تقف وراء مسيرة مجلس التعاون الخليجي، الذي تأسس قبل 37 عاماً، قصص من الكفاح والعزيمة والإرادة والنظرة المستقبلية الجادة، وهي صفات تمتع بها قادة دول الخليج آنذاك؛ ما دفعهم إلى العمل سوياً، حتى تكون لدولهم كيان سياسي واقتصادي واجتماعي متكامل، ينظم ويرتب الأولويات، وتجني دول المجلس ثمار ما زرعه قادة الأمس، إذ باتت دول الخليج كياناً واحداً، ولكنه مقسم على ست دول. وتتواصل مسيرة مجلس التعاون في عهد القادة الحاليين، محققاً المزيد من الإنجازات والنجاحات التي عززتها اللحمة الألفة بين دول المجلس وشعوبها مجتمعين، ولا يمنع هذا من الإشارة إلى أن المشوار مازال طويلاً لتحقيق كافة الأهداف التي سعى إليه مجلس التعاون وقت تأسيسه. تأسس مجلس التعاون الخليجي، بعد اتفاق أبرم في 25 مايو من العام 1981 في الرياض، بين كل من المملكة العربية السعودية، ومملكة البحرين، ودولة الكويت، وسلطنة عمان، ودولة قطر، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وأعلنت هذه الدول أنه سيتم تأسيس المجلس في ضوء العلاقات المتميزة التي تربط بينهم، والنظم السياسية المماثلة على أساس العقيدة الإسلامية، والمصير المشترك والأهداف المشتركة. وترجع فكرة التأسيس إلى الشيخ زايد آل نهيان، وأمير دولة الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح، يرحمهما الله. وتقول كتب التاريخ إن فكرة تأسيس مجلس التعاون، نبعت في 16 مايو 1976م، عندما زار أمير دولة الكويت آنذاك الشيخ جابر الأحمد الصباح، دولة الإمارات العربية المتحدة؛ لعقد مباحثات مع رئيس دولة الإمارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حول إنشاء مجلس التعاون الخليجي. واقترح فكرة إنشاء المجلس، حيث خطط ونفذ المشروع لرغبته -يرحمه الله- في تعزيز القوة والترابط الخليجي، وذلك بعدما كان قد اقترح إنشاء المجلس في قمة لجامعة الدول العربية في الأردن في عمان في نوفمبر 1980م، وفي عام 1996م اقترح إنشاء مجلس شعبي استشاري لدول مجلس التعاون الخليجي، وذلك في القمة الـ17 في الدوحة، يتكون من 30 عضواً بمعدل خمسة أشخاص للدولة الواحدة. ولم يكن قرار تأسيس مجلس التعاون مفاجئاً أو بلا مقدمات دعت إليه، وإنما جاء تجسيداً مؤسسياً لواقع تاريخي واجتماعي وثقافي عايشته دول المنطقة، حيث تتميز دول مجلس التعاون بعمق الروابط الدينية والثقافية، والتمازج الأسري بين مواطنيها، وهي في مجملها عوامل تقارب وتوحد عززتها الرقعة الجغرافية المنبسطة عبر البيئة الصحراوية الساحلية التي تحتضن سكان هذه المنطقة، وخلق المشهد ترابطاً بين سكان هذه المنطقة وتجانساً في الهوية والقيم والعادات والتقاليد.تفاصيل الاجتماع وفي تفاصيل اجتماع الـ25 مايو من العام 1981، توصل قادة التعاون آنذاك، إلى صيغة تعاونية تضم الدول الست، وتهدف إلى تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين دولهم في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها، وفق ما نص عليه النظام الأساسي للمجلس في مادته الرابعة، التي أكدت أيضاً على تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون بين مواطني دول المجلس. وجاءت المنطلقات واضحة في ديباجة النظام الأساسي التي شددت على ما يربط بين الدول الست من علاقات خاصة، وسمات مشتركة، وأنظمة متشابهة أساسها العقيدة الإسلامية، وإيمان بالمصير المشترك ووحدة الهدف، وأن التعاون فيما بينها إنما يخدم الأهداف السامية للأمة العربية.أهداف المجلس وعند تأسيس المجلس، كانت هناك أهداف وراء قصة الإنشاء، ومنها: وضع أنظمة متماثلة في مختلف المجالات، مثل الدين والمالية والتجارة والجمارك والسياحة، والتشريع، والإدارة، وتعزيز التقدم العلمي والتقني في الموارد الصناعة والتعدين والزراعة والمياه والحيوان، وإنشاء مراكز البحث العلمي، وإقامة مشروعات مشتركة، وتأسيس الجيش الموحد (شبه الجزيرة قوة درع)، وتشجيع التعاون مع القطاع الخاص، وتعزيز العلاقات بين شعوبها، وإنشاء عملة موحدة. وكان مخطط دول مجلس التعاون الخليجي هو دمج أنظمة الرادار البحرية والبرية، وخلق المراقبة الجوية المشتركة ونظام التحذير بناء على طائرات الأواكس السعودية، وحل مشاكل التوافق مع نظم الاتصالات الإلكترونية المختلفة، ومع ذلك تأخر إدخال هذه البرامج. وفي عام 1984 اتفق وزراء دفاع دول مجلس التعاون الخليجي على إنشاء "لواء 2" المكون من 10 آلاف رجل بشبه الجزيرة "قوة درع الجزيرة"، وهي قوة تدخل مشتركة، مقرها بالقرب من مدينة الملك خالد العسكرية في حفر الباطن تحت قيادة ضابط سعودي.شعار المجلس واتخذ مجلس التعاون الخليجي شعاراً له، عبارة عن اثنين من دوائر متحدة المركز، ففي الجزء العلوي توجد دائرة واسعة، ومكتوب بداخلها عبارة بسم الله باللغة العربية، وعلى الجزء السفلي الاسم بالكامل للمجلس باللغة العربية، وتحتوي الدائرة الداخلية على شكل سداسي، وبه النقش الذي يمثل الدول الست الأعضاء في المجلس، ويشمل داخل الشكل السداسي خريطة تضم شبه الجزيرة العربية، والتي هي ذات اللون البني لمناطق الدول الأعضاء، وعليها أعلام دول الأعضاء الست.أسس وروابط حدّد النظام الأساسي لمجلس التعاون أهداف المجلس في: تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين، وصولاً إلى وحدتها، وتوثيق الروابط بين شعوبها، ووضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين الاقتصادية والمالية، والتجارية والجمارك والمواصلات، وفي الشؤون التعليمية والثقافية والاجتماعية والصحية والإعلامية والسـياحية والتشريعية، والإدارية، ودفع عجلة التقدم العلمي والتقني في مجالات الصناعة والتعدين والزراعة والثروات المائية والحيوانية، وإنشاء مراكـز بحوث علمية وإقامة مشاريع مشتركة، وتشـجيع تعـاون القطاع الخاص. ويتمتع المجلس بما يسمى "المجلس الأعلى"، وهو السلطة العليا لمجلس التعاون، ويتكون من رؤساء الدول الأعضاء، ورئاسته دورية حسب الترتيب الهجائي لأسماء الدول، ويجتمع في دورة عادية كل سنة، ويعين الأمين العام، ويجوز عقد دورات استثنائية بناء على دعوة أي دولة عضو، وتأييد عضو آخر. وفي قمة أبوظبي لعام 1998م قرر المجلس الأعلى عقد لقاء تشاوري فيما بين القمتين السابقة واللاحقة. ويعتبر انعقاد المجلس صحيحاً إذا حضر ثلثا الأعضاء الذين يتمتع كل منهـم بصوت واحد، وتصدر قـراراته في المسائل الموضوعية بإجماع الدول الأعضاء الحاضرة المشتركة في التصويت.المجلس الوزاري ولمجلس التعاون الخليجي مجلس وزاري من وزراء خارجية الدول الأعضاء أو من ينوب عنهم من الوزراء. وتكون رئاسته للدولة التي تولت رئاسة الدورة العادية الأخيرة للمجلس الأعلى، ويعقد المجلس اجتماعاته مرة كل ثلاثة أشهر ويجوز له عقد دورات استثنائية بناء على دعوة أي من الأعضـاء وتأييد عضـو آخر، ويعتبر انعقاده صحيحاً إذا حضر ثلثا الدول الأعضاء. وتشمل اختصاصات المجلس الوزاري، من بين أمور أخرى، اقتراح السياسات ووضع التوصيات الهادفة لتطوير التعاون بين الدول الأعضاء، والعمل على تشجيع وتنسيق الأنشطة القائمة بين الدول الأعضاء في مختلف المجالات، وتحال القرارات المتخـذة في هـذا الشـأن إلى المجلـس الـوزاري الـذي يرفع منهـا بتوصية إلى المجلـس الأعلـى ما يتطلب موافقته. كما يضطلع المجلس بمهمة التهيئة لاجتماعات المجلس الأعلى وإعداد جدول أعمالـه. وتماثل إجـراءات التصويت في المجلـس الـوزاري نظيرتهـا في المجلــس الأعلى. وتتلخص اختصاصات الأمانة العامة في إعداد الدراسة الخاصة بالتعاون والتنسيق والخطط والبرامج المتكاملة للعمل المشترك، وإعداد تقارير دورية عن أعمال المجلس، ومتابعة تنفيذ القرارات، وإعداد التقارير والدراسات التي يطلبها المجلس الأعلى أو المجلس الوزاري، والتحضير للاجتماعات وإعداد جدول أعمال المجلس الوزاري ومشروعات القرارات، وغير ذلك من المهام.
مشاركة :