ذكرت دراسة أميركية حديثة أن قطر تظهر في العلن بوجه فيما تنتهج سياسات تتعارض مع ما تظهر به، متناولة الصورة المزدوجة للدوحة في تعاطيها مع واشنطن، مشددة على أن لنظام الدوحة عقلية إيران نفسها من خلال دعم الميليشيات بدلاً من الحكومات الشرعية. في وقت تحولت الدوحة خلال ستة أشهر من المقاطعة من شريك خليجي إلى تابع إيراني. وقالت دراسة نشرها معهد «جيتستون» الأميركي لأبحاث السياسة الدولية، إن قطر بوجهين، والدوحة «تتظاهر أمام الولايات المتحدة بأنها تدعم القيم التي تؤمن بها، فيما تقيم علاقات وثيقة مع أعداء واشنطن». وتستشهد الدراسة بما قاله المبعوث القطري الدائم إلى جامعة الدول العربية سلطان بن سعد المريخي عندما اعتبر إيران «دولة شريفة». وعلى الرغم من أن إيران مصنفة على قائمة الإرهاب الأميركية، فقد تغاضى المبعوث القطري بذلك عن المؤامرات التي يحوكها النظام الإيراني ضد دول الخليج والمنطقة بأسرها. ومن بين الأمثلة التي ضربتها الدراسة أيضاً لجوء العديد من الكتاب القطريين ومؤيدي قطر، لاسيما جماعة الإخوان، إلى كتابة مقالات تهاجم الإدارة الأميركية. وأضافت الدراسة أنه «في الوقت الذي تتظاهر فيه قطر بكونها دولة متسامحة وداعمة للأميركيين والغربيين ذوي التوجهات الديمقراطية، فإن من يشاهد وسائل إعلامها لن يجد سوى كراهية محضة للقيم الغربية، ودعماً هائلاً لميليشيات مثل حزب الله وجماعات مثل حماس وغيرها». وأشارت الدراسة إلى أن قطر «تشكل جزءاً من محور إقليمي تقوده إيران ويضم حزب الله وحماس وقوى تؤمن بما يعرف بولاية الفقيه». وقالت إن «للنظام القطري العقلية نفسها التي تتبناها إيران من خلال دعم ميليشيات وجماعات بدلاً من التعامل مع الحكومات الشرعية». في السياق، تحولت الدوحة خلال ستة أشهر من المقاطعة من شريك خليجي إلى تابع إيراني، فبعد أسبوعين فقط من لقاء جمع وزيري النقل الإيراني والقطري في العاصمة طهران نهاية أكتوبر الماضي لبحث خطط إنشاء ممرين بحري وجوي بين البلدين، كانت شحنات الفاكهة والخضر تتعفن في موانئ ومطارات إيران بعد «فضيحة» إغراق التجار الإيرانيين أسواق الدوحة بصادرات فاسدة. طهران التي سعت للتهوين من الأزمة قائلة إنها علقت جزئياً صادراتها للدوحة بسبب شبهات فساد الموردين، لم تتردد أيضاً في أن توضح على لسان مدير مطار شيراز (مركز محافظة فارس) رضا بديعي، بحسب وكالة «إيرنا»، أن التصدير توقف لأن تغليف البضائع المشحونة إلى قطر تم بطريقة «غير مناسبة جداً»، وأضاف أن الخضراوات كانت تحتوي على «وحل». الوحل الإيراني لم يزعج على ما يبدو وزير الاقتصاد والتجارة القطري أحمد بن جاسم آل ثاني، الذي التقى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بمكتبه في طهران في نوفمبر الماضي، معانقاً إياه في أجواء سادها الود. وتبدو الدوحة أكثر حساسية تجاه تعليقات أشقائها العرب على سلوكها السياسي، في وقت لا تمانع من ابتلاع الوحل الإيراني بعد أن خطت طواعية من موقع الشريك الخليجي إلى موقع التابع الإيراني بعد ستة شهور من قرار الدول العربية الداعية لمكافحة الإرهاب بمقاطعة الدوحة، على خلفية دعمها للإرهاب وانخراطها في تنفيذ الأجندة الإيرانية في المنطقة. وظل أمراء قطر يتجاهلون نصائح عربية وخليجية بالتزام المواثيق التي وقعتها دول مجلس التعاون الخليجي لضبط السلوك السياسي للإمارة الطامعة في دور يفوق قدرتها التي تحددت بحسابات الجغرافيا والتاريخ. وقاد الرفض القطري لنصائح الأشقاء وانخراطها في سلسلة مؤامرات بحق دول عربية وتدخلها السافر في شؤونها الداخلية إلى قرار الرباعي العربي (السعودية والإمارات ومصر والبحرين) الداعي لمكافحة جدية للإرهاب بقطع العلاقات الدبلوماسية مع نظام الدوحة، الذي ظل شريكاً عربياً وخليجياً حتى الخامس من يونيوالماضي عندما أعلنت الدول الأربع المقاطعة لها. موقع التابع الذي فرضه أمراء الدوحة على أنفسهم تجلى في النغمة النشاز التي رددها مندوب قطر لدى الجامعة العربية، سيف بن مقدم البوعينين، في سبتمبر الماضي، حينما وقف منفرداً للدفاع عن طهران في اجتماع للجامعة العربية على المستوى الوزاري، ناعتاً إيران بـ«الدولة الشريفة»، متناسياً على الأرجح تأييد بلاده جميع بيانات الجامعة العربية السابقة ضد التدخلات الإيرانية في الشؤون العربية. ولم يكن موقف المندوب القطري مستغرباً، فتصريحاته جاءت بعد أيام من قرار الدوحة إعادة فتح السفارة القطرية في طهران، وإعلانها أن سفيرها سيعود لممارسة عمل كان قد قطعه بعد أن عمدت قطر إلى سحبه على خلفية تعرض سفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد لهجوم من أتباع الحرس الثوري والباسيج في مخالفة صارخة للأعراف والقوانين الدولية. الموقع الجديد الذي اختارته الدوحة ألزمها بإعادة النظر في خطابها السياسي ومخططاتها في الإقليم، فلم يعد مستساغاً أن تواصل قناة «الجزيرة» القطرية ومنصاتها الإعلامية الأخرى وصف بشار الأسد بـ«الديكتاتور»، فخصوم الأمس باتوا رعاة اليوم، الأمر يفسر التساهل الذي تعامل به الإيرانيون مع «جبهة النصرة» فرع تنظيم القاعدة في سورية الممول من قطر. وبالنظر لسلسلة التفاهمات التي وقعها التنظيم الإرهابي القاعدي والميليشيات اللبنانية التابعة لإيران، لم يعد ثمة شك في تعديل بوصلة قطر باتجاه قرار ملالي طهران، من دون أن يقتصر هذا الأمر على الملف السوري فقط. رهن القرار القطري بالتوجهات الإيرانية كان من بين الأسباب التي تفسر اعتماد قطر الرواية الإيرانية حينما أدانت على استحياء استهداف الرياض بصاروخ باليستي إيراني من الأراضي اليمنية في فعلة استحقت إدانات دولية وعربية لم تتأخر، لكن كتابع بين آخرين لم يكن مناسباً أن تعلق الدوحة على جريمة أوليائها إلا بما يرضيهم.
مشاركة :