تبدو أزمة السكن في المملكة عجيبة بعض الشيء، ليس لسبب سوى أن بلادنا -ولله الحمد-، أكبر بلد عربي من حيث المساحة، ما جعله مترامي الأطراف في كل الاتجاهات، وبه من الأراضي البيضاء، ما يكفي لبناء مساكن لكل مواطن ومقيم أيضا، كما أنعم الله علينا بنعمة سيولة المال، الذي يؤمن هذه المساكن في أحسن صورة، ولكن المشكلة، كما يعرف الجميع، في أنظمة القطاع العقاري "غير المفعلة"، ومشكلاته القديمة، وعدم المسارعة في حلها في التو واللحظة، إلى أن تراكمت عاما بعد عام، وعقدا بعد آخر، ووصل بنا الحال إلى ما نحن فيه اليوم. ومن يتابع جهود الدولة لحل مشكلة السكن، يتأكد أنها تتبع الآن آلية تتسم بالشفافية والمصداقية، وبلغت هذه الآلية ذروتها، بالتزامن مع إعلان رؤية المملكة 2030 قبل أكثر من عام، حيث دفعت الرؤية وزارة الإسكان للاعلان عن تفاصيل منتجاتها العقارية على الملأ، منتصف كل شهر ميلادي، بعيداً عن "التسويف" و"الوعود البراقة" التي كان المواطن يسمعها من المسؤولين في وقت سابق، ولا يستشعرها على أرض الواقع. وأستطيع التأكيد أن أبرز جهود وزارة الإسكان، ممثلة في صندوق التنمية العقارية، التي تصب في مصلحة حل أزمة السكن، وحلحلة عقدتها، تكمن في الاهتمام بـ"التمويل"، الذي يعتبر من أهم المنتجات العقارية المُعلن عنها شهرياً من قبل الوزارة. وأرى -كما يرى غيري الكثيرون- أن "التمويل" يحمل في طياته الكثير من حلول أزمة السكن من جذورها، إذا كان محل اهتمام من جميع الجوانب. وقد مرت آلية التمويل العقاري الرسمي للمواطنين بمراحل مهمة، لكل مرحلة ظروفها الخاصة بها ومناخها العام، إلى أن وصلنا اليوم إلى مرحلة "القرض المدعوم"، الذي بدأ يكشف عن مزاياه وإيجابياته، بعدما اقتنع به غالبية المواطنين، وأقبلوا عليه، للاستفادة منه في تأمين مساكن لهم، ولكن علينا أن نسأل أنفسنا لماذا لم يحظَ هذا المنتج بالقبول الجيد واللائق في بداية الإعلان عنه. وهنا اسمحوا لي أن أركز على ملامح التسويق الجاد والشامل والمقنع لمنتجات وزارة الإسكان، شريطة أن يتضمن هذا التسويق المشهد الكامل لقصة كل منتج، والظروف التي أثرت فيه، وأعني بكلامي بالطبع منتج "القرض المدعوم". إذ يمكن القول إن الظروف الحالية، فرضت التوقف عن الآلية القديمة للقروض العقارية، التي كان يحصل بموجبها المواطن على قرض حسن مباشر بقيمة 500 ألف ريال من صندوق التنمية العقارية، واليوم ليس لدى الصندوق الإمكانات المالية للاستمرار في هذه القروض، وليس للمواطن القدرة للانتظار 30 عاما أو أكثر للحصول على قرضه "الحلم"، ولذا كان لابد من الاتجاه إلى آلية "القرض المدعوم"، ومشاركة البنوك التجارية وشركات التمويل الخاصة فيه، حتى يخفف هذا عن كاهل الدولة، رغم أنها كانت حريصة على ألا يتحمل أصحاب الرواتب من 14 ألف ريال فأقل، أي أرباح، وهذا ما كان يجب أن يعرفه المواطن منذ اللحظة الأولى للإعلان عن "القرض المدعوم"، صحيح أن كل هذه المعلومات وغيرها، قيلت في وسائل الإعلام، ولكنها لم تصل إلى المواطن المُستهدف، الذي استمع لشائعات كثيرة عن القرض، وتأثر بها، مما عطل استفادته من هذا المنتج العقاري. أعيد وأكرر أن تسويق المنتجات العقارية بأساليب مغايرة أمر لابد منه، وأن إيصال المعلومة الصحيحية إلى المواطن، مسؤولية يجب القيام بها على أحسن صورة، وهذا ما ينبغي التركيز عليه في الفترة المقبلة، حتى لا يقع المواطن تحت تأثير حزب "يقولون"، وهو ما يبعثر الجهود، وينشر الشائعات، ويعطل مسيرة التنمية، وأعتقد أننا في مرحلة، لا تحتمل ظهور هذه السلبيات.
مشاركة :