "اللغة والأسطورة" أن الأسطورة تقبع في جوهر الأبستمولوجيا، لأن اللغة تنحو إلى الفكر الأسطوري أكثر منها إلى الفكر العقلاني، فاللغة بقدر ما تعبر عن نفسها بمنطق استدلالي، فإنه تعبر عن نفسها في بدئها الأول بصورة خيالية ابداعية، والتصور الذي هو مادة الفكر الأولية لا يثبت إلا من خلال تجسيده في رموز واشكال، وهذه هو جوهر الفكر الأسطوري ذاته، ومن هنا فالتفكير الأسطوري جزء من فاعلية العقل، ومن ثم لا ينفصل عن التفكير الاستدلالي والمنطقي.الأسطورة في مجملها عبارة عن "أمثولات" للعقل المجرد، وقد لحظ هـ فرانكفورت في "ما قبل الفلسفة" ذلك عندما رأى أن التصوير الشعري في الأسطورة ليس مجرد قصة، وإنما اتخذ كثوب للتعبير عن أفكار مجرد. وقال ورغم اعتقاد اوغست كمنت الشهير في مراحلة المعرفة في التاريخ على أن الإنسان الحديث قد تجاوز مرحلة الأسطورة عندما ولوج عصر العلم والعقل إلا أن هناك ظواهر عدة نشهدها عن عودة الأسطورة، ولو متنكرة، وقد عبر عن ذلك كل من هوركهايمروأدورنوفي "جدل التنوير" عندما وجدا أن فكرة التنوير التي عبرت عن عقلانية الحداثة لا تخلو من خيالات أسطورية، ونلحظ كذلك عودة الميتافيزيقا لا بالقضايا اللاهوتية التقليدية كما كان الحال قديما، وإنما حتى في الواقع المادي الصلب كالتكنلوجيا التي وصفها هيدجر بميتافيزيقا الحداثة. ومن هنا الإنسان كائن عقلاني لأنه كذلك كائن أسطوري العقل، وهنا الأسطورة قدر حتمي للإنسان. وشهدت الحلقة التي أدارها الناقد الدكتور محمد ربيع الغامدي مداخلات عدة من الحضور وكان من أبرز الحضور الناقد على الشدوي والدكتور عبدالله الخطيب.والدكتور عبدالعزيز  الطلحي  والدكتور بدر  العتيبي د. أحمد صبره و د. إبراهيم تاكات و د. عبد الحميد النوري  و د. لمياء باعشن  و د. شيماء قوزلي و د . رشا الزهراوي وعبدالرحمن مرشود وصالح فيضي . ونبيل زارع.

مشاركة :